كما أن لدينا قناة تليفزيونية للمنقبات فقط فمن البديهى أن نرى مسلسلا تليفزيونيا من بطولة الرجال فقط، وربما أيضا بلا موسيقى تصويرية. من يتدثرون بالإسلام يرددون مقولة التمثيل حرام، وبعضهم يحللونه للرجال فقط أو يلوكون تلك الكلمات المنسوبة إلى الشيخ الشعراوى «حلاله حلال وحرامه حرام». وهو تعبير فضفاض يبيح كل شىء ويمنحه شرعية ويدخله الجنة، وعلى الجانب الآخر يحرم كل شىء ويدخله إلى النار، كما أن عددا من المتزمتين يؤكدون أن الآلات الوترية حرام والإيقاعية حلال، ولهذا يحرمون النغم أو الميلودى الموسيقى، لأنه يحتاج إلى آلة وترية، بينما الإيقاع مثل الدفوف والرق والطبلة فهى حلال بلال، رغم أنك لو استعدت أى عمل موسيقى لاكتشفت أن الناس ترقص على الإيقاع وليس النغم، ولهذا فإن الرومبا والسامبا والفالس والتانجو والجيرك والواحدة ونص، بل وكاريوكا اسم الشهرة لتحية كاريوكا هى فى الأصل إيقاعات راقصة. كان للموسيقار عبد الوهاب مقولة شهيرة عندما انتشرت الإيقاعات وصارت هى التى تسيطر على الأغانى فقال إنها أغانٍ تحرك السيقان، لا الوجدان، أى أن الإيقاع للسيقان والنغم للوجدان. هذا هو حال من يعلنون التوجه الإخوانى أو السلفى، يعتقدون أن أى شىء منسوبا للسلف حتى ولو كان مجرد ترهات فهو عين الصواب، وعليهم السمع والطاعة، ثم كيف يتناسون أن كل الأوزان الشعرية والتى لم يحرمها القرآن ولا السنة ما هى إلا موسيقى.
لست منزعجا من مثل هذه الأعمال ولا من المسلسلات التى تلعب بطولتها محجبات وتصنع طبقا لشروط الحجاب، فى الفن لا خوف، لأن الناس هى التى تمنح النجاح أو تعلن النهاية، وهذه المسلسلات سيراها الناس ويحكمون أو ربما، التعبير الأصدق هو، يضحكون.
إلا أن هناك تساؤلا مشروعا: هل من الممكن أن تستقيم تلك المعادلات؟ لقد كان الإخوان لديهم مسرح ومسموح للنساء بالتمثيل، أتحدث عن أكثر من 80 عاما مضت فكيف نتقهقر كل هذه الحقب، نعم قناة «الحافظ» تنتمى للسلفيين وهم أكثر تزمتا فى العلاقة بالفنون، ماشى، ولكن لماذا يقدمون دراما تخاصم منطق الحياة، فلا يمكن أن نرى عملا فنيا للرجال أو للنساء فقط، المخرجة الراحلة نادية حمزة كانت كثيرا ما تقدم أفلاما نسائية، لها فيلم ربما اسمه «النساء» ولا لقطة فيه للرجال، وبالطبع فشل فشلا ذريعا فى دور العرض.
أتذكر مسرحية «الشفرة» التى كانت فى البداية للرجال فقط شاهدتها على المسرح قبل 7 سنوات، أضافوا فى اللحظات الأخيرة دورا لإيمان السيد، وكانت تنتهى بالصلاة على خشبة المسرح، وهو ما اعترضت عليه الرقابة وقتها ولكن ظل للمسرحية التى لعب بطولتها عبد العزيز مخيون توجهها الذى يقول إن الإسلام هو الحل، المسرحية لم تحقق أى نجاح يذكر، والدليل أنه لم يتم تقديم مسرحية ثانية للرجال فقط، نحن هذه المرة بصدد قناة تليفزيونية تحدد مواصفات قياسية للدراما التى تريدها، وفنان ينفذ ما هو مطلوب.
وجدى العربى مخرج وبطل العرض، وكنت قد التقيته من قبل أكثر من مرة وأعرف أنه قد صارت أفكاره وآراؤه يحوطها قيود التزمت، قرأت له صباح أمس حوارا فى جريدة «الشروق» أجراه الزميل عربى السيد قال فيه إنه يرحب فى الأعمال الفنية بالمرأة مثل آمال زايد وضرب مثلا بدورها «أمينة» فى الثلاثية، أى أنه لا يسمح بنماذج أخرى مثل التى قدمتها فاتن وسعاد ونجلاء. المسلسل تجرى أحداثه فى مقهى للرجال، وهم يحكون عن مشكلات اجتماعية وبالتأكيد هناك طرف ثان بالضرورة، وهو المرأة ولكنك لن تراها، إنه نفس المنطق الذى كان يسمح للمرأة السلفية بالترشح ثم يطلب منها أن تضع فى الإعلان صورة زوجها أو وردة، لأن صورتها حرام، مثل هذه الخزعبلات التى نراها فى هذا الزمن تشعرنى أننا نعيش مع أهل الكهف.
تسأل لماذا إذن يقدمون الأعمال الفنية؟ لكى يقولوا إننا لا نرفض الفن، ولكن هذه هى شروطنا، تلك هى المواصفات الشرعية، قناة المنقبات مثلا لا يعمل بها سوى المنقبات، وتحرص على أن لا تستقبل أى تليفون إلا من المنقبة وبالطبع لو اتصلت سيدة محجبة، وقالت إنها منقبة فسوف تتحمل وزر الكذب، أما لو كانت سافرة فيا داهية دقى، قال سيد شعراء الكون المتنبى: «يا أمة ضحكت من جهلها الأمم» ونضيف أيضا «مسلسلاتها»!!