ضبط النائب المستقل كمال أحمد الحكومة وهي تمد يدها علي مبلغ 24مليارًا و300 مليون جنيه من أموال أصحاب المعاشات والأرامل والأيتام.. ونكرر مرة أخري ونقول إن حجم المبلغ ليس عشرة أو عشرين مليون جنيه.. ولكنه أربعة وعشرون ألف مليون جنيه.. ثلاثمائة مليون أخري.. وهذا المبلغ يمثل فائض الحساب الاكتواري لمدخرات المشتركين في نظام التأمينات والمعاشات.. وقد استولت عليها الحكومة النظيفة الشريفة العفيفة من خلال وزير المالية يوسف بطرس غالي، وهي تعلم أنها أموال خاصة بالمصريين المشتركين في هذا النظام فقط دون باقي طوائف وفئات الشعب المصري.. وقامت الحكومة بإضافتها - بشغل «الثلاث ورقات» - إلي باب الإيرادات في الموازنة العامة للدولة في محاولة لسد عجز الإيرادات عن المصروفات والبالغ 74 مليار جنيه.. يعني ببساطة أخذت الحكومة أموالاً خاصة لا يجوز بحكم الدستور الاقتراب منها لتسد بها نفقات عامة للدولة .. وقد أكد المستشار جودت الملط - رئيس الجهاز المركز للمحاسبات صحة ما قاله واكتشفه النائب المحترم كمال أحمد في شأن استيلاء وزارة المالية علي تلك الأموال الخاصة بالمصريين المشتركين في نظام التأمينات والمعاشات دون غيرهم من باقي فئات وطوائف الشعب المصري.. وأكد رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أيضًا أن ما أقدمت عليه الحكومة من خلال وزير المالية يمثل مخالفة واضحة وصريحة للمادة الثامنة من قانون التأمين الاجتماعي.. وقد حاولت الحكومة وممثلو حزبها في مجلس الشعب تبرير موقفها وواقعة مخالفتها القانون والدستور بادعاء وزير المالية أن الحكومة ومنذ عام 1989 تتحمل أي زيادة يتم إقرارها لأصحاب المعاشات .. ولكن تلك التبريرات والادعاءات لم تكن مقبولة قانونيًا، الأمر الذي جعل الدكتور فتحي سرور - رئيس مجلس الشعب - يرفضها.. ويرفض بالتالي عرض الحساب الختامي للموازنة علي المجلس.. والحقيقة أن ما أقدمت عليه الحكومة من خلال وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي كان أمرًا متوقعًا في اللحظة التي قررت فيها الحكومة إلغاء وزارة الشئون الاجتماعية والتأمينات وتفريق دمها بين القبائل ومهامها بين الوزارات ونقل تبعية الأموال الخاصة بالتأمينات والمعاشات إلي وزارة المالية استجابة لما كان يطالب به ويلح عليه الدكتور يوسف بطرس غالي.. استسهلت الحكومة حل مشاكل عجز الموازنة بالتفكير في أموال الغلابة من الموظفين الذين أفنوا سنوات عمرهم في خدمة هذا البلد.. ولم تفكر في فرض ضرائب أو رسوم علي كبار رجال الأعمال الذين منحتهم آلاف الأفدنة من أراضي البناء دون مقابل ليقيموا فوقها فيللات وقصورًا ويتحولوا إلي أصحاب مليارات.. ولم تفكر الحكومة أيضا في الديناصورات والحيتان الذين استولوا بوضع اليد علي مئات الآلاف من الأفدنة علي جانبي طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي وعلي جانبي طريق وادي النطرون - العلمين، ثم راحوا يسعون لتقنين هذا الاستيلاء علي أملاك الدولة مقابل 200 جنيه فقط للفدان وبعد ذلك يحولون تلك الأراضي إلي مزارع صغيرة يباع فيها الفدان بأربعين أوخمسين ألف جنيه.. ووصل السعر إلي مليون جنيه للفدان في الأراضي التي تحولت إلي منتجعات أقيمت فوقها فيللات وقصور وبحيرات وشلالات صناعية تستنزف مياه الآبار والخزان الجوفي في تلك الأراضي، وكل ذلك من أجل أن يسر باشوات مصر الجدد وعائلاتهم برؤية البط والأوز وهو «يبلبط في الميه»!!.. كذلك لم تفكر الحكومة في إغضاب عضد النظام وأركانه من الدبلوماسيين والقضاة والمستشارين وضباط بعض الأجهزة الأمنية المهمة، والذين تبين أن لهم تقسيمات أراض خاصة بهم ومزارع ضخمة في وادي النطرون خلف الرست هاوس وفي الحزام الأخضر حول مدينة أكتوبر وعلي طريق الواحات، وهو ما رفع كثيرا منهم إلي مرتبة أصحاب الملايين وأغري آخرين لحساسية المناصب والرتب، ب «اللعب تحت الترابيزة» مع بعض المستثمرين بإرشادهم للأراضي الشاغرة للاستيلاء عليها بوضع اليد.. والمسألة بعد ذلك «ففتي.. ففتي» من ثمن الأرض!!.. كان واضحًا أن رجال الحكومة ووزير ماليتها يوسف بطرس غالي لا يريدون إغضاب الكبار وأنهم يستسهلون.. ولهذا تربصوا بمدخرات الغلابة في التأمينات والمعاشات التي تزيد علي 620 مليار جنيه للاستناد إليها في سد عجز الموزنة في مواجهة الطلبات المتزايدة للإنفاق الحكومي، خاصة تلك التي تدخل تحت مسميات الفشخرة التي يجب أن تكون عليها مكاتب السادة الوزراء والسيارات التي يركبونها والسكرتيرات والمستشارين الذين يجري التعاقد معهم بعقود خاصة تصل إلي خمسة عشر ألف جنيه شهريًا وربما أكثر من ذلك.. إضافة إلي الإنفاق الكبير الذي تحتاجه بعض الوزارات السيادية للإنفاق علي تشكيلات قوات الأمن المركزي والتقنيات الحديثة التي يحتاجها عمل الإدارات المختصة بمتابعة النشطاء النقابيين والمعارضين السياسيين من تنصت علي التليفونات وأجهزة المحمول واختراق أجهزة الكمبيوتر والتعرف علي ما يتداول عبر البريد الإلكتروني وصفحات ال «فيس بوك».. ومع التسليم بأن مثل هذه السياسات والممارسات الأمنية تحدث في أعرق الدول الديمقراطية في إطار خطط مكافحة الإرهاب والتطرف، إلا أن هذه الدول تعيش في ظل نظم حكم ديمقراطية تعرف تداول السلطة ولا يوجد في دساتيرها ولا أعرافها رئيس جمهورية يبقي في الحكم لثلاثين عاما متوالية.. أو رئيس يقول إنه سيظل رئيسا مادام في الصدر قلب ينبض وأنفاس تتردد.. ولا يوجد في تلك النظم الديمقراطية حزب بغيض قابض علي السلطة والحكم رغم أنف الشعب اسمه الحزب الوطني الديمقراطي قادرعلي أن يفعل أي شيء دون خجل.. بدءا من تزوير الانتخابات إلي مد العمل بقانون الطوارئ لثلاثين عاما علي التوالي وصولا إلي قيام حكومته بمد يدها الطويلة علي أموال فائض الحساب الاكتواري وتوجيه تلك الأموال الخاصة لباب الإيرادات بالموازنة العامة للدولة.. إن هذا التصرف الأخير الذي فعلته الحكومة يخالف نصوص الدستور المصري في المادة «35» التي أصبغت حماية علي الأموال الخاصة والملكية الخاصة ونص المادة 36 التي حظرت مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي.. وما فعلته حكومة الدكتور نظيف أو «حكومة علي بابا» يمثل خطرًا حقيقيًا علي أموال أصحاب المعاشات الأسيرة لدي وزير المالية بطرس غالي ويمثل مبعث قلق لأكثر من 18 مليون مصري مشتركين في نظام التأمينات والمعاشات.