لغة الرئيس وجزء من تفكيره لا يخلوان من تعقل ونزعة تديُّن واضحة.. مع اعتماد على حديث عفوى تلقائى «ارجعوا إلى كل كلمة قلتها من ساعة ما توليت هذه الوظيفة.. كلامى بيوصل بعضه». هكذا قال عبد الفتاح السيسى، فى خطابه المؤرخ بتاريخ 24 يوليو 2013. وحين نسترجع خطابات السيسى منذ أن كان وزيرا للدفاع وحتى لحظة كتابة هذه السطور، يمكننا رصد عدد من الكلمات المفتاحية والعبارات التى لا تخفى دلالتها على من يود فهم طريقة تفكير القيادة السياسية الجديدة، وسياساتها ورؤيتها للمستقبل.
إن لغة السيسى وجزءا من تفكيره لا يخلوان من التعقل ونزعة تدين واضحة، مع الاعتماد فى كثير من الأحيان على الحديث العفوى التلقائى والارتجال، غير أنه بدأ ينتقل تدريجيا إلى الخطابات المدونة، ضمانا لأن تكون خطبه شاملة عددا من القضايا والموضوعات الملحة، مع تحديد أكبر لقائمة الأولويات والتحديات.
غير أن تغييرا ما حدث فى أحدث خطاب ألقاه السيسى، وهو الذى ألقاه فى ذكرى العاشر من رمضان، إذ لجأ السيسى إلى أسلوبه الأقرب إلى العفوية والارتجال لكى يكون حديثا من القلب مع المواطنين بشأن تطورات اقتصادية وسياسية متلاحقة تستدعى تلك المصارحة.
اللغة هنا بدت جزءا لا يتجزأ من نهج السيسى ورؤيته الثابتة للأمور، وإدراكه حجم الضغوط التى تتعرض لها مصر والتحديات القائمة. انتهج السيسى فى خطابه الذى استغرق نحو نصف الساعة أسلوب المكاشفة فى حديثه الصريح عن المشهد الراهن فى مصر بعد قرار رفع أسعار المواد البترولية، مشددا على أن الجيش والشعب لديهما «صلابة» فى مواجهة التحديات، التى تشهدها البلاد. ربما استخدم السيسى لغة الأرقام للتدليل على صعوبات الوضع الاقتصادى ودقة الموقف، الأمر الذى دفع الدولة إلى «تحريك» أسعار الوقود والكهرباء (السيسى هنا لم يستخدم كلمة «رفع» الأسعار ولجأ إلى كلمة ذات طابع اقتصادى إعلامى يخفف من وطأة مفهوم الزيادة فى الأسعار).
رسائل إلى الفقراء والقادرين.. على السواء لم يخل خطاب السيسى من رسائل إلى «الفقراء والقادرين»، بقوله: إنه كان من الممكن أن لا يتخذ قرار رفع الأسعار والكهرباء، خوفا على شعبيته أو للحفاظ على ظهيره الشعبى، موضحا أنه يعمل للشعب، وأن المصريين استدعوه للحفاظ على الوطن من الخطر.
وأضاف: «الحكومة لما عرضت عليه الموازنة رفضت التصديق عليها، لأن العجز كان سيتعدى ال300 مليار جنيه، من 3 سنوات كان الدَّين تريليونا من العشرة، والموازنة الجديدة كانت هتخلى الدين 300 مليار، وكان الدعم 51%».
وتابع: «قرار تحريك الأسعار لمواجهة تخفيض الدعم قد لا يناسب التوقيت، ويضر بشعبيتى، لكن اتخذته لإنقاذ الوطن، والدولة بتدفع 600 مليون جنيه فوائد للدين الحالى، والمرتبات يوميا 600 مليون أيضا، والدعم فى حدود 400 مليون يوميا».
وفى رسالته الثانية إلى «القادرين»، قال: «ده وقت القادرين، وقلت إن فيه صندوق نعمله، وباتكلم عليه تانى وتالت ورابع، وأنا بكلم القادرين، مش هتقفوا جنب مصر ولا إيه؟».
وأضاف: «إوعوا تفتكروا إن مصر يكفيها 10 ولا 20 ولا 50 مليار».
كما خاطب المصريين برسالة ثالثة تقول: «أنا بحاول أعمل كل ده عشان يكون فى أمل حقيقى للمصريين، ونعمل على تحسين أحوال غير القادرين»، مطالبا الجميع بالوقوف بجوار مصر، مضيفا: «أطلب من كل مسؤول فى مصر أن لا يترك فرصة للانتهازية واستغلال الفقراء».
ودعا المصريين فى رسالة رابعة إلى «الرفق» ببعضهم البعض جراء ارتفاع الأسعار، موضحا: «مافيش شك إن فيه ناس بتستغل ده بشكل مش جيد، وقلت مرة إن هذا الشعب لم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، هو أنا لما أكون بياع أو راكب عربية واضغط على أخويا الغلبان على حساب ظروفه هو، أنا مارحمتوش أنا ماخلتش بالى منه، أنا بحبه صحيح، واستغليت إن فيه مبرر هزود جنيه لا هزود 3 جنيه، ولازم نكون واخدين بالنا يا مصريين وإن مصر قامت هتقوم بينا كلنا وإن شاء الله هتقوم بينا كلنا».
وفى ختام رسائله، قال: «خلوا بالكم من مصر، واعملوا معى للنهوض بها»، محذرا من «المخاطر»، التى تحيط بالدولة، بقوله: «الشعب قادر على حماية دولته، ويحافظ عليها، وحذرت منذ أكثر من سنة من انتشار الإرهاب فى المنطقة، وسينتشر فى العالم كله، ومواجهة الإرهاب تهم الأمريكان والصين والروس والأوروبيين، والمنطقة العربية كلها بتدمر الآن».
وضرب السيسى بقبضة يده على المنصة وقت قوله: «مصر لا، وفى جيش وشعب عندهما وعى وصلابة وتاريخ».
وفى الذكرى الأولى لثورة 30 يونيو، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمة له حول عدة محاور مختلفة كانت أهمها تحفيزه المصريين فى الوصول إلى النجاح ومساندة اقتصاد مصر وإنقاذه من الانهيار.
كما تحدث السيسى، خلال خطابه المذكور عن التطورات فى الدول العربية المجاورة لنا، وأكد أن مصر هى خط الدفاع الأول عن الدول العربية، وأن مصالحنا تتعدى المصلحة الاقتصادية، لأننا كلنا إخوة. وتعهد بمحاربة الخارجين عن القانون والمتطرفين الذين يحرفون صورة الإسلام.
«تتقطع إيدينا لو اتمدت على المصريين».. بهذه الكلمات خاطر عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع، بحياته من أجل إنقاذ مصر من حكم جماعة الإخوان المسلمين.
فى 24 يونيو 2014، توقف كثيرون عند إعلان السيسى عن تبرعه بنصف أجره ونصف ثروته وتشديده على أن الحد الأقصى للأجور سوف يطبق على الجميع.
فى قمة الاتحاد الإفريقى التى عُقدت فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، اتسم خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى بأنه كان متوازنا وعبر عن الرؤية المصرية بوضوح تجاه القارة الإفريقية، من خلال التعاون المشترك والبناء لتحقيق التنمية الشاملة. وبدا واضحا أن تركيز السيسى فى الخطاب الذى ألقاه فى 26 يونيو 2014 على أن الحوار هو السبيل المشترك للتفاهم لحل النزاعات والخلافات بين دول القارة إشارة قوية إلى رغبة مصر فى المفاوضات الجادة والمثمرة للتوصل إلى حلول حقيقية حول أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.
أما دعوة الرئيس دول القارة إلى محاربة الإرهاب الذى يهدد حياة الشعوب ويؤدى إلى تمزقها وتفتتها، فقد كان بادرة ذكية تشير إلى أن مصر عادت بقوة لقيادة المنطقة واستعادة ريادتها مرة أخرى.
كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حفل التنصيب بقصر القبة فى 8 يونيو 2014، شهدت تكرار مفردة «الشعب» أو «شعبنا» 35 مرة، و«المستقبل» 14 مرة، و«الديمقراطية» 5 مرات، و«العدل» 6 مرات، و«القوات المسلحة» 4 مرات، و«العقد الاجتماعى» مرتين. وعقب توقيع وثيقة تسلم السلطة فى 8 يونيو 2014، ألقى السيسى خطابا فى قصر الاتحادية، لوحظ فيه تكرار مفردة «المستقبل» 6 مرات، و«مصر» 16 مرة، وهو ما يكشف عن ارتباط واضح بين الوطن واللحاق بركب المستقبل فى ذهن القيادة السياسية.
القراءة المدققة لكلمة السيسى عقب إعلانه رئيسا لمصر فى 3 يونيو 2014، تشير إلى كلمات مفتاحية معينة، فقد ذكر فى كلمته القصيرة مفردة «المستقبل» 4 مرات، وكذلك مفردة «ديمقراطى» أو «ديمقراطية» 4 مرات، ومفردة «عدالة» مرتين، وفى ذلك مؤشر واضح على اهتمامات القيادة السياسية الجديدة وأولوياتها خلال المرحلة المقبلة.
خريف علاقة الشعب والجيش أصبح ربيعًا السيسى منذ تعيينه فى منصب وزير الدفاع من قبل الرئيس المعزول محمد مرسى، فى أغسطس 2012، أراد أن يحول خريف العلاقة مع القوات المسلحة إلى ربيع جديد، خصوصا بعد خلافات جماعة الإخوان المسلمين مع القوى السياسية. ألقى السيسى عدة خطابات، بهدف طمأنة الشعب. الخطاب الأول للسيسى كان خلال مشروع تفتيش الحرب. وطمأن السيسى الفنانين والمثقفين على مصر وقواتها المسلحة، وأنها ستظل صمام الأمان. واستدرك السيسى: «لكن الجيش ليس نارا على أهله، لذلك لا بدَّ من صيغة للتفاهم بيننا». وجاء الخطاب الثانى، يوم 24 يونيو 2013، الذى أعلن فيه انحياز الجيش للشعب، الأثر الكبير فى تحريك جماهير الشباب لإسقاط حكم الإخوان المسلمين. بعدها بأيام أكد الجيش أن مهمته تقتصر على حماية البلاد. أما الحدث الأهم فكان إنذار الإثنين، فى الأول من يوليو، بمنح جميع الأطراف فرصة التوصل إلى حسم خلال 48 ساعة. أما الخطاب الحاسم فكان يوم 3 يوليو، حين أعلن السيسى عزل الرئيس محمد مرسى من الحُكم، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد، وتعطيل العمل بدستور 2012.
لغة الأرقام استخدمها السيسى للتدليل على صعوبات الوضع الاقتصادى ودقة ما يستدعيه الموقف من قرارات فى ذكرى 30 يونيو حفَّز الرئيس المصريين من أجل مساندة الاقتصاد وإنقاذه من الانهيار كلمات لها دلالات ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى وجود كلمات واصطلاحات متكررة على لسان السيسى فى كثير من خطبه، مثل «عايز أقولكم» و«اسمعونى كويس» و«خلوا بالكم»، وفى هذه «اللزمات» سنلاحظ أنها استدعاء للانتباه والتركيز، وتشديد على أفكار تصورات معينة. وكما لاحظ الصحفى مصطفى ندا (موقع «بوابة الشروق»، 11 مايو 2014)، فإن تكرار مفردات وجمل معينة على لسان السيسى فى فترة ما قبل توليه منصب الرئيس، جاء على النحو التالى:
خطاب نوفمبر 2012.. 2 خلي بالكم التاريخ: 10 نوفمبر 2012
عاوز أقول لكم: «فيه دور لكم يا شعب مصر وفيه دور لينا وشايلين أرواحنا على أيدينا».
عاوز أقول لكم: «ليكم دور إيجابى مع جيرانكم من هذا التيار فى النصح والإرشاد وعدم النزول للشارع».
عاوز أقول لكم: «فيه دور كبير للأزهر المرجعية الدينية فى مصر، والكنيسة والأزهر على دماغنا من فوق».
عاوز أقول لكم: «الشرعية فى إيد شعب مصر يمنحها لمن يشاء ويسحبها ممن يشاء».
عاوز أقول لكم: «إحنا حريصين على كل نقطة دم.. وهل الآخرون من هذا التيار حريصون على دمائهم؟».
عاوز أقول لكم: «أيدينا ممدودة بالخير لكل المصريين لحماية مصر».
خلّى بالكم: «نحن لا نخون ولا نتآمر ولا نكيد ونحن مؤسسة شريفة ووطنية».
خلّى بالكم: «ربنا أعطى للناس حرية عبادته من عدم عبادته».
خلّى بالكم: «كويس أوى إحنا مالناش طمع فى حاجة غير إن نشوف بلدنا أد الدنيا».
خلّى بالكم: «بدل ما المصريين يقاتلوا بعضهم.. لا.. نحمى الكل أحسن لجل خاطر بلادنا».
خلّى بالكم: «إحنا فى يوليو اللى فات طلبنا من الناس تنزل وتديلنا تفويض لمواجهة الإرهاب».
خلّى بالكم: «يا ترى المطلوب من الآخرين الانخراط فى عملية سياسية أم المواجهة؟».
خلّى بالكم: «إذا كانت المشاركة والتعمير هى الهدف مين يرفض ده، ولو كان الهدف هدم البلاد مين يقبل بِده».
خلّى بالكم: «من قيمة ووزن الوطن فى قلوب هؤلاء الناس».
خلّى بالكم: «لو اتخيرنا بين سقوط البلد أو سقوط النظام.. أكيد يرحل النظام مع السلامة».
خلى بالكم و«عايز أقول لكم» من أكثر لزمات الرئيس فى خطاباته.. وعادة ما اقترنت باستدعاء الانتباه والتركيز الخطاب الأخير انتهج السيسى فيه أسلوب المكاشفة فى ما يخص المشهد الراهن بعد قرار رفع الدعم عن المواد البترولية الدين فى خطاباته فى أول حوار تليفزيونى أجراه كمرشح رئاسى، كان مصطلحا الإسلام والدين حاضرين بقوة، حيث استخدم السيسى «الإسلام» 4 مرات فى جملة واحدة، فى ما ذكر «الدين» فى 10 مواضع أخرى، فى ما لم يذكر كلمة «الثقافة» سوى مرة واحدة، فى الوقت الذى نطق فيه السيسى كلمتىّ «الشرطة» و«الجيش» 22 مرة، وذكر وقتها كلمة «الشعب» 8 مرات. وفى كل هذه الملاحظات حول أسلوب السيسى ومفرداته كثير من المؤشرات عن شخصية رئيس مصر ورؤيته للمستقبل والوطن والقضايا المصيرية.
4 مرات استخدم فيها كلمة «الإسلام» فى أول حواراته التليفزيونية وذكر كلمة «الدين» فى 10 مواضع خطاب أكتوبر 2013.. 5 عاوز أقول لكم و3خلى بالكم التاريخ: 6 أكتوبر 2013
المناسبة: احتفال القوات المسلحة بنصر أكتوبر 1973 فى مسرح الجلاء.
عاوز أقول لكم: «يوم من أيام جيش مصر والمصريين والعرب».
عاوز أقول لكم: «الشعب لم يتخلّ عن جيشه بعد هزيمة 67».
عاوز أقول لكم: «كل مستشفيات مصر كان فيها جنود مصريين».
عاوز أقول لكم: «مش عاوزين ننسى شهداء مصر».
عاوز أقول لكم: «شعب مصر أصيل لا يمكن ينسى اللى وقف جانبه».
خلّى بالكم: «اتعلمنا فى الجيش عدم نسيان وقفة الشعب المصرى معنا».
خلّى بالكم: «التحدى كان أكبر مما يتصوره الكثيرون فى حماية الجيش لإرادة الشعب».
خلّى بالكم: «شعب مصر لا ينسى من وقف بجانبه ومن وقف ضده».
خطاب ديسمبر 2013.. 2 خلى بالكم التاريخ: 26 ديسمبر 2013
المناسبة: بعد تفجير مديرية أمن الدقهلية فى 24 ديسمبر 2013.
خلّى بالكم: «نحن لا نخشى إلا من الله عز وجل».
خلّى بالكم: «يا شعب مصر لما أردتم التغيير حققتم المستحيل».
خطاب يناير 2014.. 4 عاوز أقول لكم و2 خلى بالكم التاريخ: 11 يناير 2014 المناسبة: دعوة المصريين للنزول والاستفتاء على الدستور المعدل.
عاوز أقول لكم: «الدستور حقق كثيرا من العدالة».
عاوز أقول لكم: «أنتم عملتم حاجات عظيمة فى 25 يناير و30 يونيو».
عاوز أقول لكم: «إحنا ضباط جيش وشرطة مسؤولين عن حماية المصريين».
عاوز أقول لكم: «مطلوب من الضباط والجنود أعلى درجات اليقظة والحذر».
خلّى بالكم: «الشباب الكتلة الكبيرة فى مصر».
خلّى بالكم: «كتير من الناس بتراهن على الجيش والشرطة فى توفير الأمان».