لم أشغل نفسى -قليلا أو كثيرا- بهذا التنطع الذى يصف ما حدث فى 30 يونيو بأنه «انقلاب»!! كان أمرا طبيعيا أن يفعل «الإخوان» وحلفاؤهم ذلك بعد أن أسقطهم الشعب وأخرجهم من السلطة ومن التاريخ. وكان مفهوما صدمة القوى الدولية والإقليمية التى راهنت على «الإخوان» ودعمت وصولهم إلى الحكم، وعقدت معهم صفقة الشيطان التى تضمنت -ضمن كوارث أخرى- التنازل عن أرض مصر وعن استقلالها الوطنى، وكان طبيعيا أن تقاوم هذه القوى وأن تتآمر على مصر وهى تعرف الحقيقة وتدرك أنها أمام ثورة شعب وإرادة أمة. صمود مصر العظيم فى وجه كل الضغوط والتهديدات الخارجية، وفى وجه من أرادوا إحراق مصر إذا لم يحكموها، كان ضربة قاضية لهذه المخططات، ونزول الملايين مرة أخرى فى 26 يوليو كان تأكيدا على أن شعب مصر الذى استرد ثورته سيدافع عنها حتى النهاية.. ضد إرهاب الداخل، وضد كل ضغوط ومؤامرات الخارج. ربما تكون الصورة قد بدأت فى التغير الآن، خصوصا بعد دعم الأشقاء العرب، وبخاصة فى السعودية والإمارات، وبعد انكشاف المؤامرة أمام شعوب أوروبا وأمريكا التى ترى حكوماتها تقف مع الإرهاب ضد شعب مصر الذى يقاتل من أجل حريته، ومن أجل حماية دولته من السقوط فى قبضة الإرهاب، بعد أن خلصها من الحكم الفاشى. العالم يغير مواقفه، ومصر تتقدم فى حربها ضد الإرهاب من ناحية، وفى تنفيذ الخطة المتفق عليها لإعادة بناء مؤسسات الدولة. ما يدهش فى الواقع هو موقف البعض الذى ما زال «يرطن» بحديث «الانقلاب» لأن هذا ما قرأه فى كتب العلوم السياسية!! وحين تسأل هؤلاء: وماذا عن الملايين التى نزلت إلى الميادين؟ لا تجد جوابًا!! وحين تقول لهم: وكيف كان سيكون الأمر لو أن الجيش لم ينحز إلى إرادة الشعب؟ لا تجد إلا الصمت!!.. وحين تقول لهم: هل كان البديل شيئا آخر إلا الحرب الأهلية؟.. يعتذرون لأن الإجابة ليست موجودة فى الكتاب!! لا يدرك هؤلاء أن الشعوب حين تثور لا تبحث عن المبررات فى صفحات الكتب، وأن الجيوش الوطنية و«ضع مئة خط تحت كلمة الوطنية» حين تكون بين الانحياز إلى الشعب أو الامتثال لسلطة فاشية.. فإنها تأخذ قرارها بضميرها الوطنى، وليس بالبحث عن رضاء طرف أجنبى أو بطلب شهادة صلاحية من هذا الخبير أو ذاك. البشر هم الذين يصنعون التاريخ وليست النظريات السياسية أو غير السياسية، وما أبدعه شعب مصر بتحركه غير المسبوق فى تاريخ البشرية سوف يفرض على علماء السياسة أن يراجعوا أفكارهم، كما يفرض الآن على حكومات العالم أن تراجع مواقفها. ما ينبغى أن يشغلنا الآن هو أن نمضى فى طريقنا مؤمنين بأن القرار فى يدنا والمصير مصيرنا.. معركتنا ضد الإرهاب لا ينبغى أن تتوقف قبل استئصاله تمامًا من أرض مصر، خطة الطريق التى ارتضيناها جميعا ينبغى تطبيقها بكل دقة لنصل إلى الدستور الذى يليق بمصر، ولنبنى الدولة الحديثة التى نحلم بها، ثمار الثورة لا بد أن يشعر بها الناس فى أقرب وقت بتحسين ظروف المعيشة وبخلق فرص العمل وبتشغيل الطاقات المعطلة. بعد شهور من يوليو 52 كان هناك الإصلاح الزراعى وحقوق العمال وتأكيد الاستقلال الوطنى، عندما أطل الإرهاب برأسه متحالفًا مع الثورة المضادة والاحتلال، كان الشعب حول «ثورته» ويقاتل من أجل استقلال الوطن.. وكان البعض ما زال مندهشًا مما يجرى لأن «الكتاب ماقالش كده»!! ويبقى السؤال: هل تتغير صفحات الكتب.. أم نستبدل شعوبنا بشعوب أخرى تغلق عقولها وتقتل إرادتها وتسير بالضبط كما تقول الكتب؟!