الزمان: فى أثناء حرب التتار على البلاد الإسلامية المكان: قصر السلطان قطز. الحدث: اجتماع كبار العلماء لمناقشة كيفية دعم الجيش ماديًّا لقتال التتار. السلطان قطز يُعلِمُهم بقراره بجمع الأموال من الشعب لتعويض النقص الهائل فى خزانة الجيش، يتسابق جميع الحضور فى إبداء الموافقة، وكل منهم يدعو للجيش العظيم بالنصر.. إلا رجلًا واحدًا.. وقف ثابتًا وواجه السلطان برفضه، وقال: ينبغى أن تبيعوا أنتم الحكام والقادة أوانيكم المذهَّبة وآلاتكم النفيسة أولا، ويقتصر ما لكل جندى على مركوبه وسلاحه، ليتساوى مع عامَّة الشعب، ثم خذ ما تشاء بعدها من شعبك كله بلا تفرقة. ربما قال بعض الحضور من علماء السلطان: «يا عم مش وقته»، «الناس بتتعب وبتحارب لازم تنبسط»، «مش عايزين شق للصف دلوقتى»، وربما سمع الرجل الواثق همسات من يزايد عليه ومن يحذره، ولكن كل هذا لم يَثنِ الرجل عن قول الحق، والعجيب أن السلطان قطز ائتمر بأمر الرجل، ونفّذ فتواه، وانتصر المسلمون انتصارا ساحقا، وانتهت أسطورة التتار على يد السلطان قطز، وعلى يد صلابة هذا الرجل.. العز بن عبد السلام، سلطان العلماء. إن كلمة الحق أو الفتوى لا تنتظر موعدا، ولا تتوقف على مواءمات سياسية، ولا تتغير بتغير المواقف، وستجد فى عصرنا كثيرًا من علماء السلطان والهوى والمصالح، حتى إنهم يحرِّمون أو يُجِيزون الخروج على الحاكم على حسب «الحاكم ده بتاعنا ولّا بتاع التانيين».. على مدى التاريخ كان كثير من هؤلاء، ماتوا وانتهى ذكرهم، أو ذُكِروا مع الأفّاقين والعلماء تحت الطلب، ولكن نفس التاريخ لم يذكر فى كتابه بحروف من نور سوى مَن هم على شاكلة سلطان العلماء العز بن عبد السلام.