هل تخرج وزارة الثقافة اللوحات المكدسة في مخازنها وتستفيد منها اقتصاديًا؟ ساويرس اشتري لوحتين لعبدالهادي الجزار ب 2 مليون جنيه.. ورزق الله باع لوحاته للكفراوي وجبير بالتقسيط محمود سعيد هل كان يخطر ببال الفنان محمود سعيد - صاحب التحفة الفنية - (بنات بحري) الذي رحل عنا عام 1964 أن يأتي يوم تباع فيه إحدي لوحاته بمليوني دولار؟.. بالتأكيد لم يكن يتوقع أن يحدث ذلك ذات يوم.. لكن بعد مرور حوالي نصف قرن علي رحيله بيعت إحدي لوحاته «الشواديف» وهي الأصغر في مجمل أعمال محمود سعيد بمليوني دولار، وذلك في المزاد الذي عقدته مؤخرا صالة كريستي بدبي. المبلغ الذي بيعت به اللوحة يعد أكبر مبلغ يدفع ثمنا للوحة فنان من الشرق الأوسط ورغم القيمة الفنية الرفيعة فإنها ليست أفضل أعمال الراحل لكن اختيارها للعرض ضمن معروضات المزاد جاء لكونها ليست صادمة للذوق العام لأبناء البلد الذي عقد به المزاد، حيث تتميز معظم الأعمال التي تعرضها صالة كريستي بدبي بالمحافظة والبعد عن كل ما يصطدم بالذائقة العامة لمنطقة الخليج. لوحة محمود سعيد تصور مجموعة من الفلاحين يضخون المياه من نهر النيل لأراضيهم، وهي اللوحة التي تعبر عن الروح المصرية الخالصة إلا أن لسعيد أعمالا فنية أخري أكثر تعبيرا عن هذه الروح وأكثر جمالية وقيمة. بلوغ لوحة (الشواديف) هذا الرقم اعتبره عدد كبير من الفنانين التشكيليين حدثا مهما لكونه سيساهم في إنعاش سوق اللوحات للفنانين المصريين خارج مصر، كما أنه سيساهم في زيادة أسعار اللوحات ولو بنسبة ما داخل صالات العرض في مصر التي لم يتجاوز فيها سعر لوحة ما لفنان من الفنانين الكبار أكثر من مليوني جنيه، حيث بيعت لوحتان للفنان عبدالهادي الجزار وهما(فرح زليخة) و(المجنون الأخضر) بمليوني جنيه دفعهما رجل الأعمال نجيب ساويرس لزوجة الفنان الراحل، وتعد هاتان اللوحتان الأعلي سعرا في سوق اللوحات في مصر. كما أن هذا السعر الذي بيعت به اللوحة لابد أن يجعل القائمين علي أمر قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة يعيدون النظر في اللوحات المتكدسة بمخازن المتاحف وقاعات العرض الخاصة بالوزارة والتعامل معها علي أنها ثروة ليست بالمعيار الفني فقط بل بالمعيار الاقتصادي .ومن هذه اللوحات لوحات للفنان محمود سعيد التي يوجد منها القليل بمتحف الفن الحديث بالأوبرا ولوحة أخري (ذات الرداء الأزرق) بسفارة مصر بنيويورك فضلا عن اللوحات الموجودة بمتحف محمود سعيد بالإسكندرية مسقط رأسه. أسعار اللوحات لا يلتفت إليها بعض الفنانين، حيث يرون أن القيمة الحقيقية للوحته تتمثل في أنها تعلق علي جدار بيت أحد العاشقين للفن ويسعد بها ويورثها لأبنائه الذين يتعاملون معها باعتبارها ثروة فنية وتاريخية، من هؤلاء الفنانين عدلي رزق الله الذي يقول إن أي رقم تباع به اللوحة مهما بلغ فهو رقم صغير لا يتناسب مع قيمة اللوحة، وقد بعت لوحات لبعض الأشخاص لم يفكروا طوال حياتهم في شراء لوحة فنية كما أنني بعت بعضا من لوحاتي لبعض الأدباء والكتاب في الثمانينيات بالتقسيط حيث اشتري مني الكاتب سعيد الكفراوي والكاتب عبده جبير لوحات علي أن يدفعا لي 20 جنيها شهريا كما بعت لوحات أخري لكتاب آخرين بنفس الطريقة. أما الفنان عادل السيوي فيري أن بلوغ لوحة محمود سعيد هذا السعر سيؤثر إيجابيا في مسألة البيع داخل مصر وخارجها، وهو يعتبر إعادة لتقييم الأصول وأعمال الرواد، كما أن هذا الأمر لابد أن يدفع وزارة الثقافة إلي أن تتوقف عن شراء الأعمال الفنية الهزيلة التي تتناسب قيمتها المادية مع ميزانيتها التي تحددها لشراء الأعمال الفنية لتعرضها بمتاحفها وتشتري أعمالا عالية القيمة لأنها تعد استثمارا بالمعني الحقيقي؛ فلوحات «جاذبية سري» علي سبيل المثال يتجاوز سعرها ال 100 ألف دولار وكذلك تحية حليم وحامد ندا . الفنان حلمي التوني يؤكد سعادته بالسعر؛ لأن ذلك يعني أن الفن الحقيقي ليس للتسلية فقط وإنما استثمار اقتصادي، كما أن الفن له دور إيجابي في الديمقراطية وطرح وجهات النظر المختلفة والمتعددة حول موضوع واحد، فعلي سبيل المثال لم يكن محمود سعيد وحده هو الذي رسم «الشواديف» لكن قام برسمها أيضا راغب عياد لكن بتصور ووجهة نظر مختلفين. وعن أسعار لوحاته يقول التوني: سعر اللوحة يبلغ 30 ألف جنيه لكنني لا أهتم كثيرا بهذه المسألة بل أهتم بأن تكون لوحاتي في بيوت المثقفين وعشاق الفن. فقد جاءني ذات يوم الدكتور محمود عبدالفضيل - وهو عالم اقتصاد - وطلب مني أن يقتني إحدي لوحاتي وقال لي: أنا أستاذ جامعة ولا أملك ثمن اللوحة فبعتها له بالتقسيط. الفنان صلاح عناني قال: إنه الأعلي سعرًا وأكثر بيعا وسط الفنانين المصريين ومع ذلك لا أثق كثيرا في صالات المزادات، حيث يختلط فيها الحابل بالنابل، حيث تضع لوحة لعبدالهادي الجزار أو محمود سعيد أو غيرهما وبجوارها لوحة لآخرين ليس لأعمالهم أي قيمة تذكر؛ فهذه الصالات تلعب بالأسماء وتستغلها لترويج أعمال تافهة. وإذا كانت لوحة «الشواديف» قد بيعت بهذا المبلغ فهذا أقل مما يستحقه محمود سعيد.