قبل أكثر من 30 عاما حقق الريس بيرة مؤلف أغنية عدوية «السح الدح امبوه» شهرة عريضة، إلا أنه لاحظ أن الإعلام يتحرج من ذكر اسم الشهرة «بيرة» خصوصا فى رمضان، حيث يُجبر القانون محلات المشروبات الروحية على الإغلاق، فاقترح عليه الشاعر مأمون الشناوى تمشيا مع شعائر الشهر الكريم أن يطلق على نفسه مؤقتا اسم الريس «ينسون». أشعر أن تقدم نجومنا بطلب حق اللجوء إلى الشاشة الصغيرة والعمل كمقدمى برامج هو رد فعل لحالة القحط الدرامى، التى انتقلت من السينما إلى التليفزيون، حيث يشهد الموسم هذا العام تراجعا فى عدد الأفلام والمسلسلات المنتجة، بينما هناك انتعاشة برامجية، فلا بأس من أن نرى نجومنا جميعا وقد تحولوا مؤقتا إلى عبوات ينسون.
هل اكتشفوا فجأة أنهم مهيؤون لكى يصبحوا مذيعين وأن هذه هى رغبتهم الأولى، ولكن مكتب التنسيق بسبب ضعف المجموع أحالهم إلى قسم التمثيل، والآن بعد أن أعادوا السنة وحسنوا درجاتهم فى الشفهى والتحريرى قرروا تحقيق رغبتهم الأولى؟!
بالطبع حالة التهافت على تقديم البرامج، التى لا تستطيع أن تفصلها عن مشاركة المطربين فى البرامج الغنائية فى لجان التحكيم هى أيضا وجه آخر لتلك الحالة من تراجع الحفلات الغنائية، وتوقف أغلب الشركات عن إنتاج الكاسيت، فتحولوا إلى قضاة فى تلك البرامج التى تتطلب أيضا أن يرتدى كل منهم فى مواقف عديدة زى مقدمى البرامج.
الظاهرة قديمة ولكنها كانت فى الماضى مجالا إضافيا للعمل، الآن أصبحت هى النشاط الأساسى. شاهدنا فى الأسابيع الأخيرة هانى رمزى وهالة صدقى ومحمد هنيدى وسمية الخشاب وآثار الحكيم، وقبل ذلك أحمد آدم ومدحت صالح وشريف منير ونور الشريف وغادة عادل وهنا شيحة ورامز جلال ومصطفى فهمى وأحمد السقا وغادة عبد الرازق وهالة فاخر وهند صبرى والمخرجة ساندرا نشأت وغيرهم.
عندما تسألهم تستمع إلى إجابات متعددة ما عدا واحدة فقط، وهى الحقيقية لن يقولوا أبدا إنه الإغراء المادى.. تدفع الفضائيات كثيرا لهؤلاء النجوم لإقناعهم بالعمل كمذيعين.. السبب الثانى غير المعلن أيضا هو أن فشل الفنان فى العمل كمذيع لن يؤثر بالسلب على موقعه الفنى.. فهو لا يلعب بطولة عمل درامى ولكنه مجرد مذيع.. التأثير السلبى الوحيد هو أنهم لن يستعينوا بهم مرة أخرى ولو فعلوها ثانية فسوف يهبط سعرهم فى دنيا المذيعين!!
الظاهرة موغلة فى القدم، حيث إنه فى بداية عهد التليفزيون المصرى، أى أننا نتحدث عن أكثر من 50 عاما، فعلها كمال الشناوى، ثم خفت وجود النجوم حتى جاءت الثمانينيات لنرى أسماء مثل حسن مصطفى والمنتصر بالله، ثم حدث توقف وبعد ذلك شاهدنا حسين فهمى، وفاروق الفيشاوى، وأشرف عبد الباقى، ونيللى، وعزت أبو عوف، ورجاء الجداوى وغيرهم.. بريق النجم لا يكفى لكى ينجح كمذيع، لأن هذا الوهج يسقط فى لحظات ويتبقى فقط قدرته أو عدم قدرته على أداء واجباته كمذيع.. عندما بدأ زميلنا محمود سعد الاتجاه إلى التليفزيون سأل كلا من عادل إمام ويحيى الفخرانى.. عادل كان يرى أن محمود لا يصلح، بينما الفخرانى أكد له أنه سيحقق نجاحا ملفتا فى هذا المجال.. قال لى الفخرانى إنه اكتشف من خلال حواراته الصحفية والشخصية مع محمود أنه ينصت أكثر بكثير مما يتكلم، وأنه لديه أسلوب يدفع إلى تحفيز الفنان على البوح.. المذيع الناجح وصفة أخرى، تركيبة لا تستطيع أن تقول مثلا إنها الشهرة ولا هو الذكاء ولا الحضور.. الشهرة قد تمنحها الشاشة الصغيرة للمذيع ليصبح نجما، وليس مطلوبا منه أن يمنح هو نجومية لمقعد المذيع، وينبغى فى كل الأحوال أن لا يطغى حضوره على ضيوفه.. إنه سر خاص.. لن ينجح من النجوم فى نهاية الأمر سوى عدد قليل جدا. وهؤلاء لن يحققوا النجاح، لأنهم نجوم فى التمثيل، ولكن لأن بداخلهم مذيعا تليفزيونيا كامنا. ورغم ذلك فأنا لا أعتقد أن أيا منهم من الممكن أن يحقق نجاحا يقترب مثلا مما استطاع أن يصل إليه فى أسابيع قليلة من ظهوره على الشاشة الصغيرة باسم يوسف.
نجوم التمثيل والغناء يعيشون حاليا فى مرحلة زمنية حرجة أراها مثل «الريس بيرة» ولا يملكون الآن سوى أن يطالبوا بحق اللجوء المؤقت لحزب الينسون!!