بينما كنت أقرأ في كتاب عبدالرحمن الكواكبي الشهير (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) فوجئت بصديق بجانبي يقول لي أنت لم تذكر في مقالك عن قانون الطوارئ سوريا التي تحكم به منذ عام 1958 قلت له معقول؟!! وسكت ومضيت في قراءتي فقد استوقفني وشدني كثيراً كتاب طبائع الاستبداد ومما زادني إعجابا أنه بعد مائة عام من كتابه الذي ألفه باسم مستعار - حيث كتب عليه (الرحالة ك) مازال الكتاب كأنه شاهد عيان يتكلم عن وقائع وأحداث معاصرة ويبقي أن الكواكبي كان محامياً وكاتبًا وصاحب علم شرعي ليزداد الإعجاب إعجابًا وأتوقف في مقالي مع فقرات مهمة من كتابه طبائع الاستبداد ليتيقن القارئ أنها لكاتب ومؤلف كأنه يعيش بيننا ولم يمت منذ مائة عام لذا أتوقف مع فقرات الكتاب. 1- إذا سأل سائل: لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب مسكت هو: إن الله عادل مطلق لا يظلم أحداً، فلا يولي المستبد إلا علي المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبداً في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم، حتي وربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره. فالمستبدون لا يتولاهم إلا مستبد، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معني ( كما تكونوا يولي عليكم). ما أليق بالأسير في أرض أن يتحول عنها إلي حيث يملك حريته، فإن الكلب الطليق خير حياةٍ من الأسد المربوط. 2- المستبد يجرب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنه يقوي علي تليين طينتهم وتشكيلهم بالشكل الذي يريد، فيكونون له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثم هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر في إبعادهم أو ينكل بهم، ولهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله. 3- نحن ألفنا الأدب مع الكبير ولو داس رقابنا، ألفنا الثبات ثبات الأوتاد تحت المطارق، ألفنا الانقياد ولو إلي المهالك، ألفنا أن نعتبر التصاغر أدباً والتذلل لطفاً، والتملق فصاحة، واللكنة رزانة، وترك الحقوق سماحة، وقبول الإهانة تواضعاً، والرضا بالظلم طاعة، ودعوي الاستحقاق غروراً، والبحث عن العموميات فضولاً، ومد النظر إلي الغد أملاً طويلاً، والإقدام تهوراً، والحمية حماقة، والشهامة شراسة، وحرية القول وقاحة، وحرية الفكر كفراً، وحب الوطن جنوناً. 4- إن الأمر مقدور ولعله ميسور، ورأس الحكمة فيه كسر قيود الاستبداد، وأن يكتب الناشئون علي جباههم عشر كلمات، هي: ا- ديني ما أظهر وما أخفي 2- أكون، حيث يكون الحق ولا أبالي. 3- أنا حر وسأموت حراً. 4- أنا مستقل لا أتكل علي غير نفسي وعقلي. 5- أنا إنسان الجد والاستقبال، لا إنسان الماضي والحكايات. 6- نفسي ومنفعتي قبل كل شيء. 7- الحياة كلها تعب لذيذ. 8- الوقت غالٍ عزيز. 9- الشرف في العلم فقط. 10- أخاف الله لا سواه. 5- المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلها، والحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئًا، والعلماء هم إخوتهم الراشدون، إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا وإلا فيتصل نومهم بالموت. 6- وقد يبلغ من نتائج الاستبداد بالأمة أن يحول ميلها الطبيعي من طلب الترقي إلي طلب (التسفل) بحيث لو دفعت إلي الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور، وإذا ألزمت بالحرية تشقي، وربما تفني كالبهائم الأهلية إذا أطلق سراحها. 7- الثورة غالباً تكتفي بقلع شجرة الاستبداد ولا تقتلع جذورها، فلا تلبث أن تنبت وتنمو وتعود أقوي مما كانت أولاً. تلك وقفات مع أهم الفقرات التي استوقفتني في كتاب الكواكبي كأنها تري حالنا في مصر وغيرها من الحكومات العربية رأي العين وقد ذكر في أول كتابه أنه يفتح باباً صغيراً في أسوار الاستبداد عسي الزمان أن يوسعه فهل اتسع الباب بعد مائة عام أم ضاق أكثر؟ وقد مات الكواكبي مسموماً عام 1902 ولو كان حياً بيننا الآن لا أعرف كيف سيكون مماته هل بإعدام محكمة عسكرية أم بقتله في سجنه ويخرج التقرير الطبي هبوط في الدورة الدموية؟!