البرادعي أفضل من يصلح لرئاسة مصر لأنه يتمتع بقراءة صحيحة لمشكلاتنا رغم وجوده بالخارج رغم شعوري بالفخر لأن البرادعي أحد تلاميذي فإني أختلف معه فيما يتعلق بالرقابة الدولية د. ثروت بدوي عاصر الفقيه الدستوري د. ثروت بدوي عهود الجمهورية الأربعة بعد قيام ثورة يوليو عام 1952، وكان شاهدا علي عصر محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك، وهي شهادة بكل تأكيد تختلف عن غيرها، لأن د. ثروت ليس فقط أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة القاهرة وإنما هو أيضا وكيل لجنة وضع دستور 1971 «الذي لايزال معمولا به حتي الآن»، كما أن لديه قدرة لافتة علي «التنبؤ السياسي»، وقد توقع انفصال سوريا عن مصر قبل حدوثه ب 15 شهرا، وتوقع أيضا نهاية عصر السادات قبل اغتيال الرئيس ب 20 يوما فقط، ولكل هذا فإن قراءته للمشهد السياسي في مصر الآن- خاصة مع دخول د.محمد البرادعي إليه وهو أحد تلاميذ د.ثروت بدوي - لابد وأنها تحتوي علي كثير من العلامات المضيئة لمن يبحث عن مخرج ونور. كيف تقرأ مطالب الدكتور محمد البرادعي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ - الدكتور البرادعي يعرف ما يقول ويعي تماما أن ما يطالب به صعب المنال في الجو الاستبدادي الذي أحاط بمصر منذ 6 عقود كاملة ويعي جيدا أن تعديلات المادة 76 من الدستور مقصود بها تأكيد استمرار ودوام نظام الحكم الفردي المطلق الذي لا يسمح بوجود شخص آخر إلي جانب شخص الرئيس الفرد الواحد الذي لا يناقش ولا يمكن أن يعترض أحد علي عمل يعمله، وما قاله البرادعي سبق له أن قاله في خطابه في جامعة القاهرة بمناسبة تكريمه منذ عدة أشهر وهو نفس ما قررته لجنة الدستور التي شكلت من 50 عضواً عام 1953 لوضع دستور جديد لمصر وهو نفس ما دعت إليه الكثرة الغالبة من أعضاء لجنة الدستور التي كانت مكلفة بوضع مشروع دستور عام 1971، والدستور الذي وضعته لجنة 53 أو مشروع لجنة 71 لم ير النور المشروع الأول في عهد عبد الناصر الذي رفضه تماما وأعلن دستوراً آخر مختلفاً تماماً في 16 يناير عام 56، وكان ذلك الدستور مختلف كليا عن مشروع الدستور الذي كانت قد وضعته لجنة ال 50 المشكلة في عام 53. خلاصة الفكر الذي عبر عنه البرادعي ينحصر في مطالبته بما نطالب به جميعا بشأن ضرورة وضع دستور جديد من صنع نخبة مختارة يختارها الشعب اختيارا حرا وفق نظام انتخابي سليم ووسط محيط ديمقراطي حر يكفل جميع الحريات السياسية والمدنية لجميع المواطنين علي اختلاف اتجاهاتهم السياسية والدينية وعلي اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية أو المهنية أو الطبقية يجب بادئ ذي بدء أن تكفل الحريات جميعها سواء الانتخاب أو الترشح وتولي الوظائف العامة بلا تفرقه.. لكن طالما أن ما طالب به الدكتور البرادعي من اشتراطات لن يتحقق فلماذا طرحها إذن؟ - أولا من حق كل مواطن أن يدلي برأيه ويطلب ما يراه ملائما لكفالة إقامة نظام ديمقراطي سليم ولم أكن أتصور أن ينطلق الحزب الوطني أو الحكومة ليهاجما البرادعي ولم أكن أتخيل أن الغباء يصل بهم إلي هذا الحد وأبواق الحكومة تجهل أن من حق كل مواطن أن يعبر عن رأيه ومن حق أي مواطن أن يطالب بعودة النظام الملكي ومن حق أي مواطن أن يطالب بأن يبقي الحال علي ما هو عليه فكما أنهم يسمحون لأنفسهم ببقاء الفساد ولا ننكر عليهم هذا الحق فيجب أن يسمحوا للوطنيين أن يعبروا عن آرائهم ويبينوا ما يرونه محققا للبلاد: النهضة والتنمية والرفاهية. والبرادعي يعلم جيدا أن الحاكم الجالس علي الكرسي يريد أن يبقي ويحافظ علي كل سلطاته ثانيا البرادعي يدعو لذلك ليعرف الحاكم أن مصلحة أولاده وأحفاد أحفاده هي تغيير هذا النظام والعودة للحرية والديمقراطية وسيادة القانون ولا يمكن أن تتحقق أي تنمية أو تقدم في مصر طالما بقيت هذه الطغمة الفاسدة مسيطرة علي أمور البلاد اقتصاديا وسياسيا والبرادعي يعلم جيدا ماذا يريد هؤلاء المنتفعون بالنظام القائم ويعلم جيدا أنهم متشبثون بما تحت أيديهم من منافع وبما يتمتعون به من سلطات، ولكنه يدعوهم إلي التقوي والرجوع عن أطماعهم والحد منها وإلي أن يعرفوا أن ما يفعلون سيرتد علي أبنائهم وأحفادهم فيما بعد فمصر باقية وهم زائلون، ورغم إعجابي الشديد بالبرادعي واعتقادي بأنه أحسن من يصلح لرئاسة مصر لوطنيته وإخلاصه ومعرفته بحقيقة مشاكل وطنه رغم أنه مقيم بالخارج، إلا أني أختلف معه في بعض النقاط. وما هي هذه النقاط التي تختلف مع الدكتور البرادعي في طرحها ؟ - أنا ضد الإشراف القضائي علي الانتخابات فالقضاء يراقب الانتخابات ومهمته هي الرقابة اللاحقة علي الانتخابات سواء في وضع جداول الناخبين أو تقسيم الدوائر الانتخابية أو الدعوة إلي الانتخابات أو إجراء الانتخابات المختلفة أو التصويت أو إعلان النتائج اللازمة ولكنها رقابة لاحقة ولا يجوز أبدا إشراك القضاء في عملية الانتخاب. الإشراف القضائي كان مسرحية من مسرحيات الرئيس السادات فقد جعل الإشراف القضائي مفرغا من كل مضمون، أولاً لم يجعل الإشراف لرجال القضاء وحدهم ولكن أشرك معهم أعضاء النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وهم ليسوا من رجال القضاء، وإنما هم من رجال السلطة التنفيذية ثانيا لم يجعل الاشراف علي الانتخابات في يد القضاء إنما جعله في يد وزير الداخلية ووزير العدل وهم من رجال السلطة التنفيذية، ثم تجعل المسألة الإشرافية مسألة هلامية غير محددة المعالم ولكن هي مسرحية أوحت للناس تحت كلمة إشراف قضائي، إنها انتخابات حقيقية وإنما المقصود منها جر رجال القضاء للمشاركة في عمليات تزوير وتزييف الانتخابات وقلة من رجال القضاء الذين كانوا من الممكن أن يفعلوا شيئا ولكن هذه القلة لم تكن قادرة علي عمل شيء. ونقطة أخري لا أتفق فيها مع البرادعي متعلقة بالرقابة الدولية علي الانتخابات معتقدا أنه يجب أن تكون هناك رقابة ذاتية من أبناء مصر ومن رجال مؤسسة مختصين بالانتخابات وليست لجان إشرافية كتلك التي صدرت بقرار رئيس الجمهورية، واختار فيها أشخاصاً مرتبطين كليا بالحزب الوطني والنظام ومن ثم ليس كل ما قاله البرادعي أوافق عليه وإن كنت من أشد المعجبين به وفخور أنه من تلاميذي مثل د. إبراهيم شحاتة - النائب الأول لرئيس البنك الدولي - وغيرهما. وهل فقدنا أي قوي سياسية يمكن أن تشكل جهات ضغط لتحقيق مطالب الحرية والنزاهة الانتخابية؟ - النظام الحالي لا يسمح بوجود أحزاب حقيقية كلها أحزاب تحت أقدام الحزب الحاكم الذي يتحكم في نشاط الأحزاب وداخل الأحزاب وفي كل حزب توجد عيون للحزب الحاكم عليهم هم يقودون أي حزب يحاول أن يصحو ولذلك لم يعد لأي حزب أي قوة أو قواعد شعبية ليس لحزب الوفد ولا التجمع، ولقد قلت من قبل إن الحل في يد الرئيس مبارك أو في يد الله عز وجل. أنا لا أدعو للثورة وللأسف 60 عاما من القهر والاستبداد جعلوا غالبية المصريين في حالة يأس وفي حالة سلبية بينما عنصر الانتماء حيث كان يؤجج صدورنا جميعا في العهد الملكي أيا ما كانت انتماءاتنا الحزبية والاجتماعية أو الدينية كانت لنا انتماء ووطنية، الآن فقد المصري انتماءه تماما لأنه لم يشعر إطلاقا بأن له دور في شئون البلد. إذن ما مقترحك للخروج مما نحن فيه الآن؟ - أتوجه إلي الرئيس مبارك طالبا منه حل مجلس الشعب والشوري وإلغاء الدستور والتخلص من الطغمة الحاكمة والفاسدة وحكم الفرد، وإطلاق الحرية لجميع أفراد الشعب وحرية تكوين الأحزاب، وبعد سنة تجري الانتخابات لتكوين جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً علي أسس الحرية والديمقراطية وسيادة القانون، وبذلك ينهي حسني مبارك حكمه نهاية سعيدة لمصلحة مصر ومصلحة أولاده وأحفاده من بعده وبالتالي فالحل يكمن في أن يرضي الله عن مصر أو أن يرضي مبارك عنا. في ظل الأوضاع الحالية وما يطرأ عليها من مستجدات ماهي توقعاتك لمستقبل مصر؟ - بعض القيادات العليا في مصر تسألني هذا السؤال علما بأنني كنت في كثير من المرات أستطيع توقع ما سوف يجري من أحداث سياسية قبل وقوعها بشهور أو بسنة وتوقعت أموراً كثيرة منها انفصال سوريا قبل وقوعه ب15 شهراً وأعلنتها في مواجهة عبد الناصر في المؤتمر القومي للاتحاد العام في يونيه عام 1968 في مدرج كلية الحقوق وتوقعت نهاية السادات قبل نهايته بحوالي 20 يوماً وقلت نهايته في خلال شهر، تحليلي لقرارات سبتمبر عام 1981 هو الذي أدي بي لتوقع نهاية السادات خلال شهر بل إنني توقعت أحداث 15 مايو عام 1961 في مدرج كلية الحقوق ولكن في الظروف الحالية تتشابك القوي المهيمنة علي كل ما يجري في مصر، وهناك قوي خارجية تلعب دوراً مؤثراً في مصر منها أمريكا وإسرائيل وهناك قوي داخلية لم يكن لها أي دور وقوي منتفعين بفساد النظام الحالي الذين جمعوا بين السلطة والتعتيم والتضليل علي كل ما يجري في مصر جعل الكثير من الأمور خافية علي أقوي المحللين السياسيين.