كلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد تواضعاً، فالعالم المحترم يعرف أن ما حصّله من معارف وعلوم يبقي مجرد ذرة في محيط العلوم والمعارف الذي لا يستطيع إنسان أن يبلغ مداه، والعالم الحق لا يعرف «الغرور» لأن الغرور يملأ النفس الخاوية والعقل الفارغ. هذه الخواطر كانت بذهني وأنا أقرأ حواراً صحفياً أجرته صحيفة «الشروق» مع صحفية لبنانية اسمها نضال الأحمدية «عدد يوم الثلاثاء 17/8/2010» الصحفية المذكرورة أحضرتها قناة الإعلانات المصرية «القاهرة والناس» لتقدم برنامجاً خلال شهر رمضان تحت عنوان «مع نضال». الحوار المنشور بصحيفة «الشروق» نموذج صارخ للغرور الذي يفضح جهل صاحبه، والمؤسف أن هذا الغرور اقترن بازدراء مهنة «المذيع» التي تحاول أن تنتسب لها بتقديم برامجها، وأنقل نص إجابتها، كما وردت بالصحيفة: «لست مذيعة ومن يقول إنني قد أصبحت مذيعة لأنني أقدم برنامجاً كأنه يهينني» وأود أن أطمئن السيدة نضال الأحمدية بأن الإذاعيين لا يشرفهم أن ينتسب لمهنتهم المحترمة إلا من توفرت له المواهب والثقافة التي تؤهل صاحبها للانتساب لهذه المهنة التي تكسب أبناءها شرفاً يعتزون به باعتبارهم من أصحاب الرسالات الذين يبذلون الجهد في مجال الارتقاء بأذواق الجماهير، وحمل مشاعل التنوير لتطوير المجتمع. وأنا أعذر السيدة نضال لأنها علي ما يبدو لم تعرف إذاعيين محترمين، وأخشي أن تكون ظروف عملها كمحررة صفحات فنية معنية بالأخبار المثيرة التي يتم تناولها في بعض الأوساط الفنية الهابطة، أخشي أن تكون طبيعة عملها هذه قد صورت لها المذيعات علي نمط الصور التي تتعامل معها كمحررة في صفحات الفنون التي تعيش علي النميمة التافهة. وأنصح السيدة نضال أن تقرأ كتباً محترمة في علوم وفنون الإعلام، وهي التي تباهي في الحديث بأنها تقرأ كل يوم خمس ساعات لعلها تعرف شيئاً عن مكانة المذيعة والمواهب التي يتطلبها الانتساب لمهنة المذيعة والمذيع، وهي مواهب إبداعية يضاف إليها ثقافة عميقة وموسوعية، وقدرة فائقة علي التعبير بعبارات راقية ودقيقة عند مخاطبة جمهور المستمعين والمشاهدين. هذه هي مواصفات المذيعة والمذيع، كما تحددها علوم وفنون الإعلام المرئي والمسموع، ويكشف حديث السيدة نضال عن جهل فاضح بهذه المعايير والمواصفات التي أصبحت بمثابة بديهيات يعرفها المبتدئون في المعاهد العلمية المعنية بالدراسات الإعلامية. وبعد نصيحتي للسيدة نضال بأن تتعلم قبل أن تتكلم عن مهنة «الإعلام» فإنني أنصحها بأن تخفف من غرورها الذي ينضح في كل حرف من الحديث المنشور. السيدة نضال تقول بجرأة غريبة: «أؤمن دوماً بأنه لا يوجد من ينافسني» وتضيف في إجابة أخري: «ضيوفي لم يتقاضوا أجوراً، كما اعتادوا ومن طلب من إدارة الإنتاج مالاً رفضت استقباله فمن يطل معي هو رابح سلفاً». وتقول لا فض فوها «أنا لا أحتاج للشهرة ولا المال فأنا ولدت وفي فمي سماء ممتلئة بالنجوم»؟!! هذه نماذج من الإجابات المشحونة بغرور فج وتكاد كل جملة في حديث هذه السيدة تتفجر بمثل هذا الغرور، وكان من الممكن أن أتجاوز عن مثل هذه العبارات وألا أتوقف أمامها باعتبارها عبارات كثيراً ما يرددها أمثال السيدة نضال، غير أن اقتران هذا الغرور بإهانة مهنة «المذيعة والمذيع»، وهي المهنة التي منحت هذه السيدة ما تباهي به من شهرة، هذا التهجم المستفز هو أحد الأسباب التي دفعتني للتوقف أمام حديث هذه السيدة الذي لم أكن لأجهد نفسي بقراءته شأنه شأن أحاديث كثيرة مشابهة لا يتوقف أمامها القارئ المحترم. يبقي أن أدعو الإذاعيين المصريين لوقفة حازمة من قناة الإعلانات المسماه «القاهرة والناس» التي تجلب كل رمضان عدداً من المنتسبين إلي الصحافة الفنية اللبنانية ليقدموا خلال شهر رمضان برامج بالغة التفاهة وتحيطهم بهالة سخيفة من الإعلانات التي توهم الجماهير بأنهم «نجوم» يستحقون المشاهدة! وفي هذا السياق أعيد تأكيد أن غياب نقابة مهنية للإذاعيين سمح للأدعياء وما أكثرهم بممارسة مهنة لا يملكون مقومات أصحابها، وأصبحت الإذاعة «راديو وتليفزيون» هي المهنة الوحيدة في مصر المستباحة، والتي يستطيع أن ينسب نفسه لها كل من لا مهنة له! واستقر في روع الكثيرين أن مهنة المذيع والمذيعة في الإذاعة والتليفزيون لا تحتاج لأكثر من قدر كبير من «الفهلوة» وقدر أكبر من الجرأة في الثرثرة في أي موضوع بجهل فادح وفاضح. وأؤكد لمن يتوجس من إنشاء هذه النقابة المهنية من المسئولين أن قيام هذه النقابة المهنية هو الحل الذي يوقف حالات الانفلات والتدهور التي يعانيها الإعلام المرئي والمسموع، وأن أي حل يعتمد علي إنشاء كيانات إدارية حكومية محكوم عليه بالفشل، فهل يسارع المسئولون بإنقاذ الإذاعة والتليفزيون بإنشاء النقابة المهنية للإذاعيين «راديو وتليفزيون»؟!