«من تحت الضرس» كما يقولون.. أرسل الرئيس الأمريكى أوباما برقية تهنئة لرئيس مصر المنتخب عبد الفتاح السيسى. وعلى طريقة «الخواجة كوهين يهنئ.. ويصلح ساعات» حرص الرئىس الأمريكى على أن يذكرنا بأنه «يهنئ.. ويدعو للديمقراطية»!! لا حاجة بنا إلى الرد، فنحن والعالم كله نعرف نوعية الديمقراطية التى جاءت بها أمريكا إلى العراق وإلى ليبيا وسوريا.. والتى كانت تريدها فى مصر، لولا لطف الله وعظمة شعب مصر الذى دفن فاشية الإخوان المدعومة أمريكيا فى 30 يونيو. المشكلة بالقطع ليست لدينا، بل لدى الإدارة الأمريكية. نحن لا نريد قطيعة أو عداء مع القوة العالمية الكبرى، ولكننا أنهينا بالثورة زمن التبعية، وأدركنا بعد كارثة حكم الإخوان أكثر من أى وقت مضى أن واشنطون مستعدة للتعاون مع الشيطان من أجل مصالحها، وأن حديثها عن الديمقراطية لم يمنعها من التحالف مع فاشية الإخوان ضد شعب مصر بأكمله!! بعيدًا عن الأكليشيهات المحفوظة فى برقية أوباما أو أحاديث أركان إدارته بعد الانتخابات الرئاسية المصرية عن «التطلع» لعلاقات جيدة، و«التعاون» ضد الإرهاب.. إلخ، فإن الموقف الأمريكى يحكمه ما قاله أوباما بعد 30 يونيو: لن تعود العلاقات بين القاهرةوواشنطن كما كانت قبل الثورة!! بالنسبة إلينا الأمر مفهوم، لأن استعادة القرار المصرى ليكون فى يد أصحابه وحدهم تعنى أن العلاقات ستتغير مع طرف كان يعتقد أن 99٪ من أوراق اللعبة فى يده منذ أن قالها السادات، وحتى أسقطها شعب مصر بثورته العظيمة. بالنسبة لواشنطن الرسمية الأمر يختلف. فاستقلال مصر الحقيقى واستعادتها لدورها فى المنطقة، والتفاف العرب حولها، أمر يدخل فى باب المحظورات!! فما بالك إذا كان الأمر قد وصل -مع الإخوان- إلى إدخال مصر فى دوامة العنف والفوضى، تمهيدًا لإعادة رسم خريطة المنطقة على حساب مصر والعرب، وتصفية قضية فلسطين ولو بإقامة قاعدة للإرهاب فى سيناء!! من الطبيعى أن تشعر واشنطن باللطمة التى تلقتها من شعب مصر فى 30 يونيو. لكن المؤسف أنه بدلا من التراجع وإعادة الحسابات، استمر الدعم الأمريكى لإخوان الإرهاب وحلفائهم. واستمر العداء لثورة مصر وشعبها. ولم تخجل الإدارة الأمريكية وهى تضع نفسها مع الإرهاب «الذى تدعى محاربته» فى صف واحد، حين تمنع -حتى الآن- تسليم طائرات «الآباتشى» المطلوبة لمطاردة عصابات الإرهاب فى سيناء، وحين تحرض حلفاءها على منع تسليم السلاح للجيش والشرطة المصريين فى لعبة قذرة، واجهتها مصر بتنويع مصادر سلاحها والمضى قدمًا فى حربها المنتصرة على فصائل الإرهاب بقيادة الإخوان. تقول واشنطن إنها تراجع سياستها وتراقب الموقف.. إلى آخر هذه العبارات المطاطة. وعليها أن تدرك أنه ليس أمامها كثير من الوقت لتحسم أمرها وتتحمل مسؤولية قراراتها. أما بالنسبة إلينا فالموقف محسوم منذ البداية. والثورة تمضى فى طريقها، وقد أنجزنا معظم الخطوات نحو استكمال خريطة المستقبل بإقرار الدستور وانتخاب الرئىس، ونحن فى طريقنا للاستحقاق الثالث والأخير باختيار البرلمان. وغدا يتسلم الرئيس مهام منصبه رسميا وسط تأييد شعبى كبير، ودعم عربى مشكور، واعتراف دولى بنزاهة الانتخابات ليس فقط من الأصدقاء، بل حتى من دول معادية حاولت أن تثير الشكوك حول الإقبال على الانتخابات، ثم فاجأتها الملايين وهى تخرج إلى الميادين احتفالا بالإعلان الرسمى للنتيجة، كأنها ترد على المشككين وتؤكد مرة أخرى أن أحدًا لن يستطيع خداع شعب قام بثورتين وأسقط نظامين فى ثلاث سنوات!! ويبقى أن علينا أن ننتقل من دبلوماسية الدفاع إلى دبلوماسية الهجوم وفضح المؤامرات علينا، وعرض الحقائق كاملة على شعوب العالم وأولهم الشعب الأمريكى، لكى يحاسبوا حكوماتهم على مواقفهم من دولة هامة مثل مصر تحارب الإرهاب وتبنى نظامها الديمقراطى، فإذا بها تجد حكومات تدعى الدفاع عن الحرية فى صف واحد مع تنظيمات الإرهاب!! ثم يبقى الأهم.. أن نؤمن جميعًا أن مستقبلنا بيدنا لا بيد أمريكا أو غيرها. وأن وحدتنا الوطنية هى صمام الأمان، وأننا سنبنى الديمقراطية والعدالة لأن هذا هو اختيارنا، وأنه أمر طبيعى أن علاقتنا مع أمريكا لن تكون كما كانت قبل ذلك كما قال أوباما.. الفارق هنا أن أوباما كان يقول ذلك دفاعًا عن تحالفه مع فاشية الإخوان، بينما نقولها نحن كل أوراق اللعبة (وليس 99٪ فقط) قد أصبحت فى أيدينا بعد ثورتين أكدتا للعالم أن مصر الثورة تكتب تاريخًا جديدًا لها.. وللمنطقة، وأن على من راهنوا على سقوطها فى مستنقع الفوضى أو عودتها إلى دائرة التبعية.. أن يدفعوا ثمن رهاناتهم الخاسرة!!