يتولي بابا الفاتيكان منصبه عن طريق الانتخاب من قبل الكرادلة أما بابا الإسكندرية فيأتي بالقرعة الهيكلية ويصدر قرار جمهوري بتعيينه ممدوح نخلة: الحكومة أرادت أن تجعل من البابا شنودة رمزا سياسيا لكي تتعامل مع رجل واحد فقط يدين بالولاء لها المستشار لبيب حليم: تأثير بابا الكاثوليك أشبه بموقف الشيعة في مصر فعددهم ضئيل جدا وبالتالي فتأثيرهم غير واضح بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر كلما ثارت أزمة بين الأقباط والمسلمين ستجد اسم البابا شنودة الثالث حاضرا بقوة، المظاهرات التي خرجت في أزمة كاميليا شحاتة خرجت لتندد بموقف البابا شنودة وتتهم الكنيسة بأنها صارت دولة داخل الدولة. بينما في أزمة عالمية مثل قضية الرسوم المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم أو دعوة القس تيري جونز لحرق القرآن، لم يظهر اسم بابا الفاتيكان ولم يطالبه أحد بشيء رغم كونه يترأس كنيسة عالمية. بل إن الغريب في الأمر أنه عندما قال بابا الفاتيكان تصريحات مسيئة للإسلام في محاضرة ألقاها، غضب المسلمين في العالم كله، وفي مصر طالب البعض باعتذار من البابا شنودة الثالث لتخرج وقتها قيادات كنسية تؤكد أنه لا علاقة للكنيسة في مصر بالكنيسة في روما وأن بابا الإسكندرية هو بابا الأقباط الأرثوذكس بينما بابا الفاتيكان هو بابا الأقباط الكاثوليك.. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن الفارق بين الباباوين وما صلاحيات كل منهما والدور الذي يلعبه وأين تقف سلطات كل بابا. المستشار لبيب حليم نائب رئيس مجلس الدولة يقول إن بابا الفاتيكان رئيس دولة وله حصانة دبلوماسية أما البابا شنودة فهو شخص عادي ليست له أي حصانات. وهو ما يتفق معه المستشار ممدوح نخلة رئيس منظمة الكلمة لحقوق الإنسان الذي يفسر الأمر أكثر بقوله إن الأول رئيس دولة معترف بها وعضو في الأممالمتحدة ولها علاقات دبلوماسية مع نحو 190 دولة أخري أما الثاني فهو رئيس طائفة ليست له صلاحيات، الأول أتباعه نحو نصف مليار أو أكثر أما الثاني فأتباعه حوالي 15 مليوناً فقط، بابا الفاتيكان له وزراء وسفراء في العالم أما البابا شنودة ليس له وزراء ولا سفراء، الكنيسة في الفاتيكان تتبعها الكنائس الكاثوليكية في العالم كله أما الكنيسة الأرثوذكسية فهي تشمل مصر وشمال إفريقيا والسودان وإثيوبيا والصومال وإريتريا. الأول يرأس كرسي روما والثاني يرأس كرسي الإسكندرية، وبين الاثنين اختلاف في أمور كثيرة جدا من ناحية العقيدة والطقوس والأسرار. ولكي نعرف كيف ظهر منصب بابا الإسكندرية وبابا روما يجب أن نعود إلي القصة من بدايتها. في عام 30 قبل الميلاد أصبحت مصر ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية ثم دخلتها المسيحية علي يد القديس مرقس الرسول في وقت كان يعاني المصريون من الاضطهاد الروماني، وبحسب المستشار لبيب حليم لبيب فإن الكثير من المصريين المضطهدين تحولوا إلي المسيحية ومع زيادة عددهم تكونت اللبنة الأولي التي أسست فيما بعد الكنيسة القبطية التي تعد أقدم الكنائس. لاقي الأقباط في مصر اضطهادا شديدا علي يد الأباطرة الرومانيين حتي بعد أن أصبحت المسيحية الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية ووصلت المواجهات إلي ذروتها في مجمع خلقيدونية عام 451 م والذي انقسمت بسببه الكنيسة في العالم إلي أتباع مذهب الطبيعة الواحدة للسيد المسيح بقيادة كنيسة الإسكندرية، وأتباع مذهب الطبيعتين بقيادة كنيستي روما وبيزنطة. في البداية كانت الكنيسة الكاثوليكية تمارس نشاطا دينيا فقط، وكان البابا يتمتع بسيطرة روحية علي الكاثوليك ويباشر في الوقت نفسه السيادة علي روما وبعض المقاطعات الإيطالية والفرنسية وكان يتمتع بجميع الحقوق والامتيازات التي يقرها القانون لرئيس الدولة. وظل الوضع هكذا حتي احتل الجيش الإيطالي هذه الدولة «البابوية» عام 1870 لتتوقف سلطات البابا كرئيس للدولة وتبقي له الصلاحيات الروحانية فقط بوصفه رئيساً للكنيسة الكاثوليكية. إلا أنه في 11 فبراير عام 1929 عقدت إيطاليا مع البابا معاهدة «لاتزان» التي اعترفت للبابا بالسيادة علي إقليم الفاتيكان الذي أصبح مستقلا عن باقي أجزاء إيطاليا، ويخضع لسلطان البابا كدولة قائمة بذاتها. وهكذا أصبح بابا الفاتيكان الرئيس الروحي للكنيسة الكاثوليكية وهو خليفة القديس بطرس الرسول، وهو أسقف مدينة روما ويمارس صلاحيات الأسقف عليها، وهو أيضًا الرئيس الأعلي لدولة الفاتيكان والمسئول الأول عنها. ويتولي بابا الفاتيكان منصبه عن طريق الانتخاب من قبل الكرادلة عن طريق طقوس خاصة، حيث يجتمع الكرادلة في الكنيسة بالفاتيكان ويبقون فيها حتي انتخاب البابا الجديد ويعلنون عن ذلك عن طريق دخان أبيض يتصاعد من المدخنة، أما في حالة فشلهم في انتخابه فيتصاعد دخان أسود بدل الأبيض. أما بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية فالأمر مختلف، فمنذ دخول المسيحية إلي مصر كانت للكنيسة حرية الحركة في تدبير شئونها الداخلية وتأسيس مؤسساتها التعليمية واللاهوتية والثقافية دون أن تسمح بأي تدخل في شئونها. وبحسب المستشار لبيب حليم فإن الأمر استمر علي هذا النحو حتي بعد دخول الإسلام إلي مصر فقد اهتم العرب ببابا الأقباط، وحين عرف عمرو بن العاص قصة البابا بنيامين الذي اختفي هاربا من الروم كتب عمرو إلي جميع أقاليم مصر كتاب أمان إلي البطريرك قال فيه: «الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصاري القبط، له العهد والأمان والسلامة من الله فليحضر آمنا مطمئنا ويدبر حالة بيعته وسياسة طائفته». وهكذا أصبح البابا هو من يدير شئون الكنيسة وكان مكلفا بتنظيم الشئون الداخلية للمسيحيين الأرثوذكس مثل الزواج والمواريث ويشرف علي شئون الأديرة والكنائس ومن بها من الرهبان. ويتم انتخاب البابا عن طريق مبدأ القرعة الهيكلية وقد حددت لائحة انتخاب البطريرك الصادرة في نوفمبر عام 1957 الشروط الواجب توافرها فيمن يتم ترشحه للكرسي البطريركي أن يكون مصريا قبطيا أرثوذكسيا وأن يكون من الرهبان، وأن يكون قد بلغ من العمر أربعين عاما ثم تحدثت اللائحة عن عملية الانتخاب وبعد إتمام فرز الأصوات يعلق رئيس اللجنة أسماء المرشحين الثلاثة الحائزين علي أعلي الأصوات بحسب ترتيب حصولهم عليها ثم تجري القرعة الهيكلية، ويعلن اسم من اختارته القرعة، ثم يصدر قراراً جمهورياً بتعيينه. ولكن إذا كان الأمر علي هذا النحو فإن هذا يعني أن بابا الأقباط الأرثوذكس منصبه ديني فقط في حين أن بابا الفاتيكان يجمع بين المنصبين الديني والدنيوي فهو رئيس دولة إلي جانب كونه بابا. ورغم هذا فإن بابا الفاتيكان يتم التعامل معه في العالم كله وتكريمه باعتباره رمزاً دينياً دون أن يكون له موقف سياسي إلا فيما ندر، وعلي الجانب الآخر نجد البابا شنودة الثالث يطلق تصريحات سياسية تثير جدلا كبيراً بل إن له مواقف واتجاهات سياسية واضحة تجعل البعض يصف الكنيسة في مصر بأنها «دولة داخل الدولة» وهو الأمر الذي تنفيه القيادات الكنسية في مصر مؤكدة أن البابا لا يتدخل في السياسة ليعود بعدها البابا شنودة ويطلق تصريحا سياسيا يثير به جدلا جديدا. المستشار لبيب حليم نائب رئيس مجلس الدولة يفسر الأمر بأن بابا الفاتيكان يمثل الكاثوليك وهم نسبة قليلة في مصر والعالم العربي لذا فإن مواقفه السياسية واتجاهاته لا تبدو واضحة بينما الأقباط الأرثوذكس عددهم 22 مليوناً- بحسب الرقم الذي ذكره- إلي جانب أن البابا شنودة نفسه يتمتع بشخصية قوية وهو الأمر الذي يجعل البعض يري تأثير الثاني ضخما بينما لا يوجد أي تأثير لبابا الفاتيكان. ويضيف: أن تأثير بابا الكاثوليك أشبه بموقف الشيعة في مصر فعددهم ضئيل جدا وبالتالي فتأثيرهم غير واضح. أما ممدوح نخلة رئيس منظمة الكلمة لحقوق الإنسان فيختلف معه، مشيرا إلي أن الكاثوليك يتم التعامل معهم كشعب ولا يتم حصرهم في شخص واحد أما في حالة الأقباط الأرثوذكس فإن الحكومة المصرية أرادت أن تجعل من البابا شنودة رمزا سياسيا لكي تشجع الأقباط علي أن يلتفوا حوله وبدلا من التعامل مع 10 مليون أرثوذكسي مثلا تتعامل مع رجل واحد فقط يدين بالولاء لها.