حين تقترب الطائرات من مهبط مطار دبي الدولي، يطل الركاب من نوافذهم لتقابلهم أهرامات مصر العملاقة، وتماثيل ضخمة لملوك الفراعنة، وأعمدة زهرة اللوتس الأثرية، ومعالم اشتهرت بها الحضارة الفرعونية، حتى إن البعض يظن أن قائد الطائرة ضل طريقه، وهبط في القاهرة. لكن دبي التي تتفنن في الترويج لزيارتها أقامت مجسمات ضخمة مستمدة من معالم مصر الفرعونية، وزيّنت بها أحد أكبر مراكزها التجارية.
وتحول مركز "وافي" للتسوق إلى معبد فرعوني يكاد لا يختلف عن أي معبد فرعوني أصلي في مصر ومدنها الأثرية.. فأنت حين تدخله تقابلك تماثيل الملك رمسيس الثاني، والملكة الجميلة نفرتيتي، وإلى جوارها متاجر لأحدث الأزياء والموضة، وتحيطك لوحات غنية بالنقوش الهيروغليفية.. وأنت جالس تتناول وجبة في أحد مطاعم الوجبات السريعة القادمة من الدول الغربية.
وأصبح هذا المركز بتصميماته الفريدة من نوعها قبلة لعشاق الحضارة الفرعونية، من المتسوقين والسائحين القادمين للإمارات.
ولم تكتفِ إدارة "وافي" بالمعالم الفرعونية الضخمة؛ بل أضافت قبل أيام خدمة جديدة هي عروض الصوت والضوء، وهذه الخدمة هي نفسها التي تقدمها مصر في معابدها الفرعونية الأثرية في مدينتي الأقصر وأسوان وأمام الأهرامات وتمثال أبو الهول التاريخي.
وعروض الصوت والضوء تتم بإطفاء الأضواء في المعابد الفرعونية، أثناء وجود السائحين داخلها، وتسلط الأنوار الخافتة على التماثيل الفرعونية، لتنطلق أصوات لمتحدثين بأسماء ملوك الفراعنة، مصحوبة بالمؤثرات الصوتية والموسيقية تشعرك بأن الفراعنة قد عادوا للحياة.
وبأداء صوتي مسرحي يروي هؤلاء المتحدثون تاريخ الشخصية التي يخلدها التمثال، وإنجازاته وتفاصيل معاركه العسكرية وإنجازاته وأمجاده.
على الرغم من أن تلك العروض لم يمض على إطلاقها سوى أسابيع قليلة، فإنها تجذب الآلاف من المتسوقين كل أسبوع.
وتوصف منطقة الساحة المركزية في "وافي" بأنها متحف تاريخي وأثري مفتوح لكونها تعرض عددا من أشهر نماذج الآثار المصرية القديمة، وفي هذه الساحة يقدم المركز عرضان للصوت والضوء يوميا.
ويضم العرض عددا كبيرا من الرموز المصرية القديمة، بدءا من رموز الكتابة المصرية القديمة (الهيروغليفية)، إذ أعطى المصري القديم أهمية كبيرة للكتابة، خاصة على جدران المقابر والمعابد، كما يستعرض عددا من الأعمال الفنية لأشهر ملوك الفراعنة، والتي تعد من روائع القطع الأثرية على مستوى العالم، وترافق العروض معزوفات موسيقية ساحرة.
ويحتوي العرض الذي يحمل عنوان "عودة الفراعنة" صورا متنوعة من الحضارة المصرية القديمة، التي قامت على ضفاف نهر النيل منذ عام 5000 قبل الميلاد، واستمرت إلى سنة 30 قبل الميلاد، لتكون بذلك أطول حضارات العالم استمرارية، ويظهر في العرض عدد من الآثار المصرية الأشهر؛ مثل: معبد الكرنك في مدينة الأقصر التاريخية، وواجهة معبد أبو سمبل الذي يطل كخلفية رائعة للعرض بما يحتويه من تماثيل ضخمة للملك رمسيس الثاني، وكذلك أهرامات الجيزة الشهيرة.
وتم استقصاء آراء السائحين عن هذا؛ فقد علق السائح البريطاني باتريك جوفان على محتويات المركز التجاري، معتبرا أنه "ابتكار ذكي جدا في عالم التسوق".
ويضيف: "ما أجمل أن تتسوق وأنت في أحضان الحضارة الفرعونية التي أدهشت العالم، مشيرا إلى أن عروض الصوت والضوء تتميز بأنها تضم عددا كبيرا من صور الحيوانات، التي حظيت بأهمية كبيرة لدى قدماء المصريين".
ويستطرد جوفان: "على الرغم مما نعرفه عن أن قدماء المصريين كانوا يعتقدون في الحياة الآخرة، فإنهم كانوا يستمتعون أيضا بالكثير من الأنشطة الحياتية التي كانوا يمارسونها في دنياهم، وهذا ما ظهر جليا في العرض؛ حيث أبرز جانبا من هذه الأنشطة مثل عزف الموسيقى وممارسة الرياضة".
أما دينيس كوميتا -وهو يبيع المثلجات داخل الساحة المركزية- يقول: "العرض يستقطب العديد من جمهور، وزوار دبي الذين يحرصون على حضوره، ومنهم من يأتي يوميا لمشاهدته، خاصة المقيمين في فنادق قريبة من المنطقة".
وأكدت السائحة الأسترالية ديزي فود أنها أصيبت بدهشة شديدة حين رأت مزجا فريدا بين التسوق والحضارة الفرعونية، مشيرة إلى أنها لم تشعر بمتعة في حياتها مثلما شعرت بها في دبي، حين تسوقت بين مبانٍ فرعونية شاهقة قريبة في حجمها من الصروح الفرعونية الأصلية.
وعروض "عودة الفراعنة" مجانية، ويُعتبر مكان عرضها واسع وفسيح، يكفي لاستيعاب مئات من المشاهدين بكل راحة، ويمكن للزوار الاستمتاع بتناول الطعام في مطاعم المركز، والاختيار ما بين أكثر من 30 مطعما ومقهى.
والفكرة الآن أن دبي قد استعارت بذكاء الحضارة الفرعونية لمزيد من التسويق السياحي، وقامت بذلك بوسيلة جذب كبيرة، في الوقت الذي نملك به نحن الأصل، ولا نجيد استغلاله أو التسويق له بشكل جذاب يجيد استقطاب السائحين.
فإن استطاعت دبي أن تقيم حضارة فرعونية في مركز تسوق.. فالتساؤل لماذا لا تستطيع مصر أن تصنع فقط مركز تسوق متطور جذاب بجانب الحضارة الفرعونية الأصيلة؟
عن وكالة الأنباء الألمانية بتصرف
دبي والفراعنة * خمسة جد اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: