تأتى ذكرى ثورة يوليو هذا العام، ومصر تواجه أقسى التحديات، وجيشها الوطنى يتصدى لإرهاب حقير، والأوضاع الداخلية صعبة، والنار تشتعل حول حدود مصر كلها، وكل عناصر التآمر الداخلى والخارجى تجتمع لكى تمنع مصر من استكمال ثورتها وإعادة بناء دولتها، ولكى تحاول النيل من جيش مصر الذى انحاز -كما كان عهده دائمًا لإرادة الشعب- فأسقط فاشية الإخوان، وكشف المؤامرة على مصر والعرب. جوهر المعركة الدائرة الآن هو نفسه جوهر المعركة مع ثورة يوليو، إنه الصراع بين مصر التى تنشد الاستقلال والتقدم والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والتى تقود أمتها العربية فى طريق الوحدة والنهضة.. وبين من يرفضون ذلك كله ويريدون الهيمنة على مصير المنطقة ونهب ثرواتها، والذين يريدون مصر كما كانت قبل ثورة يوليو، وكما كانت قبل ثورة يناير.. دولة مستضعفة، قرارها ليس بيدها، وشعبها يغرق فى الفقر، وأمنها مهدد، ومستقبلها يخضع لمخططات من يرسمون خرائط المنطقة على هواهم ولمصلحتهم. فى دولة أخرى كان من الممكن أن يظل 23 يوليو مجرد حركة تمرد لضباط لا تأخذ سطرًا فى التاريخ، ولكن لأنها مصر بكل تاريخها، ولأنه جيش مصر الوطنى الذى لم يتخلَّ يومًا عن انحيازه للشعب وتنفيذه لإرادته، فقد تحولت يوليو إلى واحدة من أعظم ثورات العصر، بعد أن قادها جمال عبد الناصر فى الطريق الصعب لتغير فى سنوات قليلة وجه مصر، وتكتب تاريخًا جديدًا للعالم العربى وللعالم كله، ولتقود ثورة التحرير وتصبح عنوانًا لكل أحرار العالم. ولم يكن ذلك من فراغ، بل لأن ثورة يوليو حملت معها كل تراث الحركة الوطنية، ولأنها أعلنت منذ البداية انحيازها الكامل للفقراء وسعيها الدائم طلبًا للعدل، والحرية والاستقلال الوطنى، ولهذا صمدت أمام الضربة القاسية التى تلقتها فى مؤامرة 1967. تمسك الشعب بقائده وبدأ مشوار الثأر لهزيمته، وأعيد بناء الجيش وخاضت مصر حرب الاستنزاف وعندما رحل عبد الناصر عام 70 كان جيش المليون مقاتل مستعدا لمعركة العبور فى 1973. الانقلاب على يوليو بعد ذلك قاد مصر إلى ما وصلت إليه قبل ثورة يناير، حيث الفساد يحكم والعدل يغيب، والفقر تزداد وطأته، والاستقلال الحقيقى يضيع، والدور العربى يتراجع، وقوى التقدم تتراجع لتخلو الساحة لأفكار التخلف والمتاجرين بالدين. عندما اندلعت ثورة يناير كانت المفاجأة أن صور عبد الناصر كانت الوحيدة التى ارتفعت فى الميادين، ولم تكن الملايين فى مصر والعالم العربى تريد استنساخ الماضى بل كانت تشير إلى الطريق الذى تريده.. حيث يكون العدل والكرامة والاستقلال الوطنى. فى الدهاليز كانت المؤامرة الأمريكية-الإخوانية تسير فى الطريق المعاكس الذى انتهى بسرقة الثورة وحكم الفاشية الإخوانية والانخراط فى مخطط إعادة تقسيم المنطقة والخيانة للثورة والوطن والتنازل عن الاستقلال.. بل والاستعداد للتنازل عن أرض الوطن!! فى ظل هذا الوضع الكارثى كان طبيعيا أن تبدأ الدعوات المشبوهة التى يقودها التحالف الأمريكى-الإخوانى سعيًا وراء صدام مفتعل بين ثورتى يوليو ويناير، وترويجا لأكذوبة «حكم العسكر» الذى لم تعرفه مصر فى تاريخها الحديث، ومنذ أن نشأ جيشها الوطنى الذى لم يكن يومًا إلا جزءًا أساسيا من ضمير الأمة، ومدافعًا أصيلاً عن إرادة الشعب، وهو ما تأكد بعد ذلك فى 30 يونيو والجيش الوطنى ينحاز لإرادة الملايين، فيسقط حكم الإخوان الفاشى، وتستعيد مصر الثورة المختطفة والدولة التى كادت تنهار. اليوم.. تأتى ذكرى ثورة 23 يوليو ومصر «شعبًا وجيشًا» تخوض حربًا حقيقية ضد إرهاب منحط يسعى فى الأرض فسادًا، وضد تآمر خارجى يستهدف مصر أساسًا، ويشعل النيران حول حدودها، ويطلق عملاءه لنشر الدمار، ويغتال أشرف أبنائنا من جنود الجيش فى جرائم منحطة لن يفر مرتكبوها من العقاب الرادع. نفس الحرب «وإن اختلفت التفاصيل» تعرضت لها ثورة يوليو من إرهاب الإخوان فى الداخل، ومن تآمر أمريكا وإسرائيل والعملاء فى المنطقة، مصر القوية، الناهضة صاحبة القرار المستقل والدور العربى هى العقبة الأساسية دائمًا أمام مؤامرات من يريدون الهيمنة وانحطاط من يتاجرون بالدين ويتوسلون بالإرهاب، وجيش مصر الوطنى هو الهدف لكل قوى الشر لأنهم يعرفون أنه لن يكون أبدًا إلا فى صف الشعب ولن يفرط أبدًا فى ذرة تراب من أرض الوطن مهما كانت التضحيات. تحية لثورة يوليو فى ذكراها، ولقائدها العظيم جمال عبد الناصر، وتحية لجيش مصر العظيم الذى يخوض اليوم أشرس المعارك لحماية أرض الوطن ويقدم أشرف الأبناء شهداء فى حرب لا نملك فيها خيارًا إلا الانتصار. تحية لوحدة الشعب والجيش التى انتصرت لمصر فى ثورة يوليو، وستنتصر لها اليوم وغدًا.