أجرت مجلة الجارديان البريطانية حوار صحفيا مع أحمد مراد -مصور الرئيس السابق محمد حسني مبارك وصاحب روايتي فيرتيجو وتراب الماس- تحدث خلاله عن كواليس علاقته بالرئيس السابق، وكيف استطاع أن يكتب رواية ناقدة للوضع السياسي في البلاد، بينما هو يعمل في واحدة من أكثر مؤسسات البلاد حساسية ألا وهي مؤسسة الرئاسة. وقال مراد إنه كان يعيش حياة مزدوجة يعمل في صباحها مع الرئيس مبارك لساعات وساعات، ويقضي ليلها مع أصدقائه الذين يلعنون هذا الرجل طوال الوقت، بعد أن دفن أحلام المصريين على مدار العقود الثلاث الماضية، وبناء عليه كان مراد جاهزا للانفجار العاطفي من خلال رواية فيرتيجو التي تناولت الفساد في طبقات رجال الأعمال في مصر. وأضاف مراد قائلا: "ما كان يؤذيني بشدة هو إحساسي بأن المصريين يستحقون العيش في مستوى أفضل، وأن مبارك العائق الوحيد في سبيل تحقيق ذلك". ويعتقد مراد أنه شارك في هذه الثورة من خلال روايته فيرتيجو التي كان يصرخ من خلالها؛ بهدف إيقاظ المصريين وتنبيههم لما يدور حولهم، وأنه كان ليندم كثيرا لو لم يقدم على هذه الخطوة، وكان سيلعن صمته ألف مرة، وإن كان يعترف في الوقت نفسه بأنه لم يعتقد أبدا أن رواية فيرتيجو رواية صالحة للنشر، وكان يصفها بالهراء، ولكن زوجته شيرين هي من شجّعته على الإقدام على هذه الخطوة. ويستطرد مراد في الحديث عن روايته فيرتيجو قائلا: "كان أحد أسباب خوفي من نشر رواية فيرتيجو أنها كانت تنتمي لروايات الإثارة، وهو خط أدبي نادر الوجود في مصر، ولكن محمد هاشم -صاحب دار ميريت- ذلك الشخص الشجاع هو من دفعني لنشرها، واصفا إياها بالرواية السينمائية وهو ما أثار غريزتي بالتبعية لكوني بالأساس سينارست سينمائيا ومصورا، وبالتالي خرجت الرواية تحمل طابع أفلام المخرج والمنتج البريطاني ألفريد هيتشكوك. وعن خوفه من احتمالية أن يغضب أي من أعضاء الطبقة الحاكمة في مصر من روايته فيرتيجو، ومن لهجتها المعارضة اللاذعة، أكد مراد أنهم لم يحبوا القراءة قط، وهو ما اعتبره "من حسن حظه"، مؤكدا: "لو كان أي من زبانية الرئيس السابق الذين كانوا يؤمّنون حكم الطاغية يقرأ لعرف على الفور أن هناك جنينا ثوريا يتكوّن في رحم البلاد، وأن الثورة قادمة لا محالة". واعتبر صاحب الرواية الأعلى مبيعا فكرة أن يتعرض للأذى أو المضايقة من قبل النظام الحاكم بسبب هذه الرواية أمرا هينا وتضحية مقبولة؛ لإفاقة هذا الشعب من غيبوبته، معبرا بأسى: "المصريون كانوا يكافحون من أجل الحصول على وجبتهم التالية". وبحسب مراد فجهاز المخابرات لم يكن بحاجة إلى بذل مجهود كبير لكي يكتشفوا أن أحمد كمال بطل رواية فيرتيجو الذي يعمل مصورا هو نفسه أحمد مراد مصور الرئاسة، الذي ورث المهنة عن والده، ويا للعجب يرتدي أيضا نظارة طبية". وتتحدث رواية فيرتيجو بصفة عامة عن صحفي شاب يشهد مذبحة قتل بالصدفة في حانة بأحد الكازينوهات المطلة على صفحة النيل، ويحاول إقناع محرر أحد الصحف المعارضة بنشر هذه الصور؛ ليتبين فيما بعد أن رئيس تحرير الجريدة التي -وللسخرية- تدعى بجريدة الحرية هو نفسه شخص فاسد ومتورط مع النظام في علاقة مصالح. ويتذكّر مراد ضاحكا بعض الجمل التي وردت بروايته وأثارت حفيظة بعض أعضاء النظام الحاكم، مثل تلك التي قالها عمر صديق أحمد كمال في رواية فيرتيجو: "ألم تسمع عما يحدث بمباحث أمن الدولة؟ إنهم لو اعتقلوا هتلر شخصيا لأجبروه على الاعتراف بأنه كان جزءا من خلية إرهابية في إمبابة تسعى لإسقاط الحكم". مراد لا يرى أن مبارك كان شخصا شريرا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولكنه اعتقد في الوقت نفسه أنه حاول أن يكون رئيسا صالحا، ولكنه خسر في المقابل سمعته واحترام شعبه. ويضيف مؤلف رواية تراب الماس قائلا: "مبارك لم يسئ معاملتي يوما، فكان دائما لطيفا ومهذبا، ولكن كثيرين أعرفهم أكدوا لي أنه كان يسيء معاملة مستشاريه ومعاونيه، وكان عدوانيا معهم للغاية". ولا يعتبر مراد فكرة الاستقالة من مؤسسة الرئاسة قبل خلع الرئيس فكرة مجدية؛ لأنه لم يكن ليساهم بأي شكل من الأشكال في مساعدة بلاده، وعلى العكس -والكلام ما زال لمراد- كانت له نظرة نافذة على الأحداث –بحكم وجوده داخل مؤسسة الرئاسة- ربما لم تتسنّ لغيره، واستطاع من خلالها أن يصوّر ما يحدث في مصر بشيء من التقريب والدقة في روايته فيرتيجو، وأن أصدقاءه لم يعتبروه خائنا لمجرد عمله بجوار الرئيس، خاصة في بلد من الصعب فيها أن تحصل على عمل. أحمد مراد يرفض أن يطرح عن قلبه القلق والريبة على مستقبل مصر، قبل أن يتولى مدنيون السلطة، مؤكدا: "المشكلة أن نظام مبارك ما زال باقيا في نفوس كل شخص فينا، والناس ما زالوا مصدومين وغير مصدقين لما حدث". واختتم مراد حديثه للصحيفة متمنيا لكل المصريين بلدا يتمتعون فيه بكرامتهم ويعيشون حياة كريمة، رافضا في الوقت نفسه أي حديث عن رواية تتناول الثورة المصرية؛ لأن الوقت ما زال مبكرا جدا -حسب ما يعتقد- على كتابة أي عمل أدبي يتناول أحداث الثورة، وأن هذا لن يحدث قبل خمس سنوات على الأقل.