إذا كان لبنان هو فرنسا العرب، فإن المغرب هي برازيل العرب، ومصر هي هند العرب. مصر هي الهند في تلوثها، في ثرائها، في عمالتها المنتشرة الرخيصة، في عظمة أدبائها، في فلكلورها، في فوضويتها، في عمقها التاريخي، في «شعبية» مفرداتها المتبادلة بين الناس، في كثافتها السكانية، في قذارة شوارعها، في الجفاء الدائم بينها وبين النظافة، في سطوة إعلامها، في عدم الاعتراف بأهمية اللمسة الأخيرة، في كتر الرغي، في عشوائياتها، في طيبة قلوب شعبها، في تسامحه، في علو هامات قادتها الخالدين، فهناك المهاتما غاندي الخالد الذي أعاد الهند إلي الهنود، وهنا عبد الناصر الذي أعاد مصر إلي المصريين «بعيداً عن سياساته». ومصر هي الأعظم عربياً، وهي الأوهن في الوقت نفسه، لذا يقف المصورون بكاميراتهم دائماً خلف مرماها لتصوير الأهداف وهي تهز شباكها، فيفرح هذا ويشمت، ويحزن ذاك فيبكي. والشامتون هم الأغلبية. ولأنها مصر، فقد استغل أتباع الحكومة الكويتية الفاشلة مأساتها وحذرونا: «احمدوا ربكم أنكم في الكويت، لستم في مصر حيث الشرطة تلخبط ملامح وجوه المعارضين وتشخبط عليها»، فرددنا عليهم بقرف: «احمدوا ربكم إنكم في الكويت، لستم في فنلندا حيث الصدق وحيث المسئولون يهابون غضب الشعب، وحيث القانون يفتل شواربه ويجلس علي رأس الشارع يراقب الأوضاع، فيمرّ به الوزراء كل صباح متبسمين بتودد: صباح الخير يا عمنا». ونواصل: «احمدوا ربكم إنكم في الكويت، حيث تتصدرون المجالس بلا خجل وأنتم مجرد لعّاقين، مستغلين سلطة أعمامكم من الكائنات الرخوية اللافقارية... احمدوا ربكم إنكم في الكويت، حيث ديمقراطية «شمّ ولا تذوق»... احمدوا ربكم إنكم في الكويت، حيث لا يغضب الشعب عندما تعتبر حكومته الحكومة المصرية مثلها الأعلي». وفي الكويت - التي يمكن أن يديرها رئيس قسم بواسطة الإيميل، أو الإس إم إس، أو الإس إم بس - تجتمع البشوت «*» ويتزاحم المصورون، وليلة وهليلة، ونشرات أخبار، وصرّح مصدر مهبول، فتنقطع الكهرباء عن الشعب، في جو يسجل أرقاماً أولمبية في ارتفاع درجات الحرارة، فيهرع الناس إلي تكييف السيارات، فيتغزل الشعراء بعظمة الحكومة وحكمة رئيسها، ويخرج سمو الرئيس علينا في الفضائيات ملوّحاً لنا بيده الكريمة، فنلوّح له بيدنا اللئيمة، والبادئ أظلم، ثم نستأنف بكاءنا، فيقنعه مستشاروه: «الشعب يبكي إعجاباً بأداء سموّك كما يفعل معجبو تامر حسني»، فيقتنع، فتردح صحافة هياتم. ويا رب عطفك ولطفك ورحمتك، إنك تعلم أن أطفالنا في امتحانات نهاية العام، وتحت درجة حرارة تجاوزت 58 مئوية ، وبلا كهرباء، فإما أن تأمر السماء فتعلن الطوارئ وترشنا بخراطيمها، أو فاصرف عنا رئيس حكومتنا، أو فاصرفنا إليك، فلم يعد في خزانات صبرنا قطرة واحدة. رحماك ربي من الحر، ومن ابتسامة الرئيس التي تأتي مع الكوارث، أو تأتي بها. البشوت: مفردها بشت وهو العباءة التي يرتديها المسئولون فوق ثيابهم.