إذا كان الفن التشكيلي قد حَظِيَ بتقدير واسع في الماضي؛ فاليوم يحظى بتقدير أوسع في ظل العشوائية التي نراها على الساحة الفنية، بعد تفشي استخدام الفوتوشوب والبرامج الإلكترونية الأخرى في إبداع اللوحات أياً كان تصنيفها الأدبي. ووسط هذا الفن الراقي، يعتبر الفنان حسين بيكار مدرسة مستقلّة بحد ذاتها؛ فهو رائد مدرسة فنية خاصة بالصحافة في الوطن العربي؛ خاصة صحافة الطفل. ولد في الأنفوشي بالإسكندرية في 2 يناير 1913، وتخرج في مدرسة الفنون الجميلة العليا (كلية الفنون الجميلة اليوم)، وكان ترتيبه الأول على دفعته. وتلقّت تجربة بيكار في بداية حياته دفعة ثرية حينما انتُدب للعمل في المغرب ما بين عامي 1939 و 1942، وعند عودته من المغرب الشقيق عُيّن معيداً بالكلية، ثم رئيساً لقسم التصوير؛ ولكنه قرر أن يترك سلك التدريس والتفرّغ للعمل الفني الصحفي عام 1959. بدأ بيكار عمله الفني مستشاراً فنياً لمجلة "السندباد"، التي تعتبر واحدة من أهم المطبوعات الرائدة في مجال صحافة الطفل في تاريخ الصحافة المصرية، ثم أصبح أهم فنان في الوطن العربي يقوم بتصميم وإخراج الكتب العربية وتصميم أغلفتها. ومجلة "السندباد" - كما يتضح من اسمها- كانت تُقدّم مغامرات مصورة للسندباد، وكان بيكار هو المسئول عن هذه الأعمال؛ مما جعله يؤسّس التذوّق الفني والإحساس بالصورة لدى أجيال من الأطفال والشباب. وحينما قررت دار المعارف التوقف عن نشر مجلة السندباد، سارعت دار أخبار اليوم بالتعاقد مع بيكار حتى وفاته، وصمم الفنان بيكار أغلفة إصدارات أخبار اليوم على مدار عقود. ولم ينس بيكار أن يكون له نصيب في هذه المؤلفات؛ حيث صدر له العديد من المؤلفات؛ لعل أبرزها: "رسم بالكلمات"، و"لكل فنان قصة"، بالإضافة إلى "صور ناطقة". وإلى جانب الرسم، كان لبيكار هوايات أخرى فيما يخص الموسيقى الشرقية والغناء العربي، كما كان يكتب الرباعيات والخماسيات، من إبداعاته نقرأ: يا دنيا يا اللي كل يوم بتطوي صفحة من كراسي ومدوخة مركب اللي على بر القلق راسي يا دنيا اتهدّ حيلي من إدمان لعبة الكراسي يوم تشيلني الكراسي ويوم أنا اللي أشيلها على راسي وأيضاً نقرأ له: أمانة عليك يا نهار يا اللي اسمك بكرة تشيل الغل من النفوس العكرة وتخلص قلوب الناس من أي نية وفكرة تخليها تحسد أو تخليها تكره ونظراً لنقاء التذوق الفني لديه، كانت له بعض الكتابات النقدية في العديد من المجالات الإبداعية؛ فلم تتوقف أعماله النقدية عند حدّ مجال الرسم فحسب. وأثناء بناء السد العالي، أراد وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة تسجيل هذا الحادث التاريخي الفريد؛ فطلب من بيكار تسجيل أحداث نقل معبد أبو سمبل من مكانه القديم إلى مكانه الجديد بواسطة اللوحات الفنية المعبّرة. وقام المخرج العالمي جون فيني بإخراج هذه اللوحات في فيلم تسجيلي عالمي عن بناء السد العالي، وأصبح هذا الفيلم الذي يعتمد اعتماداً كاملاً على لوحات بيكار أكبر دعاية على مستوى العالم كله لمشروع النهضة المصرية الذي جرى بعد ثورة 23 يوليو 1952. وحصد بيكار العديد من الأوسمة، مثل وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1972، وجائزة الدولة التقديرية عام 1980، كما حصل في العام ذاته على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى. وكانت جائزة مبارك في الفنون عام 2000، مناسَبة قومية للاحتفاء بالفنان المؤسس حسين بيكار، وبعدها بعامين -وتحديداً في 16 نوفمبر 2002- رحل بيكار عن عالمنا، عن عمر يناهز 89 عاماً، بعد حياة حافلة ورؤية فنية لم تتكرر. حسين بيكار * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: