يُعدّ فانوس رمضان أحد الموروثات الشعبية الأصيلة في مصر، وهو يُمثل أحد الفنون الفلكلورية التي ترتبط بشهر رمضان، وتُعتبر مصدر اهتمام للكثيرين. ظل الفانوس على مر الزمن أحد أهم مظاهر شهر رمضان وجزءا لا يتجزأ من الاحتفال به، وللأطفال تحديدا حيث يقوم الأطفال بحمل الفوانيس في شهر رمضان ويخرجون إلى الشوارع وهم يغنون ويؤرجحون فوانيسهم، مُرددين: "حالوا يا حالوا.. رمضان كريم يا حالوا"، ويستخدمه البعض كتحفة فنية لتزيين المنازل والشوارع، كما استخدم قديما في الإضاءة ليلا للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب. والفانوس كلمة إغريقية تشير إلى أحد أساليب الإضاءة، وفي بعض اللغات السامية يُعرف الفانوس فيها باسم "فناس"، وهي تعني في القاموس المحيط "النمام" لأنه يُظهر حامله في الظلام. وهناك عديد من القصص عن أصل الفانوس، من ضمنها أن الخليفة الفاطمي كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئون له الطريق، وكان كل طفل يحمل فانوسه ويقوم الأطفال معا بغناء بعض الأغاني الجميلة تعبيرا عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان. وهناك قصة أخرى تحكي أنه كان هناك أحد الخلفاء الفاطميين أراد أن يضيء شوارع القاهرة طوال ليالي شهر رمضان، فأمر كل شيوخ المساجد بتعليق فوانيس تتم إضاءتها عن طريق شموع توضع بداخلها، وهو شكل الفانوس القديم الذي يوجد حتى الآن. وقيل عنه أيضا أنه خلال العصر الفاطمي، لم يكن يُسمح للنساء بترك بيوتهن إلا خلال شهر رمضان، وكان يسبقهن غلام يحمل فانوسا لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكي يبتعدوا، وبهذا الشكل كان النساء يستمتعن بالخروج وفي نفس الوقت ولا يراهن الرجال، وبعد أن أصبح للسيدات حرية الخروج في أي وقت، ظل الناس متمسكين بتقليد الفانوس حيث يحمل الأطفال الفوانيس ويمشون في الشوارع ويغنون. وانتقلت عادة اقتناء الفوانيس من جيل إلى جيل، وقبل بداية شهر رمضان من كل عام يتطلع كل طفل لشراء فانوس جديد، كما أن كثيرا من الناس أصبحوا يعلقون فوانيس كبيرة ملونة في الشوارع وأمام البيوت والشقق وفي الشرفات. كان المصريون أول من عرف فانوس رمضان، وذلك يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة وكان ذلك في يوم الخامس من رمضان عام 358 هجريا، حينها خرج المصريون في موكب كبير جدا اشترك فيه الرجال والنساء والأطفال على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة؛ للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا.. وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة وذلك لتضيء الطريق له، وهكذا بقيت الفوانيس تضيء الشوارع حتى آخر شهر رمضان.. ومنذ ذلك الحين أصبح تعليق الفوانيس في رمضان عادة لدى المصريين، وأصبح الفانوس رمزا للفرحة وتقليدا محببا في شهر رمضان، وبعد ذلك انتقلت ثقافة اقتناء الفوانيس إلى الدول العربية والعالم كله. وتعتبر مدينة القاهرة من أهم المدن التي تزدهر فيها صناعة الفوانيس، وبالأخص في مناطق معينة فيها مثل: حي الجمالية والأزهر والغورية، التي تعتبر من أهم المناطق المتخصصة في هذه الصناعة. ويتفنن صنّاع الفوانيس في ابتكار أشكال ونماذج جديدة ومختلفة من الفوانيس كل عام، ويقومون بتخزينها إلى أن يأتي موسم بيعها قبل رمضان، وبذلك فإن صناعة الفوانيس ليست صناعة موسمية، وإنما تكون مستمرة طوال العام. وقد شهدت هذه الصناعة تطورا كبيرا في الآونة الأخيرة، فبعد أن كان الفانوس عبارة عن علبة من الصفيح توضع بداخلها شمعة، تم تركيب الزجاج مع الصفيح مع عمل بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر مشتعلة، ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال، وكان ذلك يتم يدويا وتستخدم فيه المخلفات الزجاجية والمعدنية، وكان الأمر يستغرق وقتا طويلا ويحتاج إلى مهارات خاصة. وتطورت صناعة الفانوس على مر العصور حتى ظهر الفانوس الكهربائي الذي يعتمد في إضاءته على البطاريات واللمبات بدلا من الشمع، ولم يقف التطور عند هذا الحد بل غزت الفوانيس الصينية مصر؛ وهو الذي يضيء ويتكلم ويتحرك بل تحول الأمر إلى ظهور أشكال أخرى غير الفانوس وتباع في رمضان تحت اسم "الفانوس"، فقد تغير شكل الفانوس وقليلا ما ترى طفلا يمسك بالفانوس الزجاجي الملون ذي الشمعة. هل ما زلت عزيزي القارئ حريص على شراء فانوس في رمضان؟