عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    عاجل: سعر البصل الأحمر اليوم فى سوق العبور للمستهلك اليوم الجمعة 3 مايو 2024    وزير الشباب والرياضة يتفقد معسكر يلا كامب بمدينة دهب    الصحة العالمية: 3 مستشفيات فقط فى رفح الفلسطينية تعمل بشكل جزئي    "المجلس الوطني الفلسطيني": الاحتلال قتل وأعدم واعتقل مئات الصحفيين لمنعهم من نقل الحقيقة    اتحاد الكرة يحدد 20 مايو موعدا لانطلاق الدورة التدريبية للرخصة A    لعنة تخطي الهلال مستمرة.. العين يخسر نهائي كأس الرابطة من الوحدة    فوزي لقجع: لو كنت أتدخل في تعيين الحكام لفازت المغرب بأمم أفريقيا    الأمن العام يضبط 51 قطعة سلاح و35 كيلو مخدرات بالمحافظات    مصرع شاب في حادث انقلاب دراجة نارية بالفيوم    أحمد كمال يفجر مفاجأة عن اعتزاله الفن    أحمد كريمة: الحجامة ليست سنة نبوية لكنها وصفة بيئية موجودة منذ ما قبل النبي    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    الغضب بشأن غزة يخيم على فوز حزب العمال في الانتخابات المحلية البريطانية    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    في عيد العمال.. تعرف على أهداف ودستور العمل الدولية لحماية أبناءها    بمشاركة كوكا، ألانيا سبور يتعادل مع أنقرة 1-1 في الدوري التركي    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    رئيس إسكان النواب: توجد 2.5 مليون مخالفة بناء قبل عام 2019    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    خبير اقتصادي: "ابدأ" نجحت في إنشاء مشروعات تتوافق مع السوق المحلي والأجنبي    الحزن يسيطر على ريم أحمد في عزاء والدتها بمسجد الحمدية الشاذلية| صور    «خفت منها».. فتحي عبد الوهاب يكشف أغرب مشاهده مع عبلة كامل    ياسمين صبري تخطف الأنظار بتمارين رياضية في «الجيم» | صور    "ربنا يتصرف فيكم".. فريدة سيف النصر ترد على الاتهامات في كواليس "العتاولة"    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    من 100 سنة، مرسوم ملكي بحل أول مجلس نواب مصري بعد دستور 1923 (فيديو)    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    «السمكة بتخرج سموم».. استشاري تغذية يحذر من خطأ قاتل عند تحضير الفسيخ (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    خدمة الساعات الكبرى وصلاة الغروب ورتبة إنزال المصلوب ببعض كنائس الروم الكاثوليك بالقاهرة|صور    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    سوسن بدر تعلق على تكريمها من مهرجان بردية لسينما الومضة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغد
نشر في بص وطل يوم 16 - 11 - 2009

وقفت تنظر إلى المرآة و تتأمل نفسها طويلاً.... كانت كأنها تنظر من خلال صورتها و ليس إليها...فقد كانت شاردة الذهن تعبث بخصلات شعرها المموج وهى تكافح اهدةً لإجهاض تلك الإبتسامة التى تحتل عليها كيانها...نعم فعليها أن تبدو طبيعية وألا تثير الشك من حولها...والآن هى تتأمل جسدها وتعدِل من وضع قميص نومها..إنها حقاً جميلة...ولكن مازال القلق يساورها بشدة...فهى تشعر أنها مقبلة على اختبار صعب...ولم يعد هناك وقت للمذاكرة...فقط هى تراجع الآن معلوماتها أو تراجع زينتها و جسدها...وكان قلبها يرقص طرباً فغداً سيكون اليوم الذى يشهد لقاءها الأول مع حبيبها بعيداً عن الأسلحة التى تترامى إليها من نظرات كل متطفل..غداً ستنظر فى عينيه و تطيل النظر بلا خوف..غداً ستكون فى أحضانه تنعم بالجنة ...غداً هو لها و هى له...غداً هى ملكة متوجة...غداً...آااااه من غداً..ستنسى الماضى بآلامه وأحزانه وأوجاعه..ستدفنها فى صدر حبيبها...ستتجاهل كل العالم وتحيا لبريق عينيه...يالها من حياة رائعة!..

وخرجت بغتة من صوت أحلامها على صوت دقات خفيفة تقرع باب حجرتها..فحاولت أن تخبىء سعادتها ..و ترسم ملامح الجدية واللامبالاة وهى تدعو الطارق للدخول..كانت أمها..جاءت لتطمئن عليها بعد أن لاحظت غيابها الطويل داخل الحجرة..وأخذت تحاول أن تتحرى عن أى سبب حتى ولو لم يكن هناك سبب..فأجابتها ندى بعصبية واضحة لم يكن لها ما يبررها و عللت غيابها هذا بانشغالها بسبب قرب موعد الإمتحانات و عجزها عن اللحاق بزميلاتها...فالمنهج كبير وهى تحتاج لمساعدة أحد...ثم فكرت أنه من الأفضل أن تستغل قلق الأم هذا ومحاولتها للتخفيف عنها اللذان سيدفعانها لفعل أى شىء من أجلها وتسرع لتطلب منها ما تريده وبالفعل أعربت عن رغبتها فى الذهاب إلى صديقتها منال غداً بعد انتهاء المحاضرات لتشرح لها منال ما فاتها وما استعصى عليها فهمه ...فقبًلتها الأم و ابتسمت داعية لها بالتوفيق.ولكن لم يبدُ على "ندى" السعادة بتلك الموافقة التى كانت ترجوها..فقد كانت تتوقع بعض المقاومة أو الرفض..حتى يتيحا لها الشعور براحة الضمير فيما بعد ولكن هاهى أمها دائمة الشجار والعراك تبتسم لها فى حنان وتبدى موافقتها..فقامت "ندى" وتشاغلت بالعبث فى بعض الكتب وهى تدعى الهم..وكما أرادت تركتها أمها ظناً منها بأن "ندى" تستعد للمذاكرة...

وما إن أًغلق الباب حتى أخذت "ندى" إحدى الكتب و استلقت به على السرير فى وضع يجعل من يراها فيه يعتقد أنها غارقة فيه إلى أذنها...ولكنها بالفعل كانت غارقة...إنما بالتفكير فى الغد وإن اعتلت سماء أحلامها سحابة من الحزن هذه المرة..فهى تعلم أنها مقبلة على مخاطرة كبيرة يلزم من أجلها الكثير من التضحيات وربما المبررات أيضاً...ولكن هاهى أمها ترفض أن تعطيها تلك الراحة الزائفة..وعادت تفكر من جديد وشردت بالأمس حينما كانت تجلس مع "وحيد" يتفقان على الغد..فقد أخذ يطمئنها أن الأمور كلها ستسير على ما يرام وأنه لا داعى للقلق على الإطلاق فكثير من أصدقائه تزوجوا زواجاً عرفياً وهم الآن يغترفون من الجنة ما شاءوا كما أن الشاهدان اللذان سيشهدا على عقد الزواج متزوجان عرفياً أى أنه لا خوف منهما..فجميعهم مربوطون بنفس الحبل..كادت تبكى و هى تحاول ألا تفكر بأى شىء سوى بهذا الثوب الجديد الذى اشترته من أجل الغد وبفرحة "وحيد" عندما سيكون معها..وبالأمان الذى ستجده هى معه...هذا الأمان الذى ظلت تنشده من سنين..

ومن جديد ظهرت تلك السحابة السوداء وكأنما لتعلن لها سذاجتها وسخف أفكارها...فكيف ستشعر معه بالأمان و سيكون الأمان ألا يراها أحد معه!...كيف ستجد فى أحضانه الدفء إذا كانت تعلم مسبقاً أن العرق البارد لن يعرف طريقه إليها إلا وهى معه..وأنها ستتنهد بارتياح كلما وصلت إلى بيتها ورأت تلك الابتسامة على وجوههم أو على الأقل هذا التعبير اللامبالى الذى يؤكد عدم معرفتهم بشىء...رباااه أى أمان هذا؟!! ...من الأفضل لها ألا تفكرِاذن..نعم هذا أسلم..وليكن ما يكون!...وحاولت أن تنظر لهذا الذى تمسكه..إنه كتاب الروابط الإجتماعية..لم تنتبه لهذا من قبل...فهى لم تكن تنوى قراءته على أى حال...فكرت فى أنها إذا قامت وأعدت كوباً من الشاى ثم جاءت به إلى الشرفة فتقرأ هذا الكتاب..فسيمر وقت لا بأس به ويأتى الغد بهناءه و ناره ولكنها لن تطيق عذاب التفكير والإنتظار هذا طويلا..فهى تدفع نغسها دفعا إلى الجنون..وذهبت إلى المطبخ و تعمدت إحداث أكبر جلبة ممكنة لتسجل حضورها فى أذهان الجميع فلا يتسائلون ثانيةً لماذا تلزم حجرتها وبعدما تأكدت من أن الجميع قد رأوها ... تعللت بكم الواجبات المطلوب منها عملها قبل انتهاء اليوم لتعود إلى حجرتها مرة أخرى..وبالفعل لم تمضٍ سوى لحظات حتى كانت تنظر من شرفة حجرتها إلى الأفق وقد وضعت الكتاب وكوب الشاى على منضدة صغيرة بجانبها ومتى أدارت وجهها ناحية الغرفة لتتأكد أنها مازالت وحدها حتى أصابها الهلع..فقد وقعت عيناها على الساعة لتكتشف أن كل هذا الوقت الذى أضاعته لم تتذكر منه الساعة سوى دقائق معدودة...يالها من لعينة!..حتى ساعة حجرتها تعاندها!!...

ومن جديد تذكرت الكتاب و ابتسمت ولكأنها تقول للوقت مازال فى جعبتى سلاح أخير ولا أظنه سيفشل...وبدأت ترشف الشاى فى صمت وهى تقلب صفحات الكتاب ووجدت هذا الموضوع عن الزواج فابتسمت...عساه ينفعها..ورويداً رويداً بدأت تلك الإبتسامة التى كانت على وجهها تزول و يحل محلها مزيجاً من القلق و الغضب...فحتى الكتاب الذى جاءت تحتمى به من السم البطىء الذى تتجرعه من عقارب الساعة...حتى هو ينفرها منه الآن..فمال الأهل و مال الزواج؟...لماذا يتحدثون عن التعارف العائلى الآن؟!..أستتزوج "وحيد" أم أهله؟!

حسناً...ستترك تلك النقطة و تنتقل لغيرها فمازالت عيناها طوع بنانها ولن تشترك فى تلك المؤامرة عليها...ومالبثت أن وجدت النقطة الأخرى تحدثها عن السلوك الواجب اتباعه قبل الزواج وكيف تحافظ الفتاةعلى صورتها لتكون مثال الزوجة الصالحة أمام زوجها و أقاربه و أصدقائه...أووووف...لقد ضاقت ذرعاً بهذا الكتاب..فهى لا تجد فيه "وحيد" ولا تجد فيه زواج!!...ألن تتزوج الغد؟؟!..وقررت أن تنظر مرة أخيرة تقرر بعدها أتستمر أم تغلق هذا الكتاب اللعين...وهذه المرة تسمرت عيناها وتوقف قلبها..فقد كان الحديث هذه المرة عن الأطفال...ثمرات الزواج السعيد..وأقلتت ضحكة هذه المرة...ثم غالبتها دمعة ونزلت منها رغماً عنها..الأطفال؟!..كم تحبهم!...تهواهم..تشعر أنها منهم..وحانت منها التفاتة عتاب إلى الكتاب ثم وضعته برفق على المنضدة..ربما هو يحبها ويحاول تحذيرها...كما أنها تعلم جيدا أنها ليست راضية أبداً عما هى بصدد القيام بفعله وأن محاولاتها للهروب يائسة مثلها..فاشلة مثلها..فلا داعى لإن تلوم الكتاب اذن...فهى تفكر به أو بدونه..تتعذب معه أو وحدها..ولكن أيكون هذا هو الحب؟!..أيحبها وحيد حقاً ليضعها فى هذا العذاب؟!..

ولكن مهلاً..فقد وافقت...أتحب هى نفسها؟! يا ويلتااه...لابد لهذا العذاب من نهاية..أتكون الجنون أم زواج الغد؟...أيهما أفضل يا ترى؟!....وشردت بذهنها من جديد...ترى كيف هو وحيد الآن...لا..لابد أنه لا يشعر بشىء على الإطلاق أو ربما هو سعيد..فليس لديه شىء يخسره..وربما نسى الأمر و ستذكِرهُ هى به غداً كالعادة...فكثيراً ما ينساها وتذكره هى بها عن طريق مكالمة تليفون أو رنة قصيرة على هاتفه...ربما رسالة أحياناً...فقط أى شىء كي لا ينساها أو ينظر لغيرها..فهو يحب النساء ولا يبذل جهداً كى يخفى هذا عنها..تباً لها وله!!..لماذا تذهب إليه وتتزوجه إذن؟؟..ألإن لسانه نطق كلمة حب؟..وأين المعجزة هاهنا!..فقد سمعته كثيراً يداعب بها غيرها من النساء ...لكم تتمنى أن تقتل نفسها فتنتهى من هذا العذاب وتستريح منهم جميعاً ولكنها تعلم ماينتظرها خلف أبواب الحياة..لذا هى لن تذهب هناك طواعيةً...ترى ماذا يفعل أبويها لو عرفا بم تفكر الآن وماذا ستفعل غداً؟!..اجتاحها الهلع لثوان ثم ابتسمت مشفقة على نفسها..مالها ومال الغد والدهر..ألا ليتها تُمحى من سجل الوجود...لن يختل ميزان الكون..ولكنها للأسف هنا...هى والتفكير وثالثهما العذاب..ومازالت فى جلستها تلك حتى رأت فتاة فى مثل عمرها تضحك و هى تسير بجوار سيدة وشاب يكبرها بسنين معدودة...ترى من يكون؟!..أيكون أخاها؟ وتكون السيدة أمهما..ربما...فهى لا تعرف كيف يبدو الأخ..فلم يرزق أبواها سوى بها...تُرى ماذا كان سيفعل هو أيضاً؟!...لربما قتلها..وسادت رعشة خفيفة فى أوصالها ..حمداً لله اذن أنها وحيدة..ومن جديد عادت تفكر و لا تدرى لم شدا انتباهها..أيكون خطيب تلك الفتاة؟ولم لا؟..فالسعادة تبدو واضحة على كليهما..يالحظهما الحسن...فربما كان غداً زفافهما أيضاً..ولكنها ستكون بفستان أبيض جميل..هى تتخيلها الآن وسط جموع الناس تتباهى بزوجها وأهلها..ولكن دعنا من الأهل..آااه..لا تستطيع ابعاد صورة الأهل عن خيالها..اذن فلننتهى منهم سريعا..سيكونوا هناك سعداء وحزانى بلا شك..سعداء لاتمام الرسالة و حزانى لفراق فلذة كبدهم..وتنهدت "ندى" من أعماقها..فما اسوأ العار الذى ستجلبه على أهلها...ليتها ماذكرت هذا الموضوع فهى الآن ترى وجه أمها..ترى ما النصائح التى كانت ستوجهها لها؟!..أطيعى زوجك..أم لا تسمحى له بالسيطرة الكاملة و الطغيان على شخصيتك!..ليتها تهرب من هذا الكابوس...

وفضًلت "ندى" أن تأوى لفراشها .. علٌ النوم يزورها فيأكل ساعات الليل ويرحمها من نفسها..وريثما هى فى سريرها أخذت تتخيل نفسها مع "وحيد" فى قاعة فرح كبيرة يملؤها الأهل و الأصدقاء وهى تبتسم فى خجل وتتحرك فى وقار و خيلاء وهى تتخيل نفسها فى زينة العروس والإعدادات الخاصة بالفرح التى تقوم بها كل عروس..وتنهدت مرة أخرى...كفاها من الأحلام..كفاها من العذاب..فهى لن تتذوق أياً من هذا ولن ينتظرها سرير من حرير بل صبار مفروش بالأشواك..دائما ما تنشغل العروس فى يوم كهذا..أما هى فيكفيها حمام بارد فى الصباح...فماذا ستفعل أكثر من هذا! إنها لن تبدو كعروس ولكن هذا قدرها...بل هو اختيارها!..تباً لها من جديد!!..

و أغمضت عينيها مرة أخرى وابتسمت وقلبها يبكى..ظنت أن الإبتسامة قد تسترجع السعادة الغائبة..أين هى الآن؟ربما تعود إذا تذكرت وجه"وحيد"...لا..لا..انها لا تريد تذكره هو بالذات الآن..وتناهى الى مسامعها صوت ضحك أمها وهى تحدث والدها بالخارج..ضحكات كأنها خناجر تمزق قلبها ودفنت "ندى" رأسها تحت الوسادة وهى تجذبها عليها بشدة..هى تحب "وحيد" وتحب اسرتها ولكن هذا مستحيل..ترى ماذا ستفعل غداً؟!..بالتأكيد ستبدو كهاربة من السجن..وهى فى حقيقة الأمر لا تبعد عن هذا كثيراً فهى هاربة من الحياة..ليتها تستطيع الهرب من نفسها..إن هذا كثير وقلبها لم يعد يحتمل..حاولت أن تهرب من عذاب فرضه عليها الزمن فألفت نفسها فى عذاب فرضته هى على نفسها...كان عذاب الفقر و الحرمان وقسوة الأب عليها إذ كان يكره البنات كثيراً ودوما ما يذكرها بأنه لو علم أنها كانت لتكون فتاة لسأل والدتها أن تقوم بإجهاض نفسها فورا..وبالرغم من هذا كله فهو يعشق أمها ..أما هى فلا مكان لها فى قلبه..و أمها لا تحنو عليها الا حينما يكون والدها غائبا عن المنزل وكأنها تقول له اؤيد رأيك..بل تتعمد أن تقسو عليها حتى تنال رضا والدها ..ولكنه والدها و هى أمها ...لم يخبرها أحد كيف تكرههما ..لم يعلمها أحد كيف تقسو مثلهما ..ولم تعرف أنها ستتعذب كل هذا العذاب لمجرد التفكير بأنهما قد يتألما بسببها و هما سرأسرار عذابها و حرمانها ...انها حقا تكره نفسها الان اكثر من أى وقت مضى ...فلطالما كانت تمنى نفسها بالانتقام ..و حين حان موعده هاهى كالفأر الجبان لا تقوى على شىء و يخيل اليها انها تنتقم من نفسها ..تبا لها الاف المرات! ..هى لا تريد أن تتذكر ولكن..

أين أصبحت الآن؟!..عذاب الضمير والأيام وبقايا أحلام مضت ونزعات أحلام تحتضر..با ويلها..كيف تتصرف؟! أين أنت يا "وحيد" ؟تعالى إلىٌ.. حدثنى بعض من كلامك المعسول..طمئنى..انى خائفة..قل لى أى شىء..حدثنى عن الغد ...لا لا..بل حدثنى عن الأمس..لا أرجوك...بل حدثنى عن النجوم والقمر...أعرف أنك تسئم هذا الحديث ولكن لا يريحنى سواه..أترى تلك النجمة البعيدة..كانت تنادينى يوماً لألحق بها..قالت لى أن هناك مكان لى بجانبها..و لكنها لا تنظر حتى إلى هذه الأيام..ترى ما بها؟ ..أتكون غاضبة؟..ما أجمل هذه السحابة! انظر إلى القمر كيف يخجل منا و يختبىء وراءها..ألم يعتد الغزل بعد ؟!..أرانى هناك وراء السحابة بجانبه ولكنى لن أظهر...أفضل المكوث هناك...وهذه أمى أراها فى الأفق إنها تلوح لى..لا...بل هى تنادينى...اسمع..نعم تنادينى.أسمع صوتها يقول استيقظى يا "ندى"..هيا يا حبيبتى..لا تنسى ميعاد "منال" لا تدعيها تنتظر فأنتِ من يحتاجها...رباااه..ما هذا؟!..

لقد كنت نائمة وأحلم اذن وهاهو الغد تحول إلى اليوم. متى نمت ومتى فر...يا إلهى..لا "وحيد" ينتظر..الثوب الجديد ينتظر..أوه..وهاهى ماما أيضا تنتظر ما يثبت أنى تنبهت..اذن فسأرمى اليها بقرارى علها تدعنى وشأنى ..."ماما..أشعر بوعكة اليوم...منال فتاة مهذبة ومتفهمة...وستقدر هذا...سأحادثها بعد قليل..دعينى فأنا لن أخرج اليوم يا أمى..أريد أن أنام وأستريح...ليتنى أستريح!..أنا حقا متعبة يا أمى..ونظرت لها الأم فى تعجب و تركتها ورحلت و هى تتمتم بدعوات لها ..أما ندى فقررت أنها لن تذهب اليوم وليكن ما يكون..لماذا ترضى لنفسها بهذا و بوسعها أن ترتدى فستاناً أبيضاً تشرق به وسط الناس وتسعد أهلها..لماذا تبيع الأمان و تشترى تلك الورقة الرخيصة الثمن..لماذا توقع تنازلاً عن حقها فى انجاب أطفال...لماذا تودع حياة لم تبدأها بعد؟!..ولكن..ولكنها تحب "وحيد"..أوه لا..أنه هذا العذاب من جديد ..هذا الصراع الذى سيودى بحياتها..اذن ستؤجل هذا كله إلى الغد..أما الآن فستتصل ب"وحيد" وتقنعه بانها مريضة ..وليكن الغد موعدهما..فلن يموت أحد..أو يضيع شىء..فقد يضيع أى شىء..إلا العذاب فهو ينتظر...وتعلم أنه سينتظرها إلى الغد..اذن فأمامها يوم طويل جديد تنتظره حتى تأخذ قراراً...فستنتظر مجدداً حتى الغد.....!!
رضوى لطفى
التعليق:
موضوع القصة جيد جداً ومهم. قضية الزواج العرفي الذي يبدو فى نظر الكثيرين من الأجيال الشابة حلاً لمشاكل الاحتياج العاطفي والجنسي دون تكلفة الزواج الرسمي وقيودة والقصة نجحت فى تصوير الصراع فى داخل فتاه قبل يوم من اتمام هذا الزواج العرفى غير انها اطالت كثيراً فى حين ان القصة القصيرة فن يحتاج إلى التكثيف وبالقصة اخطاء إملائية ونحوية كثيرة جداً.
د. سيد البحراوي
أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب، جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.