هناك شيء غامض بخصوص الكون الذي نعيش فيه. نحن نعيش في كون شاسع جداً بدرجة لا يمكن تخيّلها، لكن المادة المعروفة التي توجد في الكون لا تشكّل سوى جزء صغير جداً منه. إن حوالي 96% من كتلة المجرات غير مرئي بالنسبة لنا، كل هذه الكتلة غير المعروفة حيّرت العلماء طويلاً، فأسموها المادة المظلمة! والمادة المظلمة هي شكل نظري للمادة لم يتم إثباته عملياً، ولا يمكن الاستدلال عليها عن طريق التعرّف على الإشعاع الذي ينطلق منها، لكننا نستدل على وجودها من تأثير الجاذبية الذي تؤثر به على المادة المرئية المعروفة. وبالرغم من أننا لا نعرف ما هي هذه المادة المظلمة بالضبط، إلا أن العلماء يعتقدون أنها تمثل معظم الكون المعروف! بدأ التفكير في وجود مادة أخرى في الكون لا نعرفها عندما اكتشف الفلكيون أن النجوم في المجرات تدور حول مركز المجرة بسرعة أكبر مما هو مفترض، وحيث إن هذه السرعة تعتمد في الأساس على الجاذبية، والجاذبية تنتج عن الكتلة، فقد استنتج العلماء أن الكون يحتوي على كتلة أكبر بكثير من تلك التي نعرفها، وهذه المادة لا تظهر لنا بطرق الرصد الفيزيائية المعروفة، ومن هنا بدأ التفكير في المادة المظلمة. ظهرت فرضية المادة المظلمة للمرة الأولى على يد الفلكي السويسري فريتز زيكي (1898 - 1974) عام 1934 في محاولة منه لحل مشكلة الكتلة المفقودة في الكون، ولهذا يلقب فريتز بأبي المادة المظلمة. يُعتقد أن المادة المظلمة تلعب دورا كبيرا في عملية تخليق المادة وتطوّر المجرات في الكون، كما أن لها تأثيرا ملموسا على ما يسمى بالإشعاعات الميكروويفية الخلفية الكونية Cosmic microwave background radiation، وهي إشعاعات كهرومغناطيسية توجد في كل مكان في الفضاء ولا يمكن تميز مصدر معين ملموس لها، والغريب أنها توجد في كل مكان في الكون بنفس الشدة والتوزيع. فالكون يحتوي على مادة أكثر بكثير من تلك التي تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسي، هذه المادة صحيح أنها مظلمة، لكنها أيضا شفافة تماما. الغالبية العظمى من المادة المظلمة -كما يعتقد- هي جسيمات غير بايرونية، أي أنها مادة لا تحتوي على ذرات كما أنها لا تتداخل مع المادة العادية عن طريق القوى الكهرومغناطيسية، والجزء المتبقي يرجح أنه يتكون من جسيمات النيوترينو، إضافة إلى جسيمات أخرى مفترضة -لكن لم يثبت وجودها عمليا- مثل الأكسيونات "axions" والجزيئات فائقة التماثل "supersymmetric particles". هذا الجزء غير البايروني من المادة المظلمة لم يساهم في صنع العناصر في الكون عند حدوث الانفجار العظيم، ويستدل على وجوده فقط بالقوة الجذبوية. من ناحية أخرى فالجزيئات فائقة التماثل المفترضة يعتقد أنها تتفاعل مع بعضها بعضا لتنتج جزيئات النيوترينو وفوتونات الضوء التي يمكن رصدها. ويعتقد العلماء أن المادة المظلمة غير البايرونية تتكون من ثلاثة أنواع: مادة مظلمة ساخنة، ومادة مظلمة دافئة، ومادة مظلمة باردة. ويمكن أيضا أن يكون هناك مزيج من هذه الأنواع الثلاثة. النوع الذي يعتقد أنه سائد أكثر هو المادة السوداء الباردة، والتي يعتقد أنها تتكون من جزيء مفترض آخر هو النيوترالينو، أما المادة المظلمة الساخنة فيعتقد أنها تتكون من كتل من جسيمات النيوترينو. وبالرغم من أهمية مفهوم المادة المظلمة في علوم الفلك، إلا أن عملية إثبات وجودها الفعلي تبدو صعبة وبعيدة عن المنال. وبالرغم من عدم وجود دليل مباشر على صحة النظرية إلا أنها تحظى بقبول واسع جدا بين علماء الفلك. وتقوم الأكاديمية الصينية للعلوم حاليا بتطوير قمر صناعي خاص وصاحب حجم ضخم مخصّص لمحاولة اكتشاف حقيقة المادة المظلمة، وترى الصين أنها تستطيع بهذا الإنجاز أن تشكل اختراقة في مجال العلوم الأساسية المتجمدة منذ آينشتين، لعل وعسى!