ومحاولة بائسة لإخراج «اللمبي» من التراب مشهد من الفيلم يحتفل «محمد سعد» في فيلمه الأخير (اللمبي 8 جيجا) بالبطولة المطلقة الثامنة له وأيضاً بمرور 8 سنوات علي أول عرض لفيلمه الأول كبطل مطلق وهو فيلم «اللمبي»، وربما تكون مصادفة غير مقصودة اختيار الرقم 8 في عنوان الفيلم. السؤال الذي يتبادر إلي الذهن بعد نهاية (اللمبي 8 جيجا) هو: هل كانت هناك ضرورة لإعادة شخصية اللمبي بعد أن صارت مستهلكة تماماً في فيلم جديد؟ والإجابة هي: لا، فلم يكن اللمبي تحديداً ضرورياً ليكون هو شخصية الفيلم، ولم يكن «محمد سعد» مضطراً للعودة إلي الوراء هذه الخطوات وهذه السنوات ليعيد شخصية ثانوية قدمها في فيلم «الناظر» الذي مر علي عرضه هذا العام 10 سنوات. المشهد السينمائي يظهر «محمد سعد» في محاولة يائسة وبائسة لإخراج اللمبي من تحت التراب وإفاقته من غيبوبته وسطلته وتلميعه لاستعادة نجاح تجاري قديم حققته تلك الشخصية في فيلمين سابقين هما (اللمبي) و(اللي بالي بالك) وهي الشخصية نفسها التي كان «محمد سعد» يكررها مع إضافات وتعديلات ولوك مختلف في أفلام «عوكل» و«بوحة» و«كتكوت» و«كركر» و«بوشكاش»، وجميع تلك الشخصيات لا تخرج عن كونها استنساخًا رديئاً لشخصية اللمبي، ويظل السؤال ملحاً: لماذا يعيد محمد سعد «اللمبي» نكتته القديمة؟ وتأتي الإجابة مكررة: أنه بلا شك الإفلاس في أن يجدد نفسه، إنه مؤد لنفس الحركات ونفس الإيفيهات ولا يجيد غيرها، ولهذا كان متوقعاً أنه سيلف ويراوغ حولها ثم يعود إليها مرة أخري، وهو لم يخيب التوقعات ولن يقدر علي التخلص من تلك الشخصية فهي الرداء الوحيد الذي يمتلكه ويستطيع الوقوف به أمام الكاميرا، أما السؤال الآخر المهم فهو: كيف حال اللمبي بعد عودته للشاشة مرة أخري؟ والإجابة هي أن اللمبي حاله لا يسر عدوًا ولا حبيبًا، فقد فقدت الشخصية أي وهج كوميدي أو خفة ظل لأنها ببساطة صارت شخصية محروقة وتصرفاتها وحركاتها متوقعة، وعلي من يحمل أي إعجاب بهذه الشخصية معاودة مشاهدة فيلم «اللمبي» نسخة عام 2002 أو فيلم «اللي بالي بالك»، ففيلم (اللمبي 8 جيجا) نسخة باهتة من كلا الفيلمين، و«محمد سعد» كان أفضل حالاً وأكثر ثقة بنفسه فيهما رغم أي عيوب أخري بهما. «محمد سعد» هو كاتب قصة الفيلم، ومن الطريف أن الفيلم لم يحتو تقريباً علي أي قصة في أول 45 دقيقة، وقد ظل «محمد سعد» طوال هذه الدقائق يمهد ويفرش لمعجزته الدرامية كمؤلف حينما يقوم طبيب نفسي بعلاج اللمبي بعد سقوطه علي رأسه في محل موبيليا وهو مشهد ضعيف للغاية رغم أهميته في الفيلم درامياً، فبعده يقرر الطبيب أن يجري تجربته العلمية علي مريضه فيزرع شريحة ذاكرة في ذراعه، وهي موصولة بشكل ما بمخه، ويمكن للطبيب تعبئة هذه الشريحة بأي معلومات، وحينما يضيف إليها الطبيب كتب القانون وجميع بيانات السجل المدني (دون تبرير كيفية حصول الطبيب علي مثل تلك البيانات المهمة من مؤسسات الحكومة) يصبح اللمبي فجأة محاميًا عبقريًا رغم أنه لم يدرس القانون أو المحاماة، لكنه يستخرج كارنيه محاماة مزيفًا ويصبح محاميًا مشهورًا بلا منطق أو تفسير، بالطبع الاستخدام السطحي الساذج لمصطلحات الكمبيوتر والتكنولوجيا سواء في العنوان أو أحداث الفيلم كان يهدف إلي جعل شخصية اللمبي أكثر معاصرة، لكن يمكن كشف الافتعال في تجسيد ذلك سينمائياً من صورة الطبيب النفسي «يوسف فوزي» مخترع شريحة الكمبيوتر وهو واقف في معمله بالبالطو ممسكاً بقوارير تجارب الكيمياء التي تحمل سوائل ملونة، فلا تفهم علاقة الطب النفسي بالكمبيوتر بالكيمياء أو الفيزياء، وهناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن المنطق في أحداث الفيلم المترهلة والسيناريو المفكك الذي كتبه «نادر صلاح الدين»، فهو لم يكن أكثر من مجموعة من التلفيقات والمبررات ليقف «محمد سعد» أمام الكاميرا ليصنع ما يجيده من تجسيد شخصية اللمبي تلك الشخصية التي تجمع بين الغباء واللعثمة وترنح المساطيل، بالإضافة إلي حالات الجنون المفاجئة التي تظهر عليه في حالة السعادة أو الغضب، وبالإضافة إلي أن اللمبي مجرد وسيط يحضر الزبائن للمحامين ويتحول دون منطق إلي محام يحضر مع المتهمين بسهولة جلسات المحاكمة ويقف أمام القضاة للترافع، لا توجد خطوط درامية مهمة في الفيلم يمكن متابعتها، كما أن ظهور واختفاء الزوجة «مي عز الدين» أو العميل الصعيدي «حسن حسني» الطويل كان بلا حسابات درامية، أغلب الأدوار مهمشة حتي إن «ضياء الميرغني» تكاد تلمحه في مشهد، و«ماجد الكدواني» يظهر في دور بلا قيمة، لا يوجد خط درامي يصل إلي هدف واضح، اللمبي وهو رجل عاطل تحول باختراع إلي محام مشهور وثري، فأصبح شريرًا وأنانيًا بلا مبرر، وهو يعود إلي الصواب ويرفض حاله بلا مبرر مقنع أيضاً. الخط الدرامي الآخر أن اللمبي وزوجته «مي عز الدين» لم ينجبا بعد 7 سنوات زواج رغم أن كلاً منهما صالح للإنجاب طبياً، واستمراراً لحالة الحمق والهرتلة الدرامية فإن طبيب التوليد يخبرهما بأن كلاً منهما يمكنه الإنجاب ولكن هو مع زوجة أخري وهي مع زوج آخر! وغير مفهوم إذا كان ذلك بسبب درامي مبني علي أساس علمي، أو بسبب أن الفيلم خيال علمي ويظن المؤلف «محمد سعد» أن ذلك يبيح له النط من فوق سور الدراما والمنطق والطب، والحقيقة أنه مع الاستمرار في مشاهدة باقي أحداث الفيلم يتنامي الشك الرهيب ويفضي إلي سؤال أخير هو: هل «محمد سعد» هو مؤلف قصة الفيلم؟ أم أن المؤلف الحقيقي هو اللمبي نفسه؟!