لا أقصد من عنوان المقال هرما من أهرام الجيزة، أو هرم زوسر في سقارة، أو هرم سنفرو في ميدوم ببني سويف، وإنما أعني هرم الدكتور أبراهام ماسلو؛ عالم علم النفس الأمريكي؛ للحاجات الإنسانية.. يتكون هرم ماسلو من خمسة مستويات للحاجات الإنسانية، المستوى الأول يكوّن قاعدة الهرم، وهو الحاجات الأساسية التي لا يستطيع الإنسان العيش بدونها، وهي الهواء والطعام والشراب، والملبس والمسكن والجنس، يليه المستوى الثاني وهو الأمن والتعليم والصحة وأداة الانتقال، ثم المستوى الثالث الذي يشمل العلاقات الاجتماعية من رياضة وزواج وصداقة وغيرها، ثم يأتي المستوى الرابع وهو تحقيق الذات والثقة والإنجاز والاحترام المتبادل، وقمة الهرم يعتليها المستوى الخامس من الحاجات الإنسانية، وفيه الاختراع والابتكار وتوفير حلول لمشكلات المجتمع. ولي بضع ملاحظات على هذا الهرم:
أولا: لا يمكن لإنسان أن يرتفع بمستوى حاجاته من مستوى إلى الذي يليه إلا بأن يحقق المستوى الأدنى، أي إنه لا يمكن أن يفكر في تلبية الاحتياج إلى الصحة، وهو لا يجد ما يأكل، ولا أن ينعم بالتعليم وهو لا يجد مسكنا، كما أنه لا يمكن أن يفكر في الزواج وهو لا يتمتع بالأمن.. وهكذا.
ثانيا: قد تتداخل بعض مستويات هرم ماسلو في بعض الدول، وبخاصة الدول المتقدمة، فيصبح الأمن والتعليم مثلا من الاحتياجات الأساسية، والصحة من الحاجات الفسيولوجية، وقد يتداخل المستويان الرابع والخامس مثلا، فقد يكون الإنجاز اختراعا أو ابتكارا، أو أن تكون الثقة دافعا لحل مشكلة من مشكلات المجتمع..
ثالثا: يمكن تقسيم العالم - عامة - تبعا لمستويات هرم ماسلو، فيقال مثلا إن دولة كالصومال أو جزر القُمر لم يحقق أهلها حتى الآن الاحتياجات الأساسية والفسيولوجية، فلن يتحقق لهم بالطبع الحاجات الاجتماعية، ودولة كسويسرا أو اليابان؛ تحقق لأهلها مستويات الهرم الخمسة.
رابعا: من الطبيعي أن يكون جميع بني البشر مشتركين في المستوى الأول من الاحتياجات، وأن يقل بالتدريج الذين يحققون المستوى الأعلى، حتى يصلوا إلى الندرة في المستوى الخامس، ويتنوعون بين المستويات الأخرى تبعا للظروف في بلد المعيشة.
خامسا: في دولة كبيرة مثل مصر، نستطيع تطبيق قانون ماسلو، في مستوياته الأعلى على شرائح معينة من المجتمع، بينما نجد أنفسنا مجبرين على اعتبار البلاد كلها وحدة واحدة ليكون تطبيق قانون الهرم عادلا.
على المستوى الفردي؛ قد يقول قائل رأيه في أحواله أنه حقق المستوى الرابع، فقد تخرج من الجامعة الأمريكية، ومتزوج وعضو في نادٍ رياضي، وله عدد لا بأس به من الأصدقاء، وأنجز في عمله عدة صفقات رابحة، والتحق أبناؤه بمدارس اللغات ليحصلوا على الدبلومة الأمريكية، ويسافر مع عائلته سنويا لقضاء الصيف في أوروبا أو تركيا، وحسابه في البنك به مبلغ معقول، وهو بهذه المعطيات والنتائج يكون قد حقق المستوى الرابع، ولكنه في ذات الوقت ينقصه الأمن من المستوى الثاني، برغم أن الأمن في الدول المتقدمة من احتياجات المستوى الأول.
ونظرة إلى الأحوال المصرية هذه الأيام، لنقيّم قدرة المصريين على تلبية احتياجاتهم على أساس هرم ماسلو، سنجد الآتي:
الأمن مفقود في كل أنحاء البلاد، بغض النظر عن السبب في هذا القصور أو الانعدام الأمني، وفي ظل تباطؤ القضاء، وتعدد القوانين (34 ألف قانون)، ما عاد المصري يستطيع الحصول على حقه دون وساطة أو رِشوة، أي لا يستطيع أن يستوفي حاجته الأمنية من أحكام القضاء، إذ كيف يشعر بالأمان من لا يستطيع الحصول على حقه، بل ويرى غيره يستولي عليه ؟
وزير التموين النشيط، يحاول منذ عدة أشهر تدبير احتياجات البلد من الخبز، وإرهاصات الإفلاس والعجز عن تدبير القمح بعد عدة شهور أصبحت (لبانة) في أفواه الإعلام.
عندما أهمل الرئيس السابق عمق مصر الأفريقي؛ شرعت إثيوبيا في بناء سد النهضة، الذي سيحرم مصر من 30 ٪ من الماء الوارد إليها من أعالي النيل، بينما العديد من قرى مصر وعشوائياتها ليس بها ماء نقي للشرب.
عبر ثلاثين عاما بلغ سكان العشوائيات ثلث سكان مصر، والمناطق العشوائية في مصر تعدت 1200 منطقة عشوائية.
تنتشر الأمراض المُعدية كالسل الرئوي والدرن وروماتيزم القلب بين سكان العشوائيات، والبلهارسيا والفشل الكلوي وأمراض الكبد وفيروساته تصيب سكان الريف وسكان المدن.
مقابل عدة ملايين فتاة عانس، هناك عدة ملايين شاب لا يقدرون على تكاليف الزواج، وحتى المتزوجين؛ ارتفعت بينهم نسبة حالات الطلاق والخُلع إلى أرقام غير مسبوقة.
تدهور التعليم في كل مراحله، هبط بمستوى خريجي المدارس والجامعات إلى مستوى ردئ في الكفاءة والأداء، وأثر ذلك بالطبع على استقرار سوق العمل داخليا وخارجيا.
اقتصر مفهوم ممارسة الرياضة على مشاهدة مباريات كرة القدم، فانحدر أداء المصريين في معظم الألعاب الرياضية، باستثناء بعض الأنشطة المعتمدة على الأداء الفردي.
اضطراب العلاقات الاجتماعية والمالية بين أفراد المجتمع الواحد، أدى إلى تشوهها ومسخها، فتربّت بينهم العداوات، وامتلأت المحاكم بالمظالم والقضايا.
تهالك وسائل النقل العام من أوتوبيسات وقطارات، حرم المواطن متواضع المستوى من وسيلة انتقال كريمة، توفر له وقته وجهده، وتحفظ كرامته.
وبعد هذا العرض المختصر لمظاهر عجز الشعب المصري التي ورثها الرئيس مرسي، يتبين لنا أننا في مصر لم نستوف احتياجاتنا من الطعام وماء الشرب، والمسكن والصحة والأمن، والزواج والرياضة والتعليم، ووسائل النقل والعلاقات الجتماعية السوية،
وبعد أكثر من ستين عاما من انقلاب يوليو، وبعد أكثر من ثلاثين عاما من توقيع اتفاقات السلام وحكم مبارك، عجزنا عن الوفاء بهذه الحاجات، وهي تحتل المستويات الأول والثاني والثالث من هرم ماسلو، وبالطبع لن نفكر في المستويين الرابع والخامس، لأننا وللأسف لا زلنا نصارع عند قاعدة الهرم.. واسلمي يا مصر.