موقفه غريب حقًا، تطاول على الإسلام، وتطاول على المسيحية الشرقية، ثم تطاول على مصر، ويستمر تطاوله على ما يبدو ما لم يجد رادعاً لذلك... بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر الذي قال: "لا يُعرف للعقل مكان في الإيمان الإسلامي"، وقال أيضًا: "إن المسيحية الشرقية رغم ما قدّمته للمسيحية وتاريخها، فإنها افتقرت لتأسيس العلاقة بين الإيمان والعقل"، ثم قال بعد أحداث تفجير كنيسة القديسَيْن بالإسكندرية: "أطالب المجتمع الدولي بحماية الأقباط في مصر". وبهذا يكون البابا قد أدان المسيحية الشرقية برمّتها، وانتقد الإسلام برمّته، ثم أراد أن يشعل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بتصريحاته، ليقول للجميع إن رأيه صحيح، وما دونه باطل، وعلى الجميع أن يرضخ لذلك.. الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول ماهية الفاتيكان هل هي دولة أم مدينة أم ماذا؟ وما هو تاريخها؟ وما هو نظام الحكم فيها؟ وما هي سلطة بابا الفاتيكان؟ وربما تكون الإجابة على تلك التساؤلات توضّح لنا لماذا يتخذ بابا الفاتيكان تلك المواقف من المسلمين وأقباط الشرق. رغم كونها أصغر دول العالم سكانًا ومساحةً فإنها تبلغ أهمية عالمية كبيرة مدينة الفاتيكان؛ معروفة رسميًا باسم دولة مدينة الفاتيكان، تقع في قلب مدينة روما عاصمة إيطاليا، التي تحيط بها من جميع الجهات، ويفصلها عنها أسوار خاصة، وهي أصغر دولة من حيث المساحة في العالم، حيث تبلغ مساحتها 0.44 كم، ويقارب عدد سكانها 800 نسمة فقط، من ثم فهي أصغر دولة في العالم من حيث عدد السكان أيضًا. وعلى الرغم من كونها أصغر دول العالم سكانًا ومساحةً، فإنها تبلغ أهمية عالمية كبيرة، وتكمن تلك الأهمية في كونها مركزًا للقيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية في العالم. وليست هناك لغة رسمية للفاتيكان، ولكن تُستعمل فيها الإيطالية بشكل واسع بحكم موقعها الجغرافي، كذلك حال اللغة الألمانية؛ وإلى جانب هذه اللغات يعترف الكرسي الرسولي بثمانٍ وثلاثين لغة، أبرزها: الإسبانية، الفرنسية، البولندية، البرتغالية، والإنجليزية، وتغطي هذه اللغات نسبة كبيرة من اللغات المنتشرة بين كاثوليك العالم. الاستقلال عن إيطاليا لم تكن مدينة الفاتيكان دولة بالشكل المستقل المتعارف عليه اليوم قبل 7 يونيو سنة 1929 حين تمّ توقيع ثلاث معاهدات في قصر "لاتران" بين الحكومة الإيطالية، التي كانت آنذاك بقيادة بينيتو موسوليني، والكاردينال بيترو كاسباري -ممثل بابا الفاتيكان آنذاك- وقد نظّمت المعاهدات الثلاث تلك العلاقة بين الفاتيكان والدولة الإيطالية، ونصّت على أن يكون الفاتيكان بحدوده الحالية، جزءا مستقلا عن الدولة الإيطالية ومدارا من قِبل البابا.
الكرسي الرسولي عبارة عن مجموعة من البابوات يرأسهم بابا الفاتيكان نظام الحكم وقد نصّت المعاهدات الثلاث أيضًا على إدارة دولة الفاتيكان بشكل مباشر لجميع الكنائس والأديرة في مدينة روما، علاوة على ثلاثة وعشرين موقعًا آخر خارج أسوار الفاتيكان، استنادًا على الاعتقاد الكاثوليكي بكون بابا الفاتيكان هو أسقف روما المنتخب. "الكرسي الرسولي" هذا هو اسم رأس النظام الحاكم في دولة الفاتيكان، وهو عبارة عن مجموعة من البابوات يرأسهم أسقف روما المنتخب والذي يلقّب ب"بابا الفاتيكان"، والذي يظلّ على رأس الدولة مدى الحياة؛ ويتمتع بصلاحيات واسعة جدًا، يليه في المكانة رئيس وزراء الفاتيكان، وهو مكلّف بتدبير الشئون الإدارية والسياسية والقانونية للدولة، ويشغل هذا المنصب عادة كاردينال كنسي، معين من قبل البابا. دولة الفاتيكان معترف بها دوليًا، وقد أدرجت على لائحة اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي. وهي الدولة الوحيدة المدرجة بأكملها على تلك اللائحة المذكورة، فضلاً عن أن الفاتيكان ممثلة لدى عديد من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وعدد من وكالاتها مثل منظمة الأغذية العالمية، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، إلى جانب منظمات أخرى غير رسمية.
يلقّب بابا الفاتيكان بالحبر الأعظم والأب الأقدس وصاحب القداسة وملك الفاتيكان صلاحيات بابا الفاتيكان بابا الفاتيكان هو الرئيس الروحي الأعلى للكنائس الكاثوليكية على مستوى العالم، ويتمتع بعدّة صفات كخليفة القديس بطرس، ونائب المسيح على الأرض، وأسقف روما، وبطريرك الغرب، ويلقّب أيضًا بالحبر الأعظم والأب الأقدس وصاحب القداسة، كما يلقّب أيضًا بسيد أو ملك الفاتيكان. وحسب المعتقد الديني المسيحي الكاثوليكي؛ بما أن بابا الفاتيكان هو خليفة القديس بطرس؛ فإن كل ما يحله البابا على الأرض يكون محلولاً في السماء، وكل ما يربطه في الأرض يكون مربوطًا في السماء، وذلك استنادًا إلى ما ورد في [إنجيل متّى 19/ 16]، وذلك بإلهام من روح القدس [إنجيل يوحنّا 24/ 16]، كما أن قراراته فيما يخصّ المسائل الدينية والإيمانية معصومة عن الخطأ وغير قابلة للنقض، ولا يمكن إلغاؤها. ويخاطب البابا الكنائس الكاثوليكية على مستوى العالم عن طريق الخطب والكلمات في المناسبات المختلفة، أما الصيغة الأكثر رسمية فهي الرسائل العامة، والتي تسمى أيضًا "البراءة البابوية" أو "المراسيم البابوية"، ويعلن من خلالها البابا عقيدة دينية أو أمرًا كنسيًا ما، وله أن يناقش من خلالها قضايا سياسية أو اجتماعية عامة. بابا الفاتيكان الحالي هو بنديكت السادس عشر، المنتخب مدى الحياة منذ 19 إبريل سنة 2005 ويدير وزير خارجيته علاقات الفاتيكان مع دول العالم المختلفة، عن طريق السفارات والبعثات الدبلوماسية، ويبلغ عدد دول العالم التي تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الفاتيكان 178 دولة، ومنها مصر، وتنتشر سفارات دول العالم لدى الفاتيكان في مدينة روما؛ نظرًا لضيق مساحة الفاتيكان. بابا الفاتيكان يريد أن يقود كنائس العالم أجمع بابا روما إذن هو زعيم أو قائد الكنائس الكاثوليكية على مستوى العالم، ودوره لا يقتصر فقط على إدارة الكنائس الكاثوليكية بالعالم، بل يقوم بإعادة تأسيس لدور الكنيسة الكاثوليكية عالميا، في محيطها الأوروبي، ومحيطها المسيحي، وأيضا محيطها العالمي.
تبيّن لنا لماذا يبرز دائمًا بابا الفاتيكان بتصريحاته التي يزدري فيها الأديان إذن فتصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر -والتي سبق ذكر بعض منها على رأس الموضوع- لا تتعلق ببعض الآراء التي تثير موجات من الاعتراض، بل تتعلق أساسا برؤيته حول دور الكنيسة الكاثوليكية وعقيدتها ورسالتها العالمية، التي تتضمن بالطبع نشر مذهب تلك الكنيسة ليكون هو المذهب المعتمد للمسيحية على مستوى العالم، من ثم فتصريحات بابا الفاتيكان -التي هاجم فيها الإسلام ومسيحية الشرق- تمثّل حلقة في المعارك الأساسية التي تستعدّ الكنيسة لخوضها، ليكون فكرها هو السائد وما عداه باطلاً!! وهذه المعارك لم تغب عن الغرب، كما لم تغب عنه فكرة رغبة بابا الفاتيكان في السيادة، ولكن تلك المعارك قد غابت في الفترة السابقة في عهد بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني، ليعود بها بنديكت السادس عشر، معلنًا أن التميز الحضاري من نصيب الكنيسة الكاثوليكية، ومن ثم فمسيحيّتها تتميز، ليس فقط على الإسلام، بل أيضا على أي مسيحية أخرى ليست غربية. مما سبق ربما تبيّن لنا لماذا يبرز دائمًا بابا الفاتيكان بتصريحاته التي يزدري فيها الأديان، ولماذا انتقد مصر، ولماذا يريد الوقيعة بين المسلمين والأقباط في مصر بتصريحاته تلك.