تُعدّ لوحة الموناليزا من أكثر اللوحات التي أثير حولها جدل واسع؛ نظرا لما تحتويه من ألغاز وأسرار، ويعتبرها النقاد والفنانون واحدة من أفضل الأعمال على مرّ تاريخ الفن التشكيلي، وقد ترددت حولها العديد من الروايات التي قد يكون مُبالغا فيها في بعض الأحيان، وتتسم بالغموض في أغلبها، إلا أن القصة الحقيقية لوجودها لا يعرفها أحد حتى الآن. قام الفنان ليوناردو دافينشي برسم هذه اللوحة في الفترة ما بين عامي 1503-1507 بمقاس كبير يصل إلى 53×77 سم على لوح خشبي من شجر الحور، وهو نوع من فصيلة الصفصاف الذي يوجد كثيرا في بلدان شمال وشرق البحر المتوسط، وتعتبر الموناليزا من أشهر أعمال دافينشي ولكن ليس أكثرها أهمية. يُعدّ الفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي (1452 - 1519) من أشهر فناني عصر النهضة، وقد عُرِف كرسّام ونحّات ومعماري، وكان لفنه وأعماله أكبر الأثر على مدارس الفن بإيطاليا في ذلك العصر، وامتدّ بعد وفاته لأكثر من قرن. وحينما رسم دافينشي اللوحة في البداية كانت أكبر مما هي عليه الآن، فقد كانت شخصية الموناليزا مُحاطة بعمودين من الجهة اليمنى واليسرى، وقد تم اقتطاعهما من اللوحة لأسباب غير معروفة، ولم يتم التحقق من أن الموناليزا عند رسمها كانت تجلس في شرفة المنزل أم لا. وهناك الكثير من التفاصيل في هذه اللوحة قد اختفت بسبب التلف الذي لحق بها بمرور الزمن، وهناك جزء من شخصية الموناليزا قد أعيد رسمه تماما، غير أن الخصائص الأساسية لهذه اللوحة الشهيرة لم تزل موجودة، وهي تتجلى في تلك الخلفية الضبابية، وشخصية الموناليزا ذاتها. يعتبر أهم ما يميز لوحة الموناليزا لعين الرائي، هو نظرة عينيها وابتسامتها الغامضة التي قيل عنها إن دافينشي كان يستأجر مهرجا لكي يجعل الموناليزا تحافظ على ابتسامتها طوال الفترة التي كان يرسمها فيها، وهي مرسومة بطريقة طبيعية جدا، وضحكتها بالأخص التي يطلق عليها النقاد "الضحكة المنوِّمة". وقد اختلف النقاد والمحللون في تفسير سر تلك الابتسامة، وتباينت الآراء حول ذلك بدرجات مختلفة، فقد قال البعض إنها ابتسامة أم دافينشي، وقال آخرون إنها تدل أن دافينشي لديه عقدة جنسية مكبوتة. وتحكي قصة رسم اللوحة والتي تُعدّ من أشهر القصص التي قيلت عنها أنه كان هناك تاجر في مدينة فلورنسا بإيطاليا، يُدعى "فرانسيسكو دي بارتولوميو دي زانوبي ديل جيوكوندو"، طلب من دافينشي أن يرسم لوحة شخصية لزوجته الثالثة التي كانت تُدعى "مادونا ليزا دي أنطونيو ماريا دي نولدو جيرارديني". وقرر دافينشي وقتها أن يبدأ في رسم هذه اللوحة، حيث استغرق في رسمها قرابة 4 أعوام، ولكنه احتفظ بها لنفسه، ولم يبع اللوحة لطالبها، وفسر البعض ذلك بأن الفنان لم يسلم اللوحة؛ لأنها لم تكن منتهية، والبعض الآخر اعتقد أن الفنان أحب هذه اللوحة كثيرا وفضّل الاحتفاظ بها. استخدم دافينشي تقنية جديدة في هذه اللوحة وهي تقنية الرسم المموه، حيث لا يوجد خطوط محددة للملامح، ولكن الألوان تتداخل بصورة ضبابية لتشكل اللوحة، وهي نفس التقنية التي استخدمها لكي يعطي انطباع العمق في الخلفية، حيث يتناقص وضوح الصورة في الخلفية كلما ابتعدت التفاصيل، وهذه التقنية لم تكن معروفة في ذلك الوقت وهي تعطي شعورا بواقعية المشهد وتظهرها في صورة لا مثيل لها. كما اتبع دافينشي أسلوب الشكل الهرمي الذي يعطي إيحاءً بتجسيم اللوحة حيث تقع اليدان على قاعدتي الهرم المتجاورتين، بينما تشكل جوانب الأكتاف مع الرأس جانبين متقابلين للهرم، وقد أحدث هذا الأسلوب ضجة كبيرة في ذلك الوقت؛ لأنه يدفع المُشاهد ويجبره على التوجه بنظره إلى أعلى الهرم وهو الرأس، ومنذ ذلك الوقت قام كبار الرسامين الإيطاليين المعاصرين لدافينشي بتقليد هذا الأسلوب حتى الآن. وفي عام 1516 سافر دافينشي إلى فرنسا، وكانت هذه اللوحة بين متعلقاته التي أخذها معه، وحينما وصل فرنسا قام ببيعها إلى الملك فرنسيس الأول الذي اشتراها لقصره في منطقة أمبواز ثم انتقلت بعد ذلك إلى منطقة فونتينبلو ثم إلى باريس. وبعد ذلك وصلت اللوحة إلى قصر فرساي ووُضِعت بين مجموعة الملك لويس الرابع عشر بعد الثورة الفرنسية، ثم تم نقلها إلى متحف "اللوفر" إلا أن نابليون بونابارت استعادها وطلب تعليقها في غرفة نومه، وعندما حوكم نابليون تم إعادة اللوحة إلى المتحف في باريس. وقد تعرضت الموناليزا للسرقة عدة مرات، ففي عام 1911 قام شاب فرنسي يُدعى بيروجي كان يقوم بترميم بعض إطارات الصور بمتحف "اللوفر" بسرقة الموناليزا واستطاع أن يخفيها لديه، وبعد عامين قام ببيعها لفنان إيطالي هو ألفريدو جيري الذي ما أن رآها وتأكد أنها موناليزا دافينشي الأصلية حتى أبلغ السلطات الإيطالية التي قبضت على اللص وأودعت اللوحة في متحف بوفير جاليري، وبعدها تم انتقالها بين عدة معارض، وأخيرا تمت إعادتها إلى باريس. وفي عام 1956 جرت محاولة لإتلاف اللوحة من قبل شخص وصِف بالهوس، وقد استطاع أن يُتلف النصف الأسفل من اللوحة، إلا أنها أجريت لها مجموعة من عمليات الترميم التي استغرقت بضع سنوات وتمت إعادتها إلى طبيعتها. وبين عامي 1960-1970 تم عرض لوحة الموناليزا في نيويورك وطوكيو وموسكو، وهي موجودة حاليا في متحف "اللوفر" خلف حاجز زجاجي مضاد للرصاص، وقد اُّتخذ قرار بمنعها من السفر لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها الخوف من التلف أو الفقدان لأي ظرف كان، وألا تُباع لأن ثمنها يُقدّر بمليار دولار. وكان من أغرب الدراسات التي أجريت حول لوحة الموناليزا، والتي قام بها مجموعة من علماء التشريح وتوصلوا فيها إلى أن شخصية الموناليزا كانت تُعاني من شُبهة شلل في يديها نظرا لوضع الجسم والذراع وحالة الاتكاء التي ظهرت بها في اللوحة. ظلت الموناليزا سرا غامضا ومُحيرا للكثيرين، وما زالت مُلهمة ومُحيرة للعديد من الفنانين والنقاد.. وأنت عزيزي القارئ هل اهتممت يوما بمعرفة سر "الموناليزا"؟
يمكنك الاطلاع على: "الطفل الباكي".. اللوحة التي أحرقت العالم! "العشاء الأخير".. لوحة تحوي سر نهاية العالم! لوحة الموناليزا * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: