السبت.. جامعة النيل الأهلية تفتح أبوابها لاستقبال طلاب الثانوية العامة    طمأنة للمستثمرين.. رئيس الوزراء: إزالة أي تحديات تواجه مشروعات القطاع الخاص    اقتصادي: البنوك الرقمية تواكب التطور التكنولوجي وتعزز الشمول المالي وتيسر الخدمات المصرفية    مصر ترحب بقرار النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف رسميا بدولة فلسطين    مدبولي: الحرب الإسرائيلية بغزة سبب رئيسي في اتساع رقعة عدم الاستقرار    بعثة الترجي التونسي تصل القاهرة اليوم استعدادًا لمواجهة الأهلي    الأمن العام يضبط تشكيلاً عصابيًا للاتجار في الأسلحة النارية بالبحيرة    قبل طرحة بدور العرض السينمائى اليوم.. أبرز ملامح فيلم "تاني تاني" لغادة عبدالرزاق    شراكة علمية بين جامعتي قناة السويس وبكين لتكنولوجيا المعلومات    الشركات توقفت عن إنتاج ألف صنف دوائي والمرضى لا يجدون العلاج في زمن الانقلاب    كيفية الحفاظ على كفاءة التكييف في فصل الصيف    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    "الرجل الأول والعقد".. كواليس رحيل بوتشيتينو عن تشيلسي    هاني شكري: الكاف المسؤول عن تنظيم نهائي الكونفدرالية ونتمنى فوز الأهلي بدوري الأبطال    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل ابن زوجته بالقليوبية    ترقب المصريين لموعد إجازة عيد الأضحى 2024: أهمية العيد في الحياة الثقافية والاجتماعية    انتقاما من والده.. حبس المتهمين بإجبار شاب على توقيع إيصالات أمانة بالمقطم    تطورات الحالة الصحية للفنان عباس أبو الحسن.. عملية جراحية في القدم قريبا    «المالية»: نصف مليار جنيه تمويلًا إضافيًا لدعم سداد أجورالعاملين بالصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات    يديعوت أحرونوت: وزارة الخارجية الإسرائيلية تدرس سلسلة من الإجراءات العقابية ضد أيرلندا وإسبانيا والنرويج    المتحف القومي للحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    بعد العثور على خاتم الرئيس الراحل إبرهيم رئيسي.. ما سر ارتداء الخواتم في إيران؟    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    جوارديولا: أود مشاركة جائزة أفضل مدرب بالدوري الإنجليزي مع أرتيتا وكلوب    «التعليم»: قبول ملفات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024 للأطفال البالغين 6 سنوات    رئيس حزب الجيل: فخور بموقف مصر الحاسم تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة    تراجع جديد.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 22-5-2024 مقابل الجنيه المصري بمنتصف التعاملات    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    لمواليد برج القوس.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    « وتر حساس » يعيد صبا مبارك للتليفزيون    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    رئيس جهاز القاهرة الجديدة يبحث مطالب ومقترحات سكان حي الأندلس    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    التكييف في الصيف.. كيف يمكن أن يكون وسيلة لإصابتك بأمراض الرئة والتنفس؟    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    قمة عربية فى ظروف استثنائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    صدمه القطار.. مصرع تلميذ أثناء عبوره «السكة الحديد» بسوهاج    جامعة حلوان الأهلية تنظم ندوة حول "تطوير الذات"    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات المياه والصرف الجاري تنفيذها مع شركاء التنمية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    سيدة «المغربلين»    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    طريقة صنع السينابون بالقرفة.. نكهة المحلَّات ولذَّة الطعم    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام عبد الصبور شاهين يكتب: أعداء الوطن
نشر في الدستور الأصلي يوم 12 - 08 - 2013

أنتج فيلم (البرئ) لمخرجه المرحوم عاطف الطيب عام 1986، وسُمِح بعرضه ناقصا بعض مشاهده عام 2005، أي بعد تسعة عشر عاما من إنتاجه، وكان ذلك لما يحتويه الفيلم من صورة شديدة الواقعية، شديدة الإيلام، عميقة النفاذ إلى الضمير الحيّ.. يروي الفيلم – لمن لم يره – قصة أحمد سبع الليل القروي الأمّي، الذي جُنِد في قوات الأمن المركزي، ورُحِّل إلى أحد المعتقلات في وسط الصحراء، وهناك قيل له ولزملائه الذين يتمتعون بنفس العقلية البسيطة البريئة، أن من يأتون معتقلين إلى هذا السجن هم أعداء الوطن، ويجب التعامل معهم بعنف شديد يتلاءم مع جريمتهم الشنعاء؛ عداء الوطن، واستوعب سبع الليل كما استوعب زملاؤه الأوامر الصارمة الصادرة عن قائد السجن العقيد توفيق شركس ونوابه، بإهانة وضرب وتعذيب السجناء كلما سنحت الفرصة لذلك، بغض النظر عن شخصيات من يضربون ويعذبون أو حتى يقتلون، فهم بذلك يعاقبون وينتقمون من أعداء الوطن، وعندما عاد سبع الليل إلى بلدته وأمه الفقيرة وأخيه المتخلف؛ أخذ يروي لأقرانه تفاصيل الحرب التي يخوضها ضد أعداء الوطن، بينما هؤلاء الأقران لا يشعرون بشئ، ولا يدركون أهمية العمل الجليل الذي يقوم به هو وزملاؤه !

هذه المقدمة عن فيلم (البرئ) الذي كتب قصته وحيد حامد، أسوقها لتستحضر معي المشهد الآتي: (سبع الليل يحطم رأس رشاد عويس الكاتب السياسي المعارض أثناء محاولته الهرب من المعتقل؛ بينما الضابط توفيق شركس واقف يتفرج عليه مبتسما ابتسامة التشفي والانتصار، حين وجد الجندي يقوم بمهمته على أحسن وجه وهو يصرخ في وجه القتيل: يا عدو الوطن يا كافر.. نفس المشهد حدث في ميدان التحرير منذ عام ونصف، ولكن ليس تمثيلا لمشهد في فيلم؛ وإنما أمام الكاميرا التي صورت محاولة الأمن فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة، الجنود يضربون المتظاهرين بمنتهى العنف، وأدخنة الغاز المسيل للدموع تملأ هواء الميدان، وجندي الأمن المركزي ممسكٌ بعصاه الغليظة، ويمر بجثة شاب ملقاة على أرض الميدان، فيمسك العصا بيده الأخرى، ويلتقط ذراع جثة الشاب ويجرها على الأرض حتى يلقيها بين أكوام القمامة بجوار سور ميدان التحرير الحديدي، ويعود إلى الميدان علّه يقتل عدوا آخر من أعداء الوطن. نفس المشهد تكرر أمام دار الحرس الجمهوري أول رمضان وقتل توفيق شركس وجنوده سباع الليل أكثر من سبعين مصريا، وأصابوا المئات، ثم كانت مذبحة المنصّة التي قتل فيها شركس وسباعُه أكثر من مائة مصري، وجرحوا وأصابوا الآلاف، وفي النهضة وفي الإسكندرية، وفي ما عداهما من أماكن التجمهر والتظاهر والاعتصام.

وعدنا الآن لنتوقع حدوثها مرة أخرى، فتوفيق شركس أعلنت مصادره عن نيته فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، باستخدام المصفحات والقنابل المسيّلة للدموع، وسيُلبَس أحمد سبع الليل درعاً واقية من الرصاص، ويقترح المراقبون والصحفيون المؤيدون للعنف قطع الكهرباء عن الميدان؛ وآخرون يحبّذون قطع إمدادات الطعام والمياه، فإذا جاع المعتصمون وظمأوا خرجوا من الميدان، فلا يُسمح لهم بالعودة، ويطالب آخرون بسحق الاعتصامات واستخدام القوة القاتلة ضد المعتصمين، لأن القيادة (السياسية) اتخذت قرارا بفض الاعتصام وننتهي؛ سينتهون فعلا إن اتخذوا هذا القرار! المهم أن شركس ومؤيدوه يفكرون ويخططون كأنهم يتعاملون مع عدو في معركة في سيناء أو على شاطئ القناة، وليس مع معتصمين غير راضين عما يحدث في بلادهم، ونسي الجميع أن الداخلية هي نفسها التي تعاملت مع معتصمي التحرير أيام ثورة يناير، فقتلت منه ثوار مصر ألفاً، وهي نفسها التي قمعت الشعب المصري ثلاثين عاما قبلها..

وأرجوك عزيزي الآن أن تتخيل الضابط توفيق شركس، يقف في شرفة أحد المباني المطلة على الميدان، وينظر إلى جنوده وهم يقتلون المتظاهرين ويلقون بالجثث في الزبالة؛ وفي عينيه نظرة التشفي والشعور بالانتصار على أعداء الوطن؛ في ماذا عساه فكر ساعتها ؟ لعله فكر في هدية عيد ميلاد ابنته ذلك المساء، أو خطر على باله السفر بعد النصر على المتظاهرين وفقأ العديد من عيونهم؛ إلى العين السخنة أو إلى الجونة ليستجم !

سبع الليل جندي أُمّي يجهل طبائع الأمور، لا يعرف الفرق بين الثورة وماكينة الريّ، ويتعامل مع المتظاهرين على أنهم أعداء الوطن، وتوفيق شركس ضابط شرطة مضطرب الشخصية، يتلذذ بتعذيب الضحايا والمسجونين، ذو شخصية سادية مريضة، وهذا الضابط المريض ينقل ساديته إلى جنوده المستعدين لتقبل أي تعليمات من قائدهم على أنها قرآن حياتهم، فهو يعاملهم كأنهم حيوانات سُخِّرت له ولخدمته، فيسبهم بأقذع الشتائم وأحطّ الألفاظ وأوسخ الأوصاف لهم ولأمهاتهم وآبائهم وأحيائهم وميتيهم وأديانهم، ويخرجون من مركز التدريب وقد فقدوا أي صلة لهم بكرامة الإنسان أو عزة النفس أو قيمتها، ولا يبقى لهم في ذواتهم إلا الإهانة والإحساس بالدونية والحقارة، وتخرج هذه الأحاسيس الكامنة منهم حين يمسكون عصيهم وبنادقهم، ويأمرهم سادتهم بالنيل من أعداء الوطن، فيعملون فيهم ضربا وإصابة وتقتيلا.

إن كلا الشخصيتين يجب أن يزال من جهاز الأمن في مصر، لأن وجودهما يرتبط ارتباطا وثيقا بالنظام البائد، والعقيد توفيق شركس أثبت لرؤسائه كفاءة نادرة، استحق عليها أن ينال رتبة اللواء، ويتقاضى مرتبه بمئات الآلاف، وهو لا يزال في موقعه يتقاضى نفس المخصصات، ويمارس نفس الشذوذ ونفس السادية مع من يقع تحت يده، سواء كان من المعارضين للنظام، أو من الضباط الصغار الذين يربيهم على ما شبّ هو وشابَ عليه، فيبرمجون عساكرهم على طريقتهم الشريرة الشاذة، التي جعلت الجندي يلقي بجثة المتظاهر في الزبالة، وجعلت ضباطا يهوون فقأ العيون، وآخرون يحترفون كل فنون التعذيب، ويعتبرون أنفسهم أسياد الشعب يدوسون بأحذيتهم رقاب أبنائه، وينتهكون آدمية من يقع تحت أيديهم منه.

أحد أخطاء الدكتور مرسي الفادحة أنه لم يتخلص من كل توفيق شركس في وزارة الداخلية، وأنه لم يعلن أول عهده عن البدء في تنفيذ خطة قومية لتعليم أحمد سبع الليل.. واسلمي يا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.