لماذا أصبحت جولات البرادعي في المحافظات تسولاً سياسياً وعندما كان يقوم بها جمال مبارك كانت دليلاً على تواضعه والتحامه بالجماهير؟! محمد البرادعي الآن والآن فقط أصبحت الجولات التي يقوم بها السياسيون في المحافظات تسولاً سياسياً، لماذا؟ لأن الدكتور محمد البرادعي هو الذي قام بها، لكن عندما كان جمال مبارك يطوف مدن مصر وقراها طولاً وعرضاً وخلفه رهط من الوزراء والمحافظين، كانت جولاته دليلاً علي تواضعه واتصاله بالجماهير وحب الناس له! منطق مقلوب وذمم تفصيل لا يفهمها إلا من أقام في هذا البلد الذي تحدث فيه الأعاجيب، فالأستاذ محمد علي إبراهيم الكاتب الصحفي المفوه ورئيس تحرير جريدة جمهورية الحزب الوطني «نتع» مقالاً يقترب من نصف صفحة ينتقد فيه الزيارة التي قام بها الدكتور البرادعي لمدينة المنصورة معتبراً إياها نوعاً من التسول السياسي وشحذ التأييد الشعبي من رجل لا يعرف شيئاً عن مصر ولا أهلها. دعونا نغوص في أعماق هذا المقال المعجزة الذي يكشف إلي أي حد أصاب ظهور الدكتور البرادعي السلطة والمنتفعين منها بالتوتر والارتعاش والأرتيكاريا السياسية بعدما ضرب كرسياً متيناً في كلوب التوريث الآمن. أولا: تحدث علي إبراهيم عن أن البرادعي هو مرشح الإنترنت والفيس بوك في دولة مازال الكثير من أبنائها لا يجيدون القراءة والكتابة. هذا اعتراف يخرج من قلم رئيس تحرير صحيفة حكومية حاول إصابة البرادعي فأصابت الطلقة النظام الذي يتحدث باسمه، نظام يحكم منذ 30 عاما ومازال كثير من المصريين يجهلون القراءة والكتابة بعد عشر سنوات من القرن الحادي والعشرين. هذا دليل ساحق علي فشل النظام في تعليم أبنائه القراءة والكتابة بينما دول أخري متشابهة معنا في الظروف وأقل منا في الإمكانيات والموارد قضت علي الأمية تماما بل وتخلص بعضها من أمية الكمبيوتر. التعداد السكاني الأخير أظهر أن نسبة الأميين في مصر بلغت 28.6 % عام 2006 أي أن أكثر من ربع المصريين لا يعرفون القراءة والكتابة وأصبحنا لا نسمع شيئا عن مشاريع محو الأمية وتعليم الكبار التي نشطت لفترة في تسعينيات القرن الماضي دون أن تنجح في القضاء علي الأمية. النظام الحالي لا يقدر علي محو الأمية أو أنه لا يرغب في ذلك، لأن القراءة تعني إطلاعاً وانفتاحاً لا يريده نظام غاية أمله الاستمرار السرمدي. هذا سبب كاف وزيادة لإسقاط نظام وتجريب آخر ربما يمتلك الحلول، وحتي إن لم يكن يمتلكها فلا يمكن أن يتسبب في سقوط أكثر مما نحن فيه. ثانياً: رئيس تحرير الجمهورية يقول إن الدكتور البرادعي رجل بلا جذور.. لماذا؟ لأنه لم يزر قريته «أبيار» ولم يفكر في أن يبدأ حملته الانتخابية انطلاقاً منها، ويضيف إبراهيم: «لقد عاش البرادعي طويلا في الخارج وهو يدرك أن كل سياسي سواء في النمسا أو أمريكا أو ألمانيا يفخر بالمكان الذي ولد فيه أو بمسقط رأسه.. فعلها كلينتون وكيندي وبوش وأوباما وشيراك، حتي «هايدر» النازي النمساوي لجأ إلي قريته في بداية حملته الانتخابية.. لابد للسياسي من «جذور» لكن البرادعي لا يملكها». دعني أفاجئك يا أستاذ محمد إن كنت لا تعلم وأخبرك أن الرئيس مبارك لم يقم بزيارة مسقط رأسه «كفر المصيلحة» منذ سبعينيات القرن الماضي عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية، ومن حينها لم يفكر الرئيس في زيارتها مرة أخري لا عندما بدأ حملته للاستفتاء الرئاسي بعد اغتيال الرئيس ولا في أي مرحلة لاحقة، حتي عندما ألقي خطبته في جامعة المنوفية التي أعلن فيها عن تعديل المادة 76، وعندما خطب مجددا في 2005 بمدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم معلنا ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة، لم يفكر في زيارة كفر المصيحلة رغم أنها لا تبعد عن مدرسة المساعي أكثر من سبعة كيلومترات. وهذا الأمر يثير غصة شديدة بين أقارب الرئيس وأبناء عمومته الذين مازالوا يقيمون بالقرية في بيوت فخمة ويرغبون أن ينعموا ولو بلقاء عابر مع ابن عمهم الذي يحكم مصر. الغريب أن جمال مبارك أيضا لم يدفعه الحنين لزيارة قرية والده وأجداده في إطار برنامجه لتسويق نفسه باعتباره البديل الوحيد، فالشاب الأربعيني الذي زار عددا كبيرا من القري المسماة بالأكثر فقراً لتقديم نفسه كنصير للفقراء لم يدفعه الفضول لزيارة كفر المصيلحة والتعرف علي أفراد عائلته الكبيرة.. عائلة مبارك. البرادعي الذي عاد إلي مصر منذ أقل من شهر لم يزر قريته حتي الآن، وربما يضعها الرجل ضمن أولوياته، لكن إبراهيم أراد أن يأخذ خطوة استباقية وينتقد البرادعي لعدم زيارتها، فإن زارها بعد ذلك قال إنه استجاب لكلامه وإن لم يفعل استمر في نقده، لكن يا أستاذ محمد ما تعليقك علي عدم زيارة مبارك قريته منذ 35 عاما وهو الرئيس، وإن فكر فقط في زيارتها ستكون أجهزة الدولة جميعها علي أهبة الاستعداد لتنفيذ أحلامه؟ ثالثا: «لم نر أحداً في مصر يتسول التأييد السياسي عبر المرور علي مساجد آل البيت والأولياء!.. التأييد السياسي لابد أن ينشأ عن اقتناع.. والاقتناع لا يأتي إلا بمشاركة وحوار» مقطع جديد من مقال محمد علي إبراهيم يتناول قيام البرادعي بصلاة الجمعة في الحسين ثم زيارته الكاتدرائية لتهنئة الأقباط بعيد القيامة، وهذه المرة هي الأولي التي أري فيها كاتباً يدعو سياسياً للتوقف عن أداء الفرائض وهجر الصلاة حتي لا يُتهم بتسول التأييد، البرادعي رجل مسلم طبيعي أن يؤدي الصلاة في أي مسجد يختاره، ثم هو شخصية عامة مشهورة من الطبيعي أن يتزاحم الناس لرؤيته ومصافحته بعد الصلاة. ونري جميعاً الرئيس مبارك ونجله وكبار المسئولين يصلون الجمعة والعيد والتراويح دون أن يتهمهم أحد بهذا الاتهام، ثم إن جمال مبارك والوزراء والمحافظين وكذلك الفنانين ولاعبي الكرة يذهبون إلي الكاتدرائية لحضور القداس وتهنئة الشعب القبطي بالعيد «جت ع البرادعي يعني؟» ثم لنفترض أن الرجل يفعل كل هذا بهدف الدعاية لنفسه.. مالعيب في ذلك؟ هو تصرف مقبول ومعقول تماما في بلد يشكل الدين فيه قيمة كبري وأولوية أولي لدي أبنائه، فإذا كان البرادعي يفكر في ترشيح نفسه للرئاسة أو حتي في قيادة سفينة التغيير في البلد فمن حقه أن يطمئن الأقباط أنه ليس شخصاً متطرفاً ولا منغلقاً علي دين واحد، بل ومن حق الأقباط أيضاً أن يطمئنوا علي ذلك. محمد البرادعي حر في تقديم نفسه للناس بالطريقة التي يراها مناسبة، ليس من حق أحد الحجر عليه أو فرض الوصاية علي تحركاته، دعونا ننتظر ونري هل تستجيب الناس معه وتتعاطي مع أفكاره أم تلفظه وتبحث عن بديل. ننتقل إلي الجزء الخاص بالإقناع بالمشاركة والحوار،لأنه «جامد جداً» خاصة عندما يأتي في صحيفة حكومية وعبر كاتب حكومي أكثر من الحكومة، الرجل يقول إن الاقتناع لا يأتي إلا بالمشاركة والحوار، فهل الحزب الوطني ونظامه أو النظام الحاكم وحزبه عرف يوما معني المشاركة والحوار، أمال الآلاف المنسيون في المعتقلات وسجون السياسة دول يبقوا إيه؟ هل تحاورت الحكومة مرة مع معارض أو مخالف؟ هل سمح مجلس الشعب يوما بمشاركة المعارضة في صنع القرار؟ إذا أردت أن تتحدث عن الحوار والمشاركة فابحث عن نظام آخر غير نظامنا الذي ما عرف غير الإقصاء. رابعا: يعتقد محمد علي إبراهيم أن البرادعي مرشح ضعيف للغاية ويقول نصاً: «إنني متأكد من أن البرادعي لو رشح نفسه في قريته التي لم يدخلها منذ 30 عاماً أمام أي مرشح آخر من الأحزاب التي يرفض الاعتراف بها فإنه سيلقي هزيمة منكرة.. فالناس في مسقط رأسه عاتبة عليه، لأنهم بمنطق الفلاحين البسطاء يعرفون أن لهم كبيراً من القوم لم يقدم لهم شيئاً طوال سنوات فلماذا ينتخبونه؟! سينتصر عليه أي مرشح للوفد أو التجمع أو الناصري، ولن أقول الحزب الوطني». بصرف النظر عن أن الكلام «مفقوس» أكثر مما ينبغي، لأن إبراهيم ما كان ليضيع وقته ويستهلك نصف صفحة من صحيفته لمحاربة مرشح ضعيف هزيمته مؤكدة حتي في انتخابات محلية، وبصرف النظر عن أن باراك أوباما لو دخل انتخابات من نوعية الانتخابات التي رأيناها في انتخابات الشوري أو الانتخابات المحلية السابقة لن يحصل علي صوت واحد وسينتصر عليه أشرف عجة اللي متجوز أخت أمين الحزب الوطني في صفط اللبن، دعونا نرصد خطيئة مهنية مهينة وقع فيها رئيس تحرير الجمهورية، ففي الوقت الذي يؤكد فيه قدرة أي مرشح لحزب الوفد أو التجمع أو الناصري علي إلحاق هزيمة منكرة بالدكتور البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، نجد في نصف الصفحة الثالثة السفلي وتحت مقال رئيس التحرير مباشرة تحقيقاً تحت عنوان «المواطنون قالوها صريحة: أحزاب المعارضة ورقية.. وليس لها وجود في الشارع»! ولا تعليق. خامسا: «البرادعي مشروع ديكتاتور» هذا ليس كلامي بل كلام الأستاذ محمد علي إبراهيم الذي عرف الآن لقب ديكتاتور، لكنه أطلقه علي الدكتور البرادعي مستندا إلي التوكيلات الشعبية التي يحررها المواطنون لرئيس جمعية التغيير، ومعتبرا أن الرجل لا يريد أن يناقشه أحد. وإنما جل همه ومبلغ علمه أن لديه «تفويضاً إلهياً» يبيح له أن يتكلم نيابة عن المصريين! والمتابع لمسيرة الدكتور البرادعي وتصريحاته منذ ترشيحه شعبياً للرئاسة يعرف أن له جملة يكررها دوما كلما لجأ إليه الناس وطالبوه بقيادة عملية التغيير وهي «ساعدوني كي أساعدكم» هل هذه الجملة تخرج عن ديكتاتور؟ إن الرجل يعرف ويؤكد دوما أنه ليس قادراً علي فعل أي شيئاً بعيداً عن الغطاء الشعبي، ثم إنه من خلال عمله الدولي الرفيع عرف مزايا الأنظمة الديمقراطية ومصير أنظمة القمع والاستبداد. علي الجانب الآخر الزعماء الشعبيون هم الذين يهرع الناس إليهم بتوكيلات علي بياض لثقتهم في نزاهتهم ونصاعة أيديهم وصدق وسمو أهدافهم، أما الديكتاتور فهو الذي ينتظر توكيلات الأجهزة الأمنية ويترقب تصويتها له في الانتخابات، بينما يكون المواطنون غير قادرين علي الخروج من منازلهم لحين انتهاء زمن التصويت. سادسا: علي إبراهيم قال: إن الدول الأوروبية تدعم البرادعي، لأنها ترحب دوما بالمنشقين وليس المعارضين، وهو هنا أراد أن يصور الرجل كمنشق عن النظام، رغم أنه لم يكن يوما جزءا منه، بل كان موظفاً في الخارجية قبل أن يصبح موظفاً دولياً، والعمل في وظيفة حكومية لا يعني أبدا أنك جزء من النظام الحاكم، بل إن غالبية قيادات أحزاب المعارضة وحتي أقطاب جماعة الإخوان موظفون في مستشفيات ووزارات وشركات الدولة، لكن هذا لا يعني أبداً أنهم جزء من النظام. بالطبع الأستاذ محمد لم يألف علي معارضة صلبة كالتي يراها الآن من البرادعي والمحيطين به، المعارضة التي يريدها الرجل معارضة الأحزاب الكرتونية التي تؤيد مبارك وتدعم التوريث وتبحث عن فتات النظام، فكان البديل رمي الرجل بالانشقاق!