في خطوة كان يتوقعها الكثيرون رفضت دول المنابع السبع في اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل إدراج مطالب مصر والسودان ضمن الاتفاقية الإطارية لتقرر دول المنابع التوقيع المنفرد على الاتفاقية الإطارية في 14 مايو الجاري.. حول تداعيات التوقيع المنفرد على الاتفاقية الإطارية وكيفية التعامل مع مثل هذه الخطوة كان هذا الحوار مع الدكتور ممدوح حمزة الاستشاري الهندسي والخبير في ملف مياه النيل.. انتهي اجتماع وزراء المياه بدول حوض النيل باتجاه دول المنابع السبع إلي توقيع الاتفاقية الإطارية بشكل منفرد فكيف تري هذا الأمر وما الدولة الأكثر تشددا بين دول المنابع ضد المفاوضات؟ - في رأيي أن إثيوبيا هي التي تتزعم هذا الجناح من دول المنابع، لكن مما لاشك فيه أن إثيوبيا لا تعمل بمفردها ولكن هناك قوي خارجية تقوي شوكتها، أما فيما يتعلق بتأثير التوقيع المنفرد لدول المنابع في حصة مصر من مياه النيل فإن توقيع هذه الاتفاقية لن تظهر آثاره غدًا أو بعد غد، لكن التأثير سيظهر خلال سنوات في حالة تفعيل هذه الدول للاتفاقية التي سيوقعونها بشكل منفرد، وسيكون تفعيل هذه الاتفاقية بمثابة محاولة لإبادة الشعب المصري وجريمة ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون، بالإضافة إلي ذلك فإن دول المنابع ستخسر هي الأخري من جراء التوقيع المنفرد علي الاتفاقية الإطارية حيث سيتوقف تمويل الجهات الدولية المانحة مثل: البنك الدولي للمشروعات في دول المنابع، لأن هذه الجهات تحترم القوانين وستعتبر توقيع دول المنابع علي الاتفاقية الإطارية دون مصر والسودان خرقًا للقانون، يضاف إلي ذلك أن التوقيع المنفرد لدول المنابع علي الاتفاقية الإطارية سيكون إعلانًا للعداء من جانب هذه الدول ضد مصر، هو الأمر الذي سيعطينا فرصة للتفكير في مصالحنا، بالإضافة إلي وجود كروت في يد مصر يجب استخدامها، عمومًا لم يحدث عبر التاريخ أن اجتمعت دول المنابع للتوقيع المنفرد دون مصر والسودان. وما هذه الكروت وكيف يمكن استخدامها؟ - مصر في يدها ثلاثة كروت مهمة يجب استخدامها في حل الخلافات مع إثيوبيا التي تتزعم دول المنابع وهي إريتريا والصومال والقبائل الإثيوبية، وهذه الكروت تستطيع عمل قلاقل ب«إثيوبيا»؛ فإريتريا تعادي إثيوبيا، وهناك مثل شعبي يقول (عدو عدوي صديقي)، وأعتقد أن لقاء الرئيس مبارك بالرئيس الإريتري أسياسي أفورقي الثلاثاء الماضي بداية لاستخدام الكارت الإريتري. أما الكارت الثاني فهو الصومال التي تتنازع مع إثيوبيا علي إقليم الأوجادين، والكارت الثالث هو القبائل الإثيوبية التي تكره الحكومة الإثيوبية، وقد شاهدت برنامجا علي قناة ناشيونال جيوجرافيك يتحدث عن المناطق التي تقيم فيها الحكومة الإثيوبية السدود، وشاهدت أحد شيوخ القبائل وهو يقول «قبل أن تبني الحكومة السد الذي سيغرق أرضي عليهم بقتلنا أولا»؛ لذا يجب النزول إلي هذه القبائل من جانب مصر، يضاف إلي ذلك الاهتمام بأفريقيا عموما مع التحرك المصري لإحداث انشقاق في دول المنابع من خلال التعاون مع هذه الدول واستقطاب البعض الآخر. من أين ينبع هذا التشدد الإثيوبي؟ - بدأت الحساسية بين مصر وإثيوبيا تحديدًا من عهد الرئيس السادات، كانت هناك علاقات ود وتفاهم بين مصر وإثيوبيا في عهد الرئيس عبدالناصر والامبراطور هيلاسلاسي، لكن عندما بدأت مصر في بناء السد العالي بدعم روسي دخلت أمريكا علي الخط ونفذت دراسة شاملة عن إنشاء السدود في إثيوبيا عام 1964، في محاولة لاستغلال عورة المياه، لأن مصر لديها عورتان يمكن لأي دولة ضرب مصر من خلالهما وهما المياه والشباب المصري. هل إثيوبيا هي الخطر الوحيد فقط علي مصر؟ - بالطبع لا، فهناك أمر أخطر علي مصر من إثيوبيا وهو بيع السودان لأراضيها الزراعية لمستثمرين أجانب وهو الأمر الذي يتم حاليا، وخطورة هذا الأمر وبحسبة بسيطة فإن السودان ترغب في زراعة 20 مليون فدان من خلال المستثمرين الأجانب، وزراعة أكثر من 8.2 مليون فدان في السودان سيكون علي حساب حصة مصر من مياه النيل، فضلا عن أن تصدير المحاصيل المزروعة في السودان سيكون بمثابة تصدير مياه النيل إلي خارج الحوض، وبالتالي فإن السودان سيكون أخطر علي مصر من إثيوبيا، والحل يكمن في اتجاه المصريين إلي الاستثمار الزراعي في السودان وعدم ترك السودان للاستثمار الزراعي الأجنبي. هل تعتقد أن دول المنابع لديها أي نيات سيئة في توقيعها المنفرد علي الاتفاقية الإطارية؟ - بالطبع دول المنابع لديها سوء نية، والدليل علي ذلك أن هذه الدول تسقط عليها سنويا نحو 1767مليار متر مكعب من الأمطار تحصل مصر والسودان علي نحو 5% فقط من هذه الكمية، فلماذا يتركون هذه الكمية ويتمسكون بما تحصل عليه مصر والسودان؟ مؤخرا تم نقل المسئولية عن ملف مياه النيل من وزارتي الخارجية والري إلي جهاز سيادي.. فكيف تري هذا الأمر؟ - أري أن يعود هذا الملف إلي الخارجية والري، لكن ليس معني ذلك أن يخرج هذا الجهاز من الملف، وما أقصده أن يظل الملف في يد الخارجية والري ويدير هذا الجهاز الملف في الخفاء، لأن هذا الجهاز من أهم الأجهزة وطبيعة عمله تقتضي السرية. ما تقييكم للوجود المصري في دول حوض النيل؟ - الوجود المصري في دول الحوض ضعيف جدا، قد يكون هناك وجود سري للأجهزة لا أعرفه، لكن دول المنابع ماكانت تستطيع الإقدام علي خطوة التوقيع المنفرد علي الاتفاقية الإطارية لولا تراجعنا الشديد في المنطقة، بالإضافة إلي تقوية شوكتهم من جانب بعض القوي الخارجية. وما القوي التي تساعد دول المنابع ضد مصر؟ - غالبا هي إسرائيل، وعلي الأجهزة المصرية أن تتحرك لجمع معلومات تؤكد دور إسرائيل في تحريض دول المنابع ضد مصر، ولو ثبت هذا الأمر يجب وقف اتفاقية السلام مع إسرائيل لأن هذا الأمر يشبه من يبتسم في وجه أحد الأشخاص ثم يلتف ليطعنه بخنجر. وماذا عن الوجود الصيني في دول المنابع.. هل يؤثر فلي حصة مصر من مياه النيل؟ الوجود الصيني في إثيوبيا مؤثر، فالصين هي التي مولت ونفذت «سد تيكيزي» الإثيوبي، والوجود الصيني عموما في دول المنابع يؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل، لذا يجب الجلوس مع الصين، وبحث هذا الأمر معها. كيف تري الوجود الإيطالي في إثيوبيا؟ - إيطاليا تقوم بتمويل إنشاء سدود في إثيوبيا ولكن هذه السدود تؤثر في كينيا. وماذا عن الدور الأمريكي في هذه المنطقة؟ - أمريكا موجودة في هذه المنطقة، ويكفي أن نعرف أنها هي التي صممت سد «تيكيزي الإثيوبي». كيف يمكن التعامل مع هذه الأدوار؟ - يجب أن تقف مصر في وجه الدول التي تمول إنشاء السدود في دول المنابع مثل الصين الصديقة. هناك من يتحدثون عن الدور الإيراني في أفريقيا، فهل يؤثر الوجود الإيراني بالسلب في حصة مصر من مياه النيل؟ - إيران موجودة في أفريقيا بالفعل، ويجب أن تستغل مصر هذا الوجود الإيراني بالتعاون مع ايران لحل أزمة مياه النيل، فإيران تتطلع إلي رضا مصر، وعلي مصر أن تبدأ علاقات طيبة مع إيران، فضلا عن أن إيران يجب أن تزيل اسم «خالد الإسلامبولي» قاتل الرئيس السادات من علي أشهر شوارعها، كذلك يجب عمل قوة مضادة من كل من «مصر وتركيا وإيران» وضد إسرائيل في أفريقيا، ويجب أن نتذكر أن الرئيس عبدالناصر عندما قويت شوكته في افريقيا في الستينيات بعثت فرنسا بوفد إلي القاهرة لتوزيع مناطق النفوذ بين مصر وفرنسا في أفريقيا. هل يؤثر إنشاء دول المنابع للسدود في حصة مصر من مياه النيل؟ - بالطبع فإنشاء السدود يؤثر بالسلب علي حصة مصر من مياه النيل، لأن هذه السدود تحتجز وراءها المياه مما يعرضها للتبخر، فضلا عن أن كثرة هذه السدود سيغير من نظام التدفقات المائية، فمثلا سد «تيكيزي الإثيوبي» أثر في حصة مصر السنوية من مياه النيل والتي تقدر بنحو 5.55 مليار متر مكعب بنقصان يقدر بنحو 20 مليون متر مكعب، وهي نسبة ضئيلة ولكن هذا الأمر ينطبق عليه المثل القائل «من يفرط في متر يفرط في مليون متر»، فإثيوبيا مثلا تخطط لإنشاء 10سدود، فضلا عن سعيها لتكون أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا. هناك من ينادي بشن حرب ضد دول المنابع لتأمين حصة مصر من مياه النيل فما رأيك؟ - رأيي في هذا الموضوع أن تأخذ الجهود الدبلوماسية مجراها لأبعد الحدود مع تقديم المنح الدراسية للطلاب من دول الحوض، في الوقت نفسه يجب أن تعلم دول المنابع أن مصر قادرة علي الردع إذا تم المساس بحصتها من مياه النيل، ويجب أن تلوح مصر بإمكانياتها العسكرية في مواجهة دول المنابع مع إنشاء قاعدة للصواريخ في جنوب مصر بالإضافة إلي إنشاء قاعدة بحرية في رأس برناس علي البحر الأحمر، كما يجب التلويح بالإمكانيات العسكرية وب3 مليون جندي وبالصواريخ والبوارج والمدافع، لأن ذلك يقوي المفاوض المصري في المفاوضات مع دول حوض النيل بدلاً من أن يشعر أن ظهره غير مؤمن، كما يجب التعامل بمنطق أن تفعيل هذه الدول للاتفاقية الإطارية التي يعتزمون توقيعها بشكل منفرد يدخل في إطار إبادة الشعب المصري وبالتالي من يرغب في إبادتي سأقوم بإبادته. هناك أيضا من ينادي باللجوء إلي التحكيم الدولي لحفظ حصة مصر من مياه النيل فما رأيك في هذا الأمر؟ - اللجوء للتحكيم الدولي لن يؤدي إلي نتيجة، وسوابقنا فيه غير مشجعة، إلا في حالة إسناد الملف للدكتور مفيد شهاب الذي يمتلك خبرات في التحكيم الدولي حيث كان ضمن الوفد المصر ي في قضية طابا. هناك من يتوقعون تناقص منسوب المياه ببحيرة السد العالي إلي مستويات غير مسبوقة فما رأيك؟ بالفعل فمنسوب المياه ببحيرة ناصر سيقل إلي مستويات قياسية، ويرجع هذا الأمر إلي أن السحب من بحيرة ناصر يزيد، فضلا عن إنشاء السودان لسدمروي وسيحدث هذا التناقص تقريبا فيما بين 7 و10 سنوات. كيف تري نصيب الفرد في مصر من المياه؟ - متوسط نصيب الفرد من المياه في مصر 750 متر مكعب سنويا، وهو متوسط ضئيل وأقل من خط الفقر العالمي والذي يبلغ نحو1000متر مكعب سنويا، ونحن في موقف خطير فيما يتعلق بالمياه ففي كل دول العالم الموارد المائية ثابتة ونصيب الفرد يقل نتيجة لزيادة عدد السكان أما في مصر فالوضع مختلف فالموارد المائية غير ثابتة وعدد السكان يتزايد باستمرار وبالتالي يقل نصيب الفرد من المياه، وهو ما سينقلنا من وضع الوفرة المائية إلي وضع الندرة، فضلا عن أننا نستورد سنويا مايعادل 400 مليار متر مكعب من المياه من خلال المحاصيل والمنتجات التي نستوردها، بمعني أننا عندما نستورد كيلوجرام واحد من اللحم يعني ذلك أننا استوردنا 16 ألف كيلو من المياه، كذلك فإن استيراد بدلة صوف يعني استيراد 170 متر مكعب من المياه. إذن ما الحل لمواجهة الأزمة المائية المتوقعة؟ - يجب أن ينتقل الشعب المصري من سلوك الوفرة المائية إلي سلوك الندرة، فلم يعد مطلوبا أن يتم غسل السيارات في محطات المياه بكميات كبيرة من المياه، ولا استخدام خرطوم المياه لرش الشوارع، يجب إذاعة برامج إعلامية لتوعية الشعب المصري علي الاقتصاد في استخدام المياه وتوفير كل قطرة مياه، كذلك يجب زراعة المحاصيل التي تأخذ كميات قليلة من المياه.