السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. دي مش أول مرة أبعت لكم مشكلة، بس المرة دي أول مرة أمر بالمشكلة دي. أنا مشكلتي الصراحة والعفوية الزيادة عن اللزوم، بمعنى إن أنا بقيت صريحة لأبعد حد تتخيلوه، بقيت باقول للأعور أنت أعور في وشه، ولو أي حد زعلانة منه أروح أقول له في وشه كل اللي مضايقني منه.. ولو مثلا شفت حاجة مش عجباني في حد باروح أقول له. أنا زعلت ناس كتير أوي مني وبقيت باحس إني مش محبوبة بعد ما كان الناس كلها بتحبني، ده غير إني بقيت بابيع أقرب الناس بكل سهولة؛ يعني مثلا لو حد ضايقني أو زعلني، أحس قد إيه مش مهمة عنده أو أهملني وعاملني معاملة مش ترضيني، باجرحه وأهينه، وأبعد عنه وماكلمهوش تاني. أنا تقريبا ماليش أصحاب من حساسيتي الزيادة وطريقتي في التعامل؛ يمكن علشان أنا مش باعمل حاجة تزعل حد مني باتوقع إنهم يعاملوني بنفس المعاملة، ولما مش بالاقيها باقلب بسرعة وأجرح عادي.. أنا والله ما كنت كده، بس قفلت على نفسي 5 سنين بعد ما خلصت دراستي، وماكنتش باتعامل مع أي حد وفجأة خرجت لقيت الناس وحشة أوي، وأنا عفوية أوي، الناس ماكنتش كده ماعرفش إيه اللي حصل في الدنيا. أنا من كتر ما خسرت كل اللي بحبهم قرّرت إني مش هاخرج تاني، وهاقفل على نفسي وماليش دعوة بحد، أنا خلاص عرفت إن أنا مش هاعرف أتعامل مع حد تاني، وفيه مشكلة كمان أنا مابقاش بيفرق معايا كرامتي، يعني ممكن حد مزعلني بس علشان هو غالي عندي أروح أنا اللي أكلمه وأضيّع حقي، بقيت باحس إني معدومة الإحساس والكرامة.. أنا من ناحيتي باتصرف عادي، بس الناس بتفهمها قلة كرامة، نفسي أبقى قاسية وقلبي أسود وخبيثة وكدابة، يا ريتني كنت كده.. ساعدوني.. أنا في حالة نفسية سيئة جدا، وحاسة إن الدنيا سودا في وشي وباعتذر إن أفكاري ملخبطة..
farasha
عزيزتي.. سلامة النية ونقاء الصدر وطيبة القلب والإخلاص الشديد والصدق الكامل، ليسوا وحدهم مفاتيح نجاح العلاقات الاجتماعية، ثمة مفتاح لا يقل أهمية هو "الذكاء الاجتماعي".. هذا المفتاح يساعدك على توظيف صفاتك الطيبة في علاقاتك بمن حولك؛ بحيث تكسبينهم كل يوم أكثر من سابقه، وتحافظين على علاقتك الطيبة بهم، كذلك يساعدك على إبعاد أصحاب النوايا السيئة من المستغلين والمنافقين والمخادعين الذي يتقربون للمرء فقط لأجل المصلحة. أما دون استخدام "الذكاء الاجتماعي" فستصبحين من ناحية عرضة لفقدان أحبابك، ومن ناحية أخرى مهددة بالوقوع ضحية لمخادع أو منافق. فمن جهة أحبابك قد تصدر عنك تصرفات حسنة النية؛ ولكنها في غير محلها، كإحراج صديق بكلمة جارحة بنية نصيحته، أو كمضايقة آخر بالإلحاح في أمر تعتبرينه من مصلحته، في حين أنه يرى وجهة نظر أخرى، أو كالتدخل في شأن شديد الخصوصية لصديق يحب أن تكون له مساحته الخاصة.. كل تلك الأمور تحمل ختم حسن النية، ولكنها تؤدي لمشكلات كثيرة بين الأصدقاء؛ فالصديق حتى إن أجاد قراءتها وفهم حسن النية فيها؛ إلا أن ثمة واقع يقول إنه قد يتضايق منها، هذه مسألة بشرية طبيعية لا نلوم الناس عليها. وأما من جهة غير المرغوب في معرفتهم من الناس، كصنف المخادعين وأصدقاء السوء، فهم يتسللون لحياتنا من ثغرة كبيرة في جدار "أماننا النفسي والمعنوي" هي "حسن النية المفرط"! فالمشكلة لدى الكثيرين أنهم إما أن يكونوا مفرطين في افتراض حسن النوايا من منطلق أن "الدنيا لسه بخير"، أو مفرطين في افتراض سوء النوايا باعتبار أن "الدنيا اتغيرت والناس بقت وحشة". والاعتدال أقرب للعقل والمنطق؛ فالفضيلة دائما تقع بين رذيلتين، وعلى الإنسان ألاّ يفرط في افتراض حسن نوايا الناس وسلامة طويتهم، وعليه كذلك ألا يفرط في شيطنتهم وانتظار الشر منهم. الاعتدال يا عزيزتي هو القاعدة هنا، فلتتعرفي بالناس ولتكوني اجتماعية جدا؛ ولكن عليكِ مراقبة تصرفات المحيطين بكِ بحيث تحددين بالتجربة وبالفهم العميق من يهتم لأمرك حقا ومن لا تعنينه بشيء، ولا يكون هذا من خلال الحكم على السطحي من الأمور، كالحديث الطيب وموافقة الآراء، بل بالعميق منها كالنصيحة المخلصة والصدق في التعبير عن الرأي في هذا الأمر أو ذاك. وعودة لمشكلتك مع أصدقائك، لدينا الآن مشكلتان الأولى هي صراحتك المفرطة، والأخرى هي سهولة شعورك ب"بيع" أصدقائك لكِ مما يجعلك تبيعينهم. عزيزتي.. بالنسبة للصراحة فهي أمر جيد وفضيلة مطلوبة؛ لكن حتى كلمة الحق لها وقتها وظروفها.. سأقصّ عليك حكاية، في الصين قديما وُلِدَ مولود ذكر لأحد العظماء وأثناء الاحتفال دخل عرّاف وقال: "هذا المولود سيموت"! فثار عليه الحضور وطردوه شر طردة. الرجل لم يقل سوى الحقيقة.. فلا أحد خالد؛ ولكن توقيت ذكر تلك الحقيقة لم يكن مناسبا فضلا عن أنها حقيقة عامة لا فائدة من ذكرها فالكل يعرفها.. والنقطة الأخرى المتعلقة بموضوعنا هي "طريقة النصح"، فثمة قصة أخرى عن ملك سأل عرافا عن مستقبله، فقال: "مولاي.. مع الأسف أهلك كلهم سيموتون قبلك وستعيش وحيدا"، فطرده وغضب عليه، وجلب عرافا آخر وسأله، فأجاب: "أبشر يا مولاي، أنت أطول أهلك عمرا" فرضي عنه.. كلاهما قال ما رأى؛ لكن من منهما قال كلمة الحق بشكل أرقى؟ ثم إن كلمة الحق التي تقال لصديق لا مجال لها إلا لو اقترنت بالنصيحة، أما لو كانت مجرد نقد لتصرف أو قول أو صفة، فكثرة تكرار ذلك تجعل المرء منفرا.. هذا عن الصديق، وأما عن انتقاد شخص غير مألوف لنا ولا مقرب فهو مما يصنف أحيانا ب"التطفل وقلة الذوق"، عليكِ إذن أن تراجعي نفسك في ذلك. أما المشكلة الأخرى وهي حساسيتك المفرطة لتصرفات أصدقائك.. عزيزتي أنا كنت أعاني تلك المشكلة حتى فترة قريبة جدا، وسأنقل لكِ بالنَص نصيحة أخ وصديق عزيز جدا عليّ، إذ قال لي ذات مرة: "وليد مشكلتك إنك لما بتقرب لحد بتديه أقصى ما عندك، وأقصى ما عند الواحد بيختلف من شخص للثاني، يعني ممكن نشبهها باثنين أصحاب واحد فيهم إدى التاني 10 جنيه، التاني أقصى ما عنده يديه 5، فلما الأواني جه يوم وانتظر مساعدة صديقه، صديقه إدى له 5 جنيه، فهو زعل لأنه افترض إن كل الناس طاقتها واحدة في العطاء".. هذا بالضبط ما قيل لي.. ومغزاه هو أن لكل منا طاقة للعطاء المعنوي والمادي، ولكل منا شكل تعبيره عن مشاعره بالقول أو الفعل، فعلينا أن لا نقيس الإخلاص بمقاييسنا الخاصة بل بمقاييس عامة، أساسها الأمور العميقة من نصيحة، ومساعدة عند الشدّة وصراحة في النقد بصورتيه وهكذا؛ لكن أن ننتظر ممن نحب أن يتصرف بشكل مطابق لما نفعل هذا ظلم له، وإشعاره بخيبة الأمل فيه يجعله يشعر بالتعرض للظلم وعدم التقدير. بقيت مسألة أخيرة.. استسهالك العزلة، عزيزتي إن عاجلا أو آجلا ستضطرين لاقتحام الحياة الاجتماعية؛ فنحن أفراد في مجتمع لا في جزر منعزلة في محيط واسع، فعليكِ إذن أن تخوضي في الحياة بشجاعة، وأن تجعلي أية تجارب قاسية لكِ دروسا تستفيدين بها وتجارب تتعلمين منها، لا أن تحوليها لحالة خوف كبيرة من الآخر، وعليكِ أن تتقبلي فكرة أنكِ قد تكونين عرضة للخداع والخطأ وفقدان الأصدقاء، ندعو الله ألا يكون ذلك؛ ولكنه وارد للجميع ومع ذلك تبقى الحياة أقوى ويبقى الاستمرار هو سنتها. فكري في كلامي وثقي أن الله تعالى لن يضيعك..