جاء الحكم ببطلان عقد مدينتي في توقيت يقف فيه الرأي العام بصلابة ضد كل من نهبوا ثرواته بعد أن أصبحت مشاعًا لكل سارق، وأكد الحكم فساد قطاع كبير من الجهاز الإداري للدولة، عندما تم تسهيل عمليات الاستيلاء علي أراضي الدولة.. ورغم تنديد كثيرين لما يجري من نهب منظم للأراضي، فإن مسئولاً واحدًا بالدولة لم يحرك ساكناً لوقف هذا النهب، سوي بعد تدخل الرئيس في قضية آمون ثم إلزامه الحكومة بسن القوانين المنظمة لعمليات بيع أراضي الدولة. وفي ظل هذه الأجواء التي تشهد الفرح بالانتصار علي فساد الإدارة الحكومية وبين ترقب رجال الأعمال، ثم غياب قواعد منظمة لمثل تلك الحالات، عندي هنا عدد من الملاحظات التي نحتاج التوقف أمامها وهي: 1- ضرورة الإسراع بإقرار حزمة من التشريعات التي تحقق هدفين رئيسيين معًا هما الحفاظ علي مستقبل الأجيال القادمة من ثروات المصريين من الأراضي وفي نفس الوقت تحقيق التنمية، مع طرح تلك التشريعات للنقاش العام قبل إقرارها، وألا تتم بليل أو أن يأتي أحد الكبار ليطالب بتعديلها بعد إقرارها ويتم له ذلك.. نريد تشريعًِا يحفظ حقوق الدولة والمجتمع وكذلك حقوق المستثمر الجاد. 2- حالات بيع وتخصيص الأراضي يجب ألا تكون علي درجة متساوية من حيث تعامل الحكومة معها.. فهناك المستثمر الجاد الذي يحصل علي الأرض بهدف تنميتها، وهناك الفاسد الذي يتربح من ورائها إما بتسقيعها أو بيعها للتربح من ورائها. 3- ضرورة قيام المركزي للمحاسبات بحصر جميع أراضي الدولة التي بيعت ومراجعة جميع العقود التي تم إبرامها مع المشترين، واتخاذ الإجراءات القانونية لفسخ كل عقد فاسد نتج عنه ضياع حقوق المصريين. 4- نهب الأراضي ليس مقصوراً علي المشروعات العقارية «منتجع السليمانية» أو استصلاحها الزراعي «حالة أرض الوليد بن طلال في توشكي»، بل هناك فساد كبير فيما يعرف بالأراضي الصناعية، وهي تلك التي حصل عليها بعض السماسرة وأصحاب المال بهدف إقامة مشروعاتهم الصناعية لكنهم قاموا بتسقيعها وبيعها وربحوا كثيراً.. فهل يفتح النائب العام هذا الملف؟. 5- أن يبدأ النائب العام بتكليف من رئيس الجمهورية بفتح ملفات بعض الوزراء الذين فسدوا وأفسدوا وربحوا وتربحوا من وراء قصة بيع أراضي الدولة سواء كانوا في السلطة أو خرجوا منها، هذا إذا أرادت الدولة فعلاً إعمال الشفافية وأن تخرج من دائرة الكلام إلي دائرة الفعل. 6- فيما يتعلق بموضوع مدينتي علينا أن نفرق بين هشام طلعت مصطفي وقضيته المحبوس علي ذمتها حاليًا وهو بين يدي القضاء، وبين مجموعة طلعت مصطفي ككيان اقتصادي كبير مهم يعمل في قطاع التشييد والبناء ورأسماله يتجاوز 22 مليار جنيه، ويعمل به أكثر من 15 ألف موظف وليس من المصلحة العامة انهيار هذا الكيان.. فعلي الدولة أن تبحث عن صيغة تضمن بها استمرار مشروع مدينتي الذي يعمل به مائة وخمسون ألف عامل مصري لا يجوز تشريدهم، وكذا الحفاظ علي أموال سبعة وعشرين ألف حاجز في المشروع غالبيتهم من العاملين بالخليج.. دفعوا أموال غربتهم في هذا المشروع وصدقوا الحكومة.. هذا هو الشق الأول من قضية مدينتي. أما الشق الثاني فهو ضرورة احترام الحكومة حكم القضاء الذي صدر.. وجوهر الحكم هو الحفاظ علي ثروة المصريين من الأراضي.. وأن يجري البيع بالسعر العادل والحقيقي للأرض وقت الشراء.. وهذا ما ينبغي علي الحكومة إنجازه من خلال تقييم الأرض ومطالبة مجموعة طلعت مصطفي بسداد فروق الأسعار بين ما تم البيع به وبين السعر الذي يجب البيع به، مما يحفظ لكل الأطراف حقوقهم دون افتئات علي حقوق الآخرين. الحكومة علي المحك في تلك القضية.