وتشتد الأزمة بالأُمَّة، فنيران الحرب مستعرة بلا هوادة، والأزمة الاقتصادية تطحن البلاد، حتى طالت الجيش فظهر النقص فى المعدات والأسلحة، فلم يكن أمام القائد سوى أن يطلب من الأُمَّة التقشُّف، وأن يمد الشعب جيشه بالمال ليقاوم العدو، واستحسن رجال القائد الأمر، بل إن رجال الدين أيَّدوا القرار، ربما مداهنة أو لعلمهم بخطورة الوضع بالفعل، إلا واحدًا.. وقف أمام القائد رافضًا قراره، وكان هذا الرجل هو العز بن عبد السلام، وكان القائد قطز، وجيوش التتار على مشارف البلاد. وقف العز بن عبد السلام للسلطان، وقال: من الجائز أن تأخذ من مال شعبك ما تشاء للجهاد، ولكن بشرط، ألا يبقى فى بيت المال شىء، وأن تبيعوا أنتم الحكام والقادة أوانيكم المُذهَّبة ويقتصر ما لكل جندى على مركوبه وسلاحه ليتساوى مع عامة الناس، ثم خذ ما تشاء بعدها. ربما اعترض البعض على هذا الرأى وقتها من رجال الدين أو الدولة، خوفًا أو تقرُّبًا من السلطان، ولكن السلطان نفسه نفَّذ أمر العز بن عبد السلام وحارب وانتصر. يطلب مرشح الرئاسة، خصوصًا المشير السيسى، من الشعب أن يتقشَّف وأن يضحِّى قليلًا فى سبيل رفعة الدولة.. كلام جميل وكل الشعب على استعداد لتنفيذه ولكنه لن يُنفَّذ.. لماذا؟ لأن شعبًا يعيش 37 مليونًا منه تحت خط الفقر، حسب آخر إحصائية، ويهلك شبابه تعبًا فى البحث عن وظيفة تسد رمقه وعائلته، من المستحيل أن تطلب منه التقشُّف وهو يرى رواتب خيالية -تتسرَّب على الإنترنت ولا بد من توضيح لها- تصل إلى ملايين شهريًّا، يتقاضاها غيره فى عديد من مؤسسات الدولة! التقشُّف لا بد أن يبدأ من كبار رجال الجيش والشرطة والاتصالات والكهرباء والضرائب والصحف القومية وغيرها، ما دامت هذه أموال الشعب الذى يطالبه البعض بالتقشُّف، وساعتها سيستجيب كل مواطن، قائلًا: عنيا الاتنين.. أو عين واحدة والتانية عشان مصر!