بغض النظر عن تأييدنا أو رفضنا لعيد الحب العالمي أو ال"فالانتاين"، ودون التطرّق للفتاوى الدينية التي تؤكد أنه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، أو الآراء التي تجيزه باعتبار أن الحب ليس محرماً، إلا أن مفهوم الحب نفسه وغزوه لمختلف تفاصيل حياتنا في هذه الأيام مصحوباً بالقلوب، والدباديب، والورود وغيرها من الهدايا الحمراء؛ يُعيد على عقولنا وقلوبنا أسئلة طالما سألناها مع كل موسم سينمائي ولم نجد إجابة لها.. لماذا اختفت الأفلام الرومانسية ولم تعد موجودة على خريطة الإنتاج السينمائي؟!! ولماذا انتشرت أفلام الأكشن والمغامرات، وسينما الواقع المليئة بالدماء والجريمة والمعاناة؟!! ومَن مِن الفنانين الذين يَصلحون لأداء أدوار رومانسية "تِعلّم" في وجدان الجماهير مثلما "علّمت" أدوار: عمر الشريف وفاتن حمامة ونور الشريف وبوسي؟ وهل إذا ما ظهرت على الساحة أفلام رومانسية على غرار "الوسادة الخالية" و"نهر الحب" و"حبيبي دائماً" هل ستحظى بنفس النجاح الذي حظت به تلك الأفلام قديماً.. أم سيضحك الجمهور عليها باعتبار أن الرومانسية والحب صارا مجرد نكتة؟! "لو قدّمنا أفلاماً رومانسية زي اللي قدّمناها زمان الشباب هيضحك".. هكذا أخبرني الفنان الكبير "نور الشريف" في حوار صحفي أجريته معه منذ سنوات، وتطرّق الحديث لفيلمه الخالد "حبيبي دائماً" وتأثيره الرهيب في الجماهير وقتها، بشكل جعل الملايين يعتبرونه هو والفنانة "بوسي" رمزين من رموز الرومانسية، بينما صار الشباب في هذه الأيام -على حد قوله- لا يتذوّقون نفس حلاوة وجمال الحب الذي تذوّقه أهاليهم وأجدادهم، عندما كان الحبيب يحوم حول منزل حبيبته بالساعات؛ ليحصل على نظرة عابرة عندما تخرج من شرفتها، وربما ظل أياماً طويلة يحوم بلا جدوى مما يزيد من قدرها عنده، ومن اشتياقه إليها، بخلاف حيل و"تفانين" العشّاق في توصيل مشاعرهم الملتهبة وأحاسيسهم الدافئة في جوابات غرامية مكتوبة بخط اليد، ويتم الاستعانة بصبي المكوجي ليضعها في ملابس المكواة؛ حتى تقرأها الحبيبة بعد أن تسحب الجواب إياه وهي تقوم ب"رص الهدوم"، ومكالمات بعد منتصف الليل في التليفون "أبو قرص" بعد تأمين المنزل، والتأكد من نوم الأب والأم والأخ الأكبر، والحديث الهامس بصوت خافت حتى لا يسمعه أحد بشكل يزيد من دفء الصوت والمشاعر، بينما صار حب هذه الأيام بنكهة "التيك اواي" الخالية من دسامة ومذاق زمان، إذ صارت "SMS" بربع جنيه كافية لنقل المشاعر في أي وقت وعلى مرأى ومسمع من الأهل، بخلاف الماسنجر والإيميل اللذين يحافظان على الخصوصية ويكفلان للعشاق أن يتبادلوا الخطابات الغرامية أمام أعين الجميع دون أي خوف أو قلق، بعد أن صار للحب خصوصية تحميه، فضلاً عن الكافيهات التي تجمع عشرات العشاق في تجمعاتهم الخاصة بهم، بعد أن اختفت "جنينة الحيوانات" و"الأسماك" من خارطة الحب.
كلام الأستاذ "نور الشريف" يتطابق مع أقوال العديد من النقاد الذين أكدوا أن روح العصر وتفاصيل الحياة الغالبة، أثّرت بالفعل على أذواق الجمهور الذي صار مرتبطاً بهموم ومشكلات الواقع، بشكل يجعل الرومانسية والحب بعيداً عن دائرة اهتمامات المشاهدين، إذ إن السينما صارت مرتبطة بمدرسة إظهار الواقع والانغماس فيه بكل مرارته وقسوته، أو الفرار الخيالي منه إلى الضحك والتسلية، دون التطرّق للحب باعتباره أصبح مجرد تفصيلة صغيرة و"أوبشن" من كماليات الحياة التي تَعوّد الكثيرون على الاستغناء عنه -للأسف.
البعض يرى أن إقبال الجمهور على الأفلام الكوميدية والأكشن بخلاف سينما الواقع التي ترصد سليبات العصر في مختلف مجالات الحياة، هو الذي شجّع المنتجين على التمادي في إنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام؛ إذ إن السينما -من الناحية التجارية- تستند على نجاح أحد الأعمال في إطار معين، فيسعى الآخرون لتقليده وتكراره بشكل عشوائي من منطلق السير على نفس النمط والمراهنة على نفس الجواد الرابح؛ للوصول لنفس النتائج والمكاسب، وهي نفسها الظاهرة التجارية البحتة المنتشرة في باقي مجالات الحياة؛ مثل أن ينجح مكتب موبايلات فترى باقي محلات "الحتة" تقوم بتغيير نشاطها إلى مكتب موبايلات، أو ينجح محل "بلاي ستيشن" فتتحوّل كل المشاريع إلى محلات "بلاي ستيشن"، وبالتالي فالمسئولية تقع على الطرفين؛ الجمهور، وأصحاب ال"بلاي ستيشن" -عفواً- منتجي السينما.
بينما يؤكد البعض الآخر أن الأزمة تقع على كافة صنّاع السينما، وليس على المنتجين فقط، بل إن الأمر يبدأ من السينارست الذي يُسخّر خياله وتفكيره في صنع حَبكَة بوليسية أو لغز أو مغامرة أو حتى إفيه كوميدي، دون أدنى اهتمام في صنع قصة حب قوية تؤثر في الوجدان وتهز القلوب وتبكي العيون، مروراً بالمخرج الذي يتحمّس ويُبدع في أفلام الأكشن والواقع والكوميديا، بينما لا يجتهد مع أي نص أو ورق رومانسي يأتي إليه، وصولاً إلى الفنانين أنفسهم الذين صاروا بعيداً عن مواصفات العشّاق، فلم يعد هناك بطل ببريق وسحر عمر الشريف أو أحمد رمزي أو شكري سرحان، ولم تعد هناك بطلة بخفة ظل وتلقائية السندريلا أو شادية أو فاتن حمامة وغيرهن من أبطال الخمسينيات والستينيات، ولا حتى بطلات بجمال وأنوثة نجمات الثمانينيات مثل بوسي وميرفت أمين ونجلاء فتحي، وبالتالي صار الجمهور لا يقتنع برومانسية أبطال هذه الأيام!
فما هو آخر فيلم رومانسي شاهدتموه في السينما؟ وما تأثيره عليكم؟ وهل بالفعل الحب أصبح "أوبشن" غير ضروري في الحياة؟ وإلى أي مدرسة سينمائية تنتمون؟!! مدرسة الانغماس في الواقع؟ أم الفرار منه إلى الضحك والترفيه؟ أم إن لكم مدرسة رومانسية مختلفة تطالبون بظهورها في السينما المصرية؟ وهل حقاً إذا ما ظهرت أفلام رومانسية مثل أفلام الماضي ستضحكون وتسخرون منها ولا تشاهدنوها؟