هل غيّرت الثورة بكل قوتها وعنفوانها، بهتافاتها وصرخاتها في الشوارع والميادين، بلافتاتها وشعاراتها، بمصابيها ودماء شهدائها شيئا في تجربة كل منا في الحياة، هل تغيّر ضمير الأمة الممثل في مثقفيها وأدبائها؟ وهل تغيّرت الأمة نفسها في اهتمامها بالقراءة؟ سؤال نحاول الإجابة عنه في هذا التحقيق... الثورة لم تغير مشروعاتي الأدبية.. لكنني شخصياً تغيرت في البداية كان التساؤل حول التغيّر الذي أحدثته الثورة، تخبرنا الشاعرة والفنانة التشكيلية غادة خليفة والتي أصدرت لتوّها ديوانها "تسكب جمالها دون طائل" والحاصل على منحة المورد: "مشروعاتي الأدبية قبل الثورة كانت عبارة عن خطة طويلة لاكتشاف الذات والكتابة عنها عبر تحولاتها المختلفة، بعد الثورة لم تتغير مشروعاتي الأدبية، لكنني شخصياً تغيرت، مما يعني بالضرورة أن كتاباتي ستتغير سواء شئت أم أبيت، لكنني لا أعرف على وجه الدقة كيف ومتى سيحدث ذلك!".
الثورة معنى أدبي كبير.. أهم ما فيه "تثوير" الأدب نفسه! أما الروائي طارق إمام صاحب رواية "هدوء القتلة" الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية والعديد من الأعمال الإبداعية الأخرى فيقول: "المشروع الأدبي بالنسبة لي إطار كبير يتسع لكل ما أتحرك فيه، أعبره ويعبرني.. وبالتالي فالثورة تعيد صياغة الرؤية، لكن ليس بالضرورة أن تغري بكتابة عمل عنها عقب وقوعها مباشرة.. الثورة معنى أدبي كبير أرى أهم ما فيه "تثوير" الأدب نفسه".
الثورة كانت كالصدمة الكهربائية أما إبراهيم عادل -عضو جماعة "مغامير" وصاحب كتاب "المسحوق والأرض الصلبة"- فقال: "بالنسبة لما يطلق عليه "المشروعات الأدبية" فأقول إن الثورة كانت كالصدمة الكهربائية لي وللعديد من أبناء جيلي، ممن كانوا يحلمون ولا قدرة لديهم على تخيل حلمهم حتى! لم أكن أتصور أن ينتفض الشعب بهذا الشكل ويثور هكذا، ولهذا ربما أكون قد اتخذت قرارًا أن أتبنى فكرة الأمل وبث روح الحياة في كتاباتي مهما كان السواد عظيمًا ومحيطًا ومطبقًا، ربما لم أقم بذلك بشكل عملي حتى الآن، ولكني بالتأكيد سأعمل على تحقيقه فيما بعد".
الكاتب الشاب د.ميشيل حنا عدت إلى الكتابة عندما عدت إلى تشاؤمي! كذلك الكاتب ميشيل حنا والذي لديه مجموعة كبيرة من الإصدارات يحدّثنا عن تأثير الثورة قائلاً: "الثورة تسببت لي في نوع من الهزة في مسألة الكتابة، حتى إنني توقفت عن الكتابة لفترة حتى أستوعب ما يحدث، في البداية كان هناك كم كبير من التفاؤل يمنعني من ممارسة الكتابة؛ لأنني شعرت بأن كل شيء جيد سيتحقق وستكون البلد قطعة من الجنة، وهكذا لم يعد هناك هدف أو غرض للكتابة، بعد فترة عندما بدأت الأمور تسوء والركود يسود ولا شيء يتحقق عدت إلى تشاؤمي القديم، واستطعت العودة إلى الكتابة!".
ويضيف: "الثورة دمّرت لي عددا من المشروعات الأدبية مثل محاولاتي لجمع المقالات القديمة في كتب، لكن لأن البلد لم تعد هي البلد فقد صارت هذه المقالات من الماضي ولم تعد صالحة، لهذا أعتقد أن الكُتّاب الذين جمعوا مقالاتهم القديمة عن العهد السابق في كتب جديدة صدرت مؤخرا لن تحقق النجاح المتوقع؛ ذلك لأنها لم تعد تحقق عامل الجرأة الذي كانت تتمتع به في وقتها، فقد صار الكل أبطالا الآن".
أدواتي لم تتغير.. لأن النظام لم يسقط وعلى الناحية الأخرى هناك كُتاب لم تتأثر مشروعاتهم الأدبية بأحداث الثورة، مثل باسم شرف السيناريست والكاتب صاحب "جزمة واحدة مليئة بالأحداث" فيقول: "المختلف هو المشروعات الأدبية لأن أدواتي لن تتغير، وهي تلتقط التفاصيل وتعيد صياغتها والموضوعات وتفاصيل المجتمع في حالة انحناءات وانكسارات وصعود، طبقا للحالة الإيجابية أو السلبية في المجتمع.. لكن ما زلنا تحت وطأة حكم عسكري تابع لنظام مباركي"، وربما تنبع رؤية باسم هذه من إحساسه بأن النظام لم يسقط في الحقيقة ولا شيء تغيّر.
وكذلك القصاص والروائي المتميز محمد عبد النبي، والذي حازت مجموعته القصصية "شبح أنطون تشيكوف" جائزة ساويرس للأدب، وصدر له مؤخرا رواية "رجوع الشيخ" قائلاً: "لم تختلف مشروعاتي الأدبية حتى الآن على الأقل.. ولم تغير الثورة شيئا في كتاباتي".
أما الكتابة عن الثورة فيبدو أنها تشكّل عقبة شديدة على معظم من عايشوها، فيقول ميشيل حنا: "كتبت طبعا عن الثورة وعن أمور آنية كثيرة في وقتها، لكن -مرة أخرى- لأن الأحداث تتلاحق بشكل جنوني فكل شيء يُكتب يُنسى ويضيع بسرعة".
وتشاركه غادة خليفة نفس الرأي قائلة: "كتبت عن الثورة مقاطع قصيرة ونصوصا تسجيلية، لكنني غير مهتمة بالكتابة عنها قدر اهتمامي بالانغماس فيها ومعايشتها، أتصور أن الكتابة عن الثورة ربما تتم في وقت لاحق، أنا أعيش تفاصيلها بالكامل وأحاول ملاحقة كل ما يحدث في داخلي، وربما لن أكتب عن الثورة على الإطلاق، لا أعرف".
الكاتب الشاب طارق إمام للأسفلت مذاق آخر أما باسم شرف فقد كتب بالفعل عن الثورة: "كتبت شهادة عن أحداث الثورة وسميتها "للأسفلت مذاق آخر".. ولكن كتابة وتحليل.. أسجل قصاصات تأتي إليّ على هيئة أفكار أو قصص".
وكذلك طارق إمام الذي قرر أن يتعامل مع الجانب الإنساني للثورة في حال قراره الكتابة عنها، فيقول: "كتبت عن الثورة عدداً من المقالات، لكني لم أكتب عنها نصاً فنياً بعد؛ لي وجهة نظر مفادها أن الأدب لا يتعاطى مع المواقف أو الأحداث الكبيرة كمواقف أو أحداث، لكن من خلال أشخاص تتجسد عبرهم وجهات نظر.. عندما تتحدث رواية عن ثورة لا تختار غالباً زعيماً أو شخصا شهيرا لكن شخصيات هامشية، وربما منسيّة.. التفات الأدب دائما للنسبي والهامشي والمنسي، وهذه من وجهة نظري طريقته المثلى للتعامل مع السياسة من الباب الإنساني".
حدث كالثورة ليس من السهل كتابته وأيضا محمد عبد النبي يخبرنا: "لم أكتب عن الثورة حتى الآن، إلا في إطار غير أدبي، مقالات مثلا؛ وذلك لأن العمل الأدبي يحتاج إلى وقت، وأي حدث هائل كالثورة ليس من السهل كتابته بسرعة وسهولة إلا لإنتاج عمل مسطح أو توثيقي فقط".
علينا أن نحيا.. حتى نكتب كل ما عشناه بالتفصيل! وهكذا كما يُجمع الأغلبية من الشعب المصري على أن الثورة مستمرة، كذلك يرى الكُتّاب أن الكتابة عن حدث قبل انتهائه أمر شديد الصعوبة كما يقول إبراهيم عادل: "ربما لم أكتب عن الثورة بالتفصيل حتى الآن لأنها لم تنتهِ بعد، وأشعر أنني غير قادر على كتابة ما أنا مستغرق فيه، لا يمكننا أن نكتب عن تجربة حتى نفرغ منها -في ظني- لا أحد يتحدث عن الموت وهو ميت، ربما علينا أن نحيا أولاً حتى نكتب كل ما عشناه بالتفصيل". وعن معدلات القراءة وتصفح الإنترنت وما حدث لهما من تغيّر بعد الثورة، فيقول محمد عبد النبي: "ربما يكون فعلا معدل القراءة قلّ للغاية في أثناء الثورة نفسها، وقلّ إلى حد ما خلال 2011 عموما.. لكن لا أظن أن نوعية الكتب التي أحرص على قراءتها تغيرت! فيس بوك بيعطل طبعا عن القراءة كتير، لكنه هو نفسه ساعات بيكون وسيلة لقراءة حاجات مهمة كتير".
الكاتب الشاب إبراهيم عادل وتشاركه هذا الرأي غادة خليفة قائلة: "معدل القراءة انخفض جداً؛ بسبب الانشغال بما يحدث أكثر منه بالانشغال بمتابعة فيس بوك وتويتر؛ لأنني كنت أتابع فيس بوك قبل الثورة، وكنت أجد وقتاً لأقرأ، نوعية الكتب التي أقرأها تغيرت قليلاً، أحب أن أقرأ في التاريخ أكثر الآن".
وعلى العكس تماما يرى ميشيل حنا أن: "معدل القراءة بعد الثورة زاد طبعا في الموضوعات السياسية، وصارت المتابعة المحمومة للأخبار المتلاحقة تلتهم الكثير من الوقت على حساب قراءة الكتب، لكني اكتشفت مؤخرا أن القراءة على الإنترنت وفيس بوك هي نوع من القراءة أيضا! لهذا يمكن أن أقول إن قراءاتي زادت ولم تقلّ".
ويشاركه هذا الرأي إبراهيم عادل الذي رأى: "المفاجأة أن معدل القراءة أثناء الثورة زاد فعليًا! في الأشهر الأولى كنت لا أقرأ إطلاقًا، ولكن بعد ذلك أقبلت على القراءة بنهم شديد، وربما ارتبط ذلك في الواقع باشتراكي في موقع جود ريدز؛ لأني أشعر بأنه جعلني أقرأ أكثر، ويوفّر العديد من الكتب إلكترونيًا.. وحتى الآن لم تتغير كثيرًا نوعية الكتب، ما زلت أهتم بالأدب أكثر، ثم السِّيَر الذاتية، والسياسة أقلّ".
أما باسم شرف فلم تتأثر قراءاته، ويقول عن ذلك: "بالنسبة للقراءة فهي مستمرة؛ لأنها جزء من يومي ولم تتأثر، ولكن التوجه أو الاهتمام بموضوعات بعينها له علاقة بطبيعة الأحداث".
المواقع الاجتماعية رحلة يومية بالنسبة لي وكذلك طارق إمام الذي يرى أن: "معدل القراءة بعد الثورة كما هو، لكن طبيعة القراءة اختلفت بعض الشيء، أقرأ أكثر في السياسة، في التحليل السياسي لما يحدث على وجه التحديد، أقرأ الصحف بشكل أكبر، بدأت مشروعاً أكثر تنظيماً لقراءة تاريخ الثورات في العالم بشكل متكامل.. المواقع الاجتماعية رحلة يومية بالنسبة لي، تعوّدت عليها ولها وقتها، لذا لم تؤثر على إيقاعي في القراءة".
يبدو أن مدى التأثير والتغيّر الذي أحدثته الثورة مختلف ومتفاوت من شخص لآخر، ورغم أننا عشنا لسنوات طويلة في انتظار هذه الصدمة التي تغيّرنا وتغيّر أدوارنا في الحياة، وتصنع منا نحن الناس العادية وخاصة الشباب أبطالا.. لكن يظل الأهم من التغيّر الذي فرضته الثورة من اهتمام بالسياسة وتتبع الأخبار والاهتمام بموضوعات جديدة كالدستور والبرلمان ونظم الحكم، هو أن نكون واعين لمدى التغير داخل ذواتنا، بالتأمل فيها وأحيانا تحريك كل ما هو راكد وساكن، واكتشاف أنفسنا بشكل أعمق.
وأنت عزيزي القارئ.. شاركنا برأيك هل غيرت الثورة علاقتك بالقراءة أو بالكتابة؟