السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا لا أعرف من أين أبدأ ولا أستطيع تحديد مشكلتي، كل اللي هاقدر أقوله إني حاسة باكتئاب شديد ودائما عصبية ولا أستطيع تكملة أي عمل أقوم به لمستوى جيد، وبالتالي ليس على أكمل وجه، لأن الرد الطبيعي الذي دائما أسمعه إنك مش مطلوب منك عمل العمل على أكمل وجه، لكن المطلوب إنك تحاولي تتقني العمل والباقي على الله سبحانه وتعالى. حتى علاقتي بربي فاشلة؛ أصلي ولا أحس بالصلاة أقوم بها لأنها واجب عليّ وفرض ولأني أخاف من عقاب الله وليس لأني أحب الله أو أني سوف أقابل الله سبحانه وتعالى. لا أريد الرد اللي دائما أسمعه، إنك ترسلي رسالات سلبية لنفسك وهذا خطأ ولا بد ترسلي لنفسك رسالات إيجابية (أنا أستطيع- أنا قادرة على.. إلخ) كل هذا جرّبته، ولا أريد أن أسمع عبارة "حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب"، وعبارات أخرى مثل "الفاشل لا تنضب أعذاره وأن الناجح لا تنضب أفكاره"، فأنا حافظة كل هذا وجربت كل هذا بصدق مرة واثنين وثلاثة ووصلت إلى مرحلة أني حقيقي كرهت نفسي. السؤال.. كيف أحب نفسي وأفهمها وأحدد ماذا تريد؟ وكيف تنجح وكيف.. وكيف.. وكيف؟ أنا حقيقي تعبت، ولا الأحسن إني أنتظر موعد الموت وخلاص!
R.h
في البداية أقول لك رفقا بنفسك يا عزيزتي ولا تقسي عليها, فكل تغيير في سلوك البشر يأتي بالتدريج ويتحسن السلوك وينضج مع الممارسة، بينما التغيير السريع الذي نتطلع إليه كثيرا ما يعود بالمرء إلى المربع الأول مرة أخرى، مما يشعره بالإحباط واليأس وضعف الثقة بالنفس، ولذلك كان من الأفضل أن نتغير تغيرا طبيعيا ولا نقفز من النقيض إلى النقيض مرة واحدة لأن القفزات الواسعة كثيرا ما تؤدي إلى اختلال التوازن. أشعر من رسالتك أنك ترفضين التغيير من أساسه، فلو أن لديك الاستعداد للتغيير لاستوعبت جيدا معنى كلمة "أنا قادرة" ووضعتها موضع التنفيذ وتغيرت للأفضل، فالقول وحده لا يكفي ولكن ينبغي أن يدعمه العمل. فلو وضعت في اعتبارك مقولة "أنا قادرة على مساعدة الآخرين" وبدأت في تنفيذ ذلك على أرض الواقع بمساعدة والدتك أو إخوتك أو أصدقائك أو جيرانك أو غيرهم، هنا ستشعرين بقدراتك الحقيقية وترينها بعينيك تتحرك في أرض الواقع، ونجاحك في المساعدة يدفع الآخرين إلى شكرك والثناء عليك مما يشعرك بالإنجاز والتميز، فتتذوقين خبرات سارّة تدفعك إلى مزيد من النجاح. لكن أن أقعد بمفردي وأردد "أنا قادرة.. أنا قادرة" دون عمل شيء واقعي يؤكد هذه القدرة، فهذا من قبيل الحفظ الصم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. إن المحك الرئيسي للتعلم وتغيير السلوك هو التطبيق الواقعي والعملي على أشياء محسوسة يراها المرء ويشعر بها هو ومن حوله، فإذا اهتزت الرؤية في عينيه ثبّته الآخرون ودعموه، ما يؤكد المعلومات في ذهنه ويقتنع بها ويطبقها في مواقف أخرى، مثل "أنا قادرة على قراءة القرآن" ثم أحضر المصحف وأقرأ، "أنا قادرة على الرسم" وأحضر الورق والألوان وأرسم "أنا قادرة على ترتيب حجرتي", وأقوم وأجعلها في أحسن صورة.. إلخ. ابحثي عن قدراتك -مهما تراءى لك أنها بسيطة- وضعيها موضع التنفيذ، ونجاحك في الأشياء الصغيرة سيدعم ثقتك بنفسك ويدفعك لنجاحات أخرى أعلى وأكبر, ولتعلمي جيدا أنه لا يوجد مطلقا إنسان بلا قدرات، ولكن هناك إنسانا غير مستبصر بقدراته. أما عن الصلاة وعلاقتك بربك التي تعتقدين أنها ليست على ما يرام فهذا يرجع إلى نظرتك المثالية غير الواقعية لهذه العلاقة، فأنتِ ترينها بشكل لا يتفق مع الطبيعة البشرية التي خلقنا الله عليها، وهي أننا نسرح في أشياء أخرى أثناء تأدية الصلاة وأنت ترين أن هذا السرحان معناه فشل العلاقة مع الله جل وعلا. بلى، إن مجرد شعورك أن عليك واجب الصلاة وشروعك في تنفيذها واعترافك أن الله هو ربك، هذا في حد ذاته يكوّن علاقة ناجحة ومقبولة من الله عز وجل، ليس المطلوب منك الخشوع الكامل والتام من بداية الصلاة حتى نهايتها، ولكن المطلوب هو المحاولة الدائمة للوصول إلى هذا الخشوع، وإن لم أصل فلا حرج عليّ، فالله سبحانه رحيم بعباده وخبير بهم وسيكافئك ويتقبل منك تلك المحاولة. لذلك جعل الله الصلاة على مدار اليوم في ركعات متعددة نكرر فيها آيات معينة، فإن شرد الذهن في ركعة يركز في الركعة التي بعدها، وإن شرد في بداية الصلاة يركز في وسطها أو نهايتها. ولكي تركزي في الصلاة عليكِ بذكر الله دائما والاستماع إلى القرآن وقراءته بصوت مسموع، لأن تشغيل أكثر من حاسة يثبّت المعاني في العقل والوجدان فتتمثليها أثناء الصلاة. وأذكرك أن علاقة الإنسان بالله لا تقتصر فقط على الصلاة، فهناك أشياء أخرى كثيرة نفعلها مع البشر والمقصود منها "وجه الله" مثل الإحسان إلى الجار، طاعة الوالدين وغيرها من الأوامر والنواهي التي تعود بنا مرة أخرى إلى أرض الواقع، فهذه الأوامر والنواهي ما هي إلا "كتالوج" للتحرك الصحيح في الواقع العملي الذي نحياه ومن خالفها يخسر الدنيا والآخرة.. وفقك الله ورعاك.