على خطى جيرانها، السنغال تشهر الكارت الأحمر في وجه الجيش الفرنسي    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    برشلونة يحسم موقفه من رحيل أراوخو إلى بايرن ميونخ    طقس اليوم: موجة حارة.. وعظمى القاهرة 35 درجة    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    الدولار يواصل السقوط ويتجه لتسجيل انخفاض أسبوعي وسط مؤشرات على تباطؤ في أمريكا    ارتفاع سعر الذهب اليوم في الأسواق    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    شقيق ضحية عصام صاصا:"عايز حق أخويا"    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة.. موجة حارة وارتفاع درجات الحرارة    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    باسم سمرة يروج لفيلمه الجديد «اللعب مع العيال»: «انتظروني في عيد الاضحى»    استئناف الرحلات والأنشطة البحرية والغطس في الغردقة بعد تحسن الأحوال الجوية    دعاء تسهيل الامتحان.. «اللهم أجعل الصعب سهلا وافتح علينا فتوح العارفين»    موعد مباراة ضمك والفيحاء في الدوري السعودي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    «قضايا اغتصاب واعتداء».. بسمة وهبة تفضح «أوبر» بالصوت والصورة (فيديو)    بسبب زيادة حوادث الطرق.. الأبرياء يدفعون ثمن جرائم جنون السرعة    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    كندا تفرض عقوبات على مستوطنين إسرائيليين بسبب انتهاكات    وزير الدفاع الأمريكي يؤكد ضرورة حماية المدنيين قبل أي عملية عسكرية في رفح الفلسطينية    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية الجمعة 17 مايو 2024    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    لبلبة: عادل إمام أحلى إنسان في حياتي (فيديو)    وقوع زلازل عنيفة بدءا من اليوم: تستمر حتى 23 مايو    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    أضرار السكريات،على الأطفال    شبانة يهاجم اتحاد الكرة: «بيستغفلنا وعايز يدي الدوري ل بيراميدز»    الذكاء الاصطناعى.. ثورة تكنولوجية في أيدى المجرمين الجدد    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



8 خرافات ل«الدعاة والشيوخ» على المنابر والفضائيات
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 08 - 2014

«الخرافات» هى بضاعة رائجة، تزدهر فى أوقات يستشرى فيها الجهل حتى يصل منتهاه. «الخرفات» يستخدمها الدعاة والشيوخ على المنابر والفضائيات ليرهبوا الناس من الدين نفسه، لا من خطورة ترك العبادات أو للترويج للحط من المرأة تماشيا مع الموروث المريض القادم من تاريخ العرب قبل الإسلام. «الخرافات» أيضا بزنس، يصل بها هذا الداعية أو ذاك الشيخ إلى مبتغاه المادى من أموال الفضائيات والمنابر.
فى السطور التالية، نقدم للقارئ أشهر الخرافات الدخيلة الكاذبة، التى يلوكها شيوخ المنابر والفضائيات، والتى أسهمت بقدر كبير فى تشكيل الوعى الدينى الخاطئ عند كثير من المسلمين.
المرأة نعجة أو شاة أو بقرة أو ناقة لأن الكل مركوب
تأمل ما جاء فى تفسير القرطبى فى آية «إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزّنى فى الخطاب».
قوله تعالى: إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة أى قال الملك الذى تكلم عن أوريا إن هذا أخى أى: على دينى، وأشار إلى المدعى عليه. وقيل: أخى أى: صاحبى. له تسع وتسعون نعجة... قال النحاس. والعرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاة، لما هى عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يكنى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب.
وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء. هذا بالضبط ما جاء فى تفسير القرطبى!
المطالبة بمراجعة الروايات غير المتواترة المنقولة عن النبى صلى الله عليه وسلم لا تعد إنكارًا للسنة كلها
الصحيح أن الحديث الذى ورد بشأن «الشجاع الأقرع» هو فى عقوبة من لم يؤد الزكاة.. وهذا لا يكون إلا فى يوم القيامة لا فى القبر.
التسليم الدائم وإلغاء العقل والتفكير
العقل فى تاريخ الفكر الإسلامى إما أن يراد به مقابلة النقل فيقال أهل النقل وأهل العقل، وإما أن يراد به إمعان النظر واستبصار الحكمة والمعقول فى ما أتى به المنقول.
رغم أن القرآن قد أعطى مكانة وتكريما خاصا للعقل تتضح أكثر ما تتضح فى تلك المزاوجة فى الدعوة بالبراهين العلمية العقلية الكونية والدعوة بالآيات النقلية، وبذلك يكون هناك رباط مقدس عقده القرآن بين العقل والنقل، وبين الله أنه لا تعارض بين العقل الصحيح الصريح والنقل الصحيح.
وهذا ما تقرره الآيات القرآنية وأقوال العلماء والفقهاء ويكفى أن نقول فى البداية إن علماء المسلمين حصروا المقاصد الضرورية والعامة للشريعة الإسلامية كلها فى خمسة مقاصد قال عنها الإمام الشاطبى رحمه الله فى (الموافقات): (إن الأصول الكلية التى جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهى: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال).
وطوال عصور الازدهار والنهوض الحضارى للأمة لم يكن هناك أى تعارض أو قطيعة بين العقل والنقل، وهذا على العكس تماما مما يحدث فى عصور الانحطاط والتراجع الحضارى.
ولعل هذا الكلام يكون ملموسًا بشكل بالغ الوضوح للدرجة التى لا ينفع معها إنكار فى زماننا هذا وأيامنا تلك.
فلو حاول أحد منا أو جرب أن يسأل واحدًا من دعاتنا وشيوخنا الأفاضل عن الأشياء التى لا تتفق مع العقل فى كتب الحديث أو كتب التفسير والسير القديمة وتسأل عن كيفية الإيمان بها وهى لا تتفق مع العقل.. يردون عليك بأنها أشياء يجب الإيمان بها سواء اتفقت مع العقل أو ناقضته.. إذ العقل عندهم لا مجال له فى أى قضية متصلة بالدين سواء من قريب أو من بعيد، لا فرق عندهم فى ذلك بين الأصول وبين الفروع!
وهنا نسأل: أليس هذا العقل شرط وأساس فى وجوب العبادات جميعا على الشخص المسلم؟ ألا تجب الصلاة إلا على المسلم البالغ العاقل (صاحب العقل) وغيرها من العبادات الأخرى؟ ألا تسقط العبادة عن المجنون (فاقد العقل) حتى يفيق؟ وألم تحرم الخمر إلا لأنها تذهب العقل وتغيبه عن الوعى، وبالتبعية فأى مادة أو عقار تعاطيه يذهب العقل يأخذ حكم التحريم كالخمر لنفس السبب ونفس العلة؟!
وما فائدة تلك الآيات العديدة والمتناثرة فى سور القرآن التى تخاطب أولى النهى وأولى الألباب، وأفلا يتدبرون، وأفلا يتفكرون، وأفلا يعقلون.. أم أن هذه الآيات كانت لأشخاص وأقوام غيرنا، أم ماذا بالضبط؟
لماذا يجنح الدعاة والشيوخ إلى التفسيرات الفقهية القديمة حتى وإن خالطها الغموض ومخاصمة العقل والمنطق ويثورون ضد التأويلات العقلية الحديثة التى لا تضر الدين فى شىء؟
وهل كتب التراث جميعها لا تُخطئ، هل هى قرآن أو وحى مقدس؟ وهل كل ما ورد إلينا عن السلف صحيح لا ينبغى مناقشته أو المساس به، وهل المطالبة بإعادة النظر فى تلك الكتب وما فيها من روايات وآراء واجتهادات لا تتناسب مع محكم القرآن والعقل ومراجعتها تعد كفرًا بينا ومحاولات لهدم دين الله كما يزعم هؤلاء ويدلسون على جمهورهم من العوام بذلك؟
هل المطالبة بمراجعة بعض الروايات غير المتواترة والمنقولة عن النبى والسؤال عنها تعد إنكارا للسنة كلها؟! لماذا يرفع هؤلاء سيف التكفير على رقبة كل من يخوض فى هذه المسائل؟
أعتقد أن الإجابة على ذلك تتلخص فى ضيق أفق هؤلاء الدعاة وتعصبهم لوجهة نظرهم لا للدين ولا للقرآن ولا للسنة.. فالتدين الحقيقى يجعل العالم أو الداعية وكذلك الإنسان العادى على حالة من الرفق والتسامح والصبر على المخالف تختلف تماما عما نراه من مشايخنا الذين ازدحمت بهم الفضائيات.
هم يتحدثون عن العقل ومكانته وكيف كرم الله به الإنسان، لكنهم فى حيز التنفيذ يضيقون بهذا العقل ذرعا، ويخافون منه أشد الخوف.. لأنهم فى ما يبدو يريدون قيادة الجمهور والبسطاء من العوام كالقطيع دون تفكير أو استفهام أو مساءلة.
وقد نالوا ما أرادوا وأصبحوا كالملوك والأباطرة فى الوجاهة والثراء والنجومية والتقديس من الأتباع.
الثعبان الأقرع وظهوره فى القبر
ما يتردد فى الوعى الشعبى أن حكاية الثعبان الأقرع قد جاءت فى حديث «من تهاون فى الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة: ست منها فى الدنيا، وثلاث عند الموت، وثلاث فى القبر، وثلاث عند خروجه من القبر».. ومن ضمن ما ذكر من عذاب القبر فى الحديث هو ظهور الشجاع أو الثعبان الأقرع لتارك الصلاة.
والحقيقة أنه حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك فهو شائع ومتداول على المنابر تخويفا وترهيبا لتارك الصلاة.
ورغم هذه الشهرة وهذا التداول، إلا أن هذا الكلام ليس صحيحًا ولا أساس له.
وقد قال عنه ابن باز فى مجلة «البحوث الإسلامية»: أما الحديث الذى نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عقوبة تارك الصلاة وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة إلخ: فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبى صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله كالحافظ الذهبى فى «لسان الميزان» والحافظ ابن حجر وغيرهما.
والصواب أن الحديث الذى ورد بشأن هذا الشجاع الأقرع هو فى عقوبة من لم يؤد زكاة ماله وهذا لا يكون إلا فى يوم القيامة وليس فى القبر.
فقد جاء فى صحيح البخارى عن أبى هريرة قال‏: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، فيأخذ بلهزمتيه -يعنى شدقيه- فيقول‏: أنا مالك‏. أنا كنزك‏. ثم تلا هذه الآية «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)».
سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة
فى «تفسير القرآن العظيم» المعروف بتفسير ابن كثير وفى شرح الآية الأولى من سورة الأحزاب، نقرأ: «سورة الأحزاب وهى مدنية. قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدّثنا خلف بن هشام: حدثنا حمّاد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زرّ قال: قال لى أبى بن كعب: كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كأين تعدّها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية، فقال: قطّ، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة».
وفى تفسير «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبى بخصوص سورة الأحزاب، نقرأ: «مدنية فى قول جميعهم. نزلت فى المنافقين وإيذائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنهم فيه وفى مناكحته وغيرها. وهى ثلاث وسبعون آية. وكانت هذه السّورة تعدل سورة البقرة. وكانت فيها آية الرجم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم).
حسب هذا الكلام فإن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة فى الحجم والمساحة، ولكن النسخ قد أوصلها لنا بهذا الشكل الذى هو بين أيدينا.. وكأننا نقدم بأيدينا أقوى المبررات والأدلة الدامغة لمن يقولون بتحريف القرآن وعدم قداسة النص.
ولم يتحمل الشيخ محمد الغزالى رحمه الله مثل هذا الكلام ففى كتابه «نظرات فى القرآن» بعد أن فند مُبررات من قالوا بالنسخ والناسخ والمنسوخ يقول عن «الناسخ والمنسوخ»:– «فضلا عن كونه فهمًا خاطئا فهو جرأة غريبة على الوحى وظلم لكتاب الله».
ويقول أيضًا فى كتابه «تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل»: «وهذا كلام سقيم، فإن الله لا ينزل وحيا يملأ أربعين صفحة ثم ينسخه أو يحذف منه أربعا وثلاثين ويستبقى ست صفحات وحسب ويضيف الغزالى: «وأنبه إلى أن ما يتصل بالقرآن لا يتحمل هذه الحكايات المنكرة».
وقفة مع حديث نزول الله إلى السماء
جاء فى صحيح مسلم «عَنْ أَبِى سَعِيدٍ وَأَبِى هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ؟»
يقول ابن باز: (قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإثبات النزول وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعونى فأستجيب له من يسألنى فأعطيه من يستغفرنى فأغفر له» وقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة النزول على الوجه الذى يليق بالله سبحانه لا يشابه خلقه فى شىء من صفاته.
ومع احترامى لهذا الكلام فإنه لا يكفى لتنزيه الله عن التجسيم المشابهة، إذ لا بد أن نضيف إليه أيضًا تلك الإضافة المهمة والذكية للشيخ الغزالى: «يستحيل أن يكون النزول على حقيقته المادية، يخلو منه المكان الذى تركه ويشغل به المكان الذى قصده» بمعنى أنه لم يغادر بذاته مكانا ليحل فى مكان آخر.
صوت المرأة عورة
كذبة من أكبر الأكاذيب التى شاعت بين المسلمين.. وهى عبارة سيئة السمعة يتم تداولها على ألسنة المتشددين والمتنطعين دون تدبر أو نظر.
فليس فى القرآن الكريم آية ولا فى سنة النبى الكريم حديث صحيح يمكن أن يتوصل به عاقل إلى هذا الحكم الشاذ.
وحتى لا يظن أحد أننا نختلق القضايا، أعود مرة أخرى إلى الكتاب المهم للشيخ الغزالى «تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل» لأتوقف مع ما قاله: «وعندما كنت أدرس فى جامعة الجزائر الإسلامية، كان الطلاب عن يمينى فى المدرجات والطالبات عن يسارى، ولاحظت أن الوجوم يخيم على البنات، بعد أيام قلائل كن يسألننى فيها على استحياء!».
وعلمت أن الطلاب الذكور هددوهن إذا سألن، فإن صوت المرأة عورة!
ولا شك أن ما أورده الشيخ الغزالى لم يكن نابعا فقط من عقول هؤلاء الطلاب، بل هو ما تعلموه عن مشايخ الفكر العفن الذى ينشره بعض العلماء، على حد تعبير الغزالى رحمه الله.
وللشيخ أيضًا مقال رائع فى كتابه الممتع «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة» جاء فيه تحت عنوان: حرمة صوت المرأة.. إشاعة كاذبة، نقرأ فيه:
وذكرنا من قبل أن أمرا إلهيًّا صدر بامتحان المؤمنات المهاجرات، وكان عمر يتولى ذلك الامتحان فهل قال أحد: إن صوت المرأة -حين تسأل فتجيب- عورة؟
اللهم إلا أن يزعم متقعّر أن الامتحان كان تحريريا لا شفويا! كان النساء على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يروين الأحاديث ويأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، فما زعم أحد أن صوت المرأة عورة.
العورة فى أصوات النساء -وأصوات الرجال أيضًا- أن يكون الكلام مريبا مثيرا له رنين ردىء!
ولا يوجد بين رجال الفقه من قال: صوت المرأة عورة، إنها إشاعة كاذبة.
عمر والنهى عن تعليم الكتابة للمرأة
وفى ذات السياق المعادى للمرأة وفى نفس المصدر المشار إليه سابقا، يواصل الغزالى «كما ذكر بعضهم أن عمر كان ينهى عن تعليم النساء الخط، وهذا أثر منكر وقد كانت ابنته حفصة رضى الله عنها كاتبة فلمَ علمها أو تركها تتعلم الخط إذا كان هذا لا يسوغ؟ ولم يبقَ إلا أن يقول أحمق: تعلمت الكتابة فى الجاهلية فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك لأن الأمية جزء من غاياته ورسالاته!»
حديث خلق آدم على صورة الرحمن
أخرج البخارى ومسلم عن أبى هريرة: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعًا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة، جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله».
الإشكالية الكبرى فى هذا الحديث هى فى تحديد الضمير فى «على صورته» عائد على من؟
يقول ابن تيمية: «لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع فى أن الضمير فى الحديث عائد إلى الله تعالى». ومعنى هذا الكلام أن صورة آدم هى على صورة الله! وحول هذا الحديث يقول شيخنا الغزالى فى «تراثنا الفكرى»: «وأمامى كتاب جيد الطبع ردىء المعانى عنوانه «عقيدة أهل الإيمان فى خلق آدم على صورة الرحمن»، لقد تساءلت: فما معنى قوله تعالى: «ليس كمثله شىء» إذا كان آدم على صورة ربه؟!... ولو سمحنا لهذا الفكر أن ينتعش وتتسع مباحثه فسيقضى على الإسلام فى أنحاء العالم ويتعرض لهزائم ماحقة. ويصل الغزالى إلى النقطة المهمة والحاسمة فى مثل تلك القضايا ليقول: «وإنما دفع إليها ما يحشده البعض من آثار موهمة لا صلة لها بالعقائد -ولو صحت- لأن العقائد مبناها على النصوص القطعية المتواترة». وهكذا يعلنها الغزالى صراحة أن الأمور الاعتقادية لا تبنى إلا على اليقين، حيث آيات القرآن الكريم قطعية الثبوت والدلالة، وكذلك الأحاديث المتواترة وليس على أحاديث الآحاد التى لا تفيد إلا الظن العلمى. وهو الموضوع الشائك والحساس الذى سنتناوله بالتفصيل فى كتابات قادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.