«آمنة»: خطة لرفع قدرات الصف الثانى من الموظفين الشباب    الحكومة: تعميق توطين الصناعة ورفع نسبة المكون المحلى    9 شهداء غالبيتهم أطفال إثر قصف الاحتلال لمنزل فى رفح الفلسطينية    البحرية المغربية تنقذ 59 شخصا حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية    خبير تحكيمي يكشف مفاجأة بشأن قرار خطأ في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    بطولة العالم للإسكواش 2024| تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة    طلاب الصف الثاني الثانوي بالجيزة يؤدون اليوم الامتحانات في 3 مواد    محمد رمضان وحكيم يغنيان فى حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    الآلاف يتظاهرون في مدريد دعما للفلسطينيين ورفضا للحرب في غزة    صفارات الإنذار تدوي في عسقلان بعد هجوم صاروخي    إسلام بحيري عن "زجاجة البيرة" في مؤتمر "تكوين": لا نلتفت للتفاهات    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    عاجل.. غليان في تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين واعتقالات بالجملة    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    "حشيش وترامادول".. النيابة تأمر بضبط عصام صاصا بعد ظهور نتائج التحليل    عيار 21 ينخفض الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 12 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    تعرف على أسعار خراف عيد الأضحى 2024    تفاصيل صادمة.. يكتشف أن عروسته رجلاً بعد 12 يوماً من الزواج    وزير الشباب والرياضة يفتتح البيت الريفي وحمام سباحة بالمدينة الشبابية في الأقصر    جهاز مدينة 6 أكتوبر ينفذ حملة إشغالات مكبرة بالحي السادس    عاجل.. الرئيس الأمريكي: إطلاق سراح الأسرى مقابل وقف النار في غزة    تفاصيل أكبر عاصفة جيومغناطيسية تضرب الأرض منذ 20 عامًا    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    "أشرب سوائل بكثرة" هيئة الأرصاد الجوية تحذر بشأن حالة الطقس غدا الأحد 12 مايو 2024    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    اعرف سعره في السوق السوداء والبنوك الرسمية.. بكم الدولار اليوم؟    أرخص السيارات العائلية في مصر 2024    تعرف على مواصفات التاكسي الطائر في موسم الحج 2024    وزير الخارجية التونسي يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    على الدين هلال: مصر تحملت الكثير فى القضية الفلسطينية ولم تنسق مع الاحتلال    هل يتأثر الزمالك بغياب شيكابالا أمام نهضة بركان؟.. حازم إمام يُجيب    خطأ هالة وهند.. إسلام بحيري: تصيد لا يؤثر فينا.. هل الحل نمشي وراء الغوغاء!    أحمد عبد المنعم شعبان صاحب اللقطة الذهبية في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    تخلص منها فوراً.. علامة إذا وجدتها في البطيخ فلا تأكله    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    «التعليم» تعلن حاجتها لتعيين أكثر من 18 ألف معلم بجميع المحافظات (الشروط والمستندات المطلوبة)    4 قضايا تلاحق "مجدي شطة".. ومحاميه: جاري التصالح (فيديو)    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    وزير ومحافظ و 2000 طالب في اختبار لياقة بدنية    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدير مكتب الجزيرة بالقاهرة (1): أصحاب المصالح يغذّون الصحف بالمعلومات بغرض التشهير
نشر في بص وطل يوم 26 - 12 - 2010


أعد اللقطات المصورة: دعاء الشبيني

عندما تراه للوهلة الأولى تشعر وكأن هذا الوجه المهيب قد أُثقل بسنوات من الخبرة والعمل الصحفي، فباتت له طلة ثاقبة تشعر معها على الفور بحجم الضيف الجالس أمامك، وسواء اتفقت أو اختلفت معه، فلن يسعك سوى الإقرار بأنه رجل الصحافة التليفزيونية الأول، بتقاريره الخاطفة للأعين، والتي تنقل الحدث ملتهبا، فتلهب به مشاعر المشاهدين، وبصوره التي ينقلها فتُغني عن سنوات وسنوات من الوصف والكلمات، تشرّب قواعد الصحافة المكتوبة حتى الثمالة، ثم مزجها بخبرة الصحافة التليفزيونية؛ ليخرج لنا بنموذج للمراسل الذي يعرف أين يريده المُشاهد أن يكون، وماذا يريد أن يسمع منه، عن مدير مكتب قناة الجزيرة في القاهرة لمدة 13 عاما متوالية حسين عبد الغني.. نتحدّث.
كنا قد نشرنا في التنويه الخاص بلقائنا اليوم جملة وردت على لسان الصحفي الكبير حسين عبد الغني:
"إن ما يحدث من إجراءات ضد الإعلام يهدّد المكتسبات الصحفية من حرية الرأي والتعبير التي تمّ الحصول عليها خلال السنوات الماضية؛ بل يُهدّد بالقضاء على آخر عناصر الصيغة الديمقراطية في مصر وهي حرية الرأي؛ حيث إننا ليس لدينا تعددية حزبية حقيقية ولا حرية تنظيم؛ فقط لدينا حرية في الرأي والتعبير؛ لكنها باتت مهددة الآن".
وليس هناك أفضل من هذه الجملة كي نستعملها كخيط أوّلي ننطلق منه، ثم نفتح المجال للمناقشة.
الإعلام والنظام و"قَرّاصة الودن الصيني"
عندما نتحدّث عن الإعلام لا بد أن نتناول السياسة؛ فالإعلام يُصنع داخل بيئة سياسية، وهذه البيئة إما أن تكون بيئة حاضنة وداعمة أو بيئة معيقة ومعطّلة، وحتى يمكننا توضيح حال السياسة المصرية وعلاقتها بحرية الرأي في مصر يُمكننا الاستعانة بقاموس الأمثلة الشعبية وبالرسوم الكاريكاتيرية.
فالنظام المصري ينطبق عليه مثل "العيار اللي مايصيبش يدوش"، و"اضرب المربوط يخاف السايب" أو "ورّي له العين الحمراء"، هي كلها أشياء يمكن أن تعبّر عن الطريقة التي يتعامل بها النظام مع حرية الإعلام، ومن خلال الرسم الكاريكاتوري يمكننا التعبير عن تعامل النظام مع الحريات، وتحديدا في فترة الانتخابات؛ وذلك لأن الرسم الكاريكاتوري ما زال يتمتع بهامش نسبي من الحرية، ويتوقّع أن ينقضّ عليه النظام قريبا، ويحضرني هنا كاريكاتور عمرو سليم في المصري اليوم عن العين الحمراء وقرّاصة الأذن الصيني؛ في إشارة إلى التضييق الذي يُمارسه النظام على حرية الرأي والتعبير.

هناك 20 مادة في قانون العقوبات الجنائية كلها ضدّ حرية الصحافة
عندما تكون الصحافة فريسة بين "أنياب القانون"
التشريع والقانون هو الآخر يُحدّد موقف النظام من الصحافة والإعلام، فضلا عن المناخ السياسي الموجود، ثم تقاليد الممارسة الصحفية.
وفي مصر هناك 20 مادة في قانون العقوبات الجنائية كلها ضدّ حرية الصحافة، وكلها مواد مطاطة كالتالي:
"الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي"؛ دون تعريف واضح للسلام الاجتماعي.
"مَن يدعو لتغيير مبادئ الدستور..."؛ مع أن الدستور عقد اجتماعي والأمم تُغيّره.
"مَن يدعو لتغيير طبقة اجتماعية على غيرها...".
"تكدير الأمن العام.. وتكدير السلم العام".
"إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
"إلقاء الرعب بين الناس".
"التحريض على نظام الحكم".
"عدم الانقياد للقوانين"؛ وبالمناسبة فالحكومة المصرية هي أكبر جهة لا تطبِّق الأحكام والقوانين، وتحديدا أحكام القضاء الإداري.
"توزيع أو لصق أو حيازة أو عرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات إذا كانت منافية للآداب العامة".
"إهانة رئيس الجمهورية"، "إهانة رئيس دول أجنبية لها بعثة دبلوماسية في مصر"؛ أي أنه فعليا لا يمكننا انتقاد أوباما على سبيل المثال.
"إهانة أو سبّ مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو إهانة المصالح العامة"؛ أي أننا لا يمكننا انتقاد مجمّع التحرير الذي قد نستغرق فيه يومين من أجل استخراج جواز سفر.
"سبّ موظف عام".
والقانون رقم 96 الذي يطلق عليه قانون سلطة الصحافة، يقيّد حرية إصدار الصحف وملكية الصحف، ويمنح المجلس الأعلى للصحافة سلطة الإصدار والترخيص والمنح والمنع، والغريب أن المجلس الأعلى للصحافة ليس مجلسا مستقلا، بل إنه مجلس أُصدر قرار بتشكيله، والغريب في الأمر أن رئيس المجلس الأعلى للصحافة هو نفسه رئيس مجلس الشورى، وهو رئيس لجنة الأحزاب أو التي يُطلقون عليها لجنة "منع الأحزاب"، وهو أيضا الأمين العام للحزب الوطني الحاكم، وكان وزير الإعلام في وقت سابق.
عندما تحوّل الصحفي لسجّان ومسجون في نفس الوقت
على الرغم من أن البيئة القانونية هي بيئة معيقة للعمل الصحفي، لكن مصر رغم ذلك وفي رأيي كانت تُعتَبر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة الدولة رقم 2 من حيث الحرية المتاحة بعد لبنان، وهذا بالطبع تقدير نسبي لا علاقة له بالمعايير الدولية المتعلّقة بحرية الصحافة، ونظرا لصغر حجم لبنان وبالنظر إلى أن مصر -وهي الدولة الكبيرة والمهمة- فيمكن اعتبارها في المرتبة الأولى فيما يتعلّق بحرية الرأي والتعبير، وليس في المرتبة الثانية.
والملاحظ هنا أن استخدام هذه الترسانة من القوانين تجعل الأمر يبدو وكأننا نعيش تحت حكم ديكتاتوري كفرانكو، ولكن الهدف الحقيقي منها -أي القوانين- هو تصدير العين الحمراء للصحفيين، وأن يكون الصحفي مدركا على طول الخط أنه قد يقبض عليه على يد عسكري على سبيل الاشتباه، هذه التعبيرات المطاطة المستخدمة في القوانين تستخدمها الدولة بين الحين والحين، وينتج عنها ما يقال عنه "الرقابة الذاتية داخل الصحافة"، وهذا النوع من الرقابة هو أخطر أنواع الرقابة.
ومن كان منكم يُتابع جريدة المصري اليوم وجريدة الدستور "المغدورة" وبرنامج العاشرة مساء، ويقارن بين تغطيتهم لانتخابات 2005 وانتخابات 2010 سوف يُلاحظ الفارق الكبير، وحتى قناة الجزيرة كان هناك إجماع على أن تغطيتها لانتخابات 2010 كانت أقل بكثير مما سبق.
المعايير المهنية هي ضمير الصحفي.. وليس السياسة التحريرية
إذن كيف يمكن للصحفي أن يوازن بين ضميره الصحفي وبين خطوط السياسة التحريرية الحمراء؟
ما دمنا تطرّقنا في حديثنا إلى الاستقلالية؛ فيجب عليّ هنا أن أُوضّح لبسا فيما يتعلّق بهذا المفهوم؛ فكثير من أقطاب المعارضة يعتقدون أنه عندما تكون مستقلة عن الحكومة فهي بالضرورة تنتمي إلى المعارضة، وبالتالي عندما يتم فضح أخطاء داخل جماعة الإخوان أو الحزب الناصري فيظنون أنك تنتمي إلى الحكومة، وكثير من أصدقائي من داخل جماعة الإخوان المسلمين يطلبون مني أن أُعطيهم مساحة تعبير أكبر من تلك التي أعطيها إلى الحكومة والحزب، وبالتالي هم لا يستوعبون أنني أسير على قواعد ومعايير مهنية تسري على الطرفين، وأنني مستقل عن الحكومة وعن المعارضة أيضا، وعن المؤسسة التي أعمل فيها كذلك؛ فالصحفي يكتب ما يُمليه عليه ضميره ما دام لم يُخالف السياسة التحريرية المتّفق عليها.
أما المقصود بالسياسة التحريرية؛ فهي تلك المبنية على ما يمكن وصفه code of conduct أو قواعد الممارسة المهنية، فهناك نوع من أنواع مدوّنة السلوك الإعلامي في هذه المؤسسة التي تلزم الصحفي بمعايير معينة، مثل دقة المعلومات وتدقيقها من أكثر من مصدر، وعدم دفع مقابل مادي للحصول على المعلومات، وعدم إدخال الإعلان في المادة الخبرية، وما دام الصحفي يلتزم بهذه القيود فلا يمكن للمؤسسة التابع لها أن تعترض عليه، وبالتالي المخالفة هنا تكون للقواعد المهنية، ولا علاقة لها بأي حسابات سياسية لحكومات أو غيره، وبالتالي ليس هناك ما يُسمّى سياسة تحريرية تُلزم الجزيرة مثلا بأن تسبّ جميع الدول العربية فيما عدا قطر، وهذا يُسمّى إعلاما خاضعا لجهة معينة، وهذا لم يحدث معي بالمناسبة.

إضغط لمشاهدة الفيديو:
الصحف تعتمد على أصحاب المصالح في الحصول على المعلومات

البرازيل سبقتنا في حرية تداول المعلومات
إضافة إلى البيئة المعيقة للعمل الصحفي من الناحية التشريعية، فنحن من ضمن بلاد قليلة جدا في العالم لا تمتلك قانونا لحرية تداول المعلومات، عكس دول مثل البرازيل والمكسيك والهند مثلا والتي تمتلك هذا القانون بالفعل، وهو بالمناسبة قانون يخصّ المواطن وليس الصحفي فحسب، بل وحق لأي إنسان يقيم على هذه الأرض أن يحصل على أي معلومة من أي مكان، ويمكن استيضاح ذلك من خلال سرعة إنجاز المصريين لرسائل الماجيستير والدكتوراة الخاصة بهم من الخارج بفضل هذا القانون.
الأسوأ من عدم إصدارنا لقانون تداول المعلومات هو وجود ما يزيد على 20 قانونا يُجرّمون الحصول على المعلومة، فكل الدول المتقدّمة بَنَتَ تقدّمها وتطوّرها على ثلاثة أعمدة:
1- حرية الإعلام وتداول المعلومات.
2- حرية التنظيم.
3- القضاء المستقل.
والأصعب مِن كل ما سبق أن مسألة تراخيص القنوات تخضع لإرادة جهات إدارية تابعة للحكومة، وتحديدا المركز الصحفي للمراسلين الأجانب في مبنى التليفزيون التابع للهيئة العامة للاستعلامات التابعة بدورها لوزارة الإعلام، أما في الخارج فيكون الترخيص من خلال جهات مستقلّة، تضمّ إعلاميين وقضاة وشخصيات عامة، وإذا حدث وتم رفض منح هذا الترخيص فيتم اللجوء للقضاء المستعجل؛ ليفصل في هذه المسألة في غضون يوم أو اثنين.
الصحف تعتمد على أصحاب المصالح في الحصول على المعلومات
إذن ما دام انتشار المعلومات في مصر منعدما بهذا الشكل، فكيف يتم إذن تسريب هذه المعلومات إلى الصحافة والإعلام؟
ويؤسفني أن أقول إن الأمر كله يتعلّق بدوافع المصالح وليس بالدوافع الوطنية، وأعني بذلك أن بعض الأطراف لها مصالح في كشف فساد أطراف أخرى منافسة فلا تلجأ للقضاء في هذه الحالة بل تلجأ للصحافة والإعلام وتمدها بالمعلومات، وأحيانا بالوثائق عن عمليات بيع غير قانونية لأصل من أصول الدولة؛ مثل: الخصخصة ومشكلة الغاز الطبيعي.. إلخ.
النقطة الثانية أنه مِن بين عامي 2000 و 2001 نشأ داخل الحزب الوطني ما يُسمّى بالحرس الجديد، فكان هناك تناقض بين تيار يسعى لإعادة صياغة الحزب بطريقة ما، وكان يعتقد أن جزءا من مصلحته هو إعادة إحياء السجال العام في مصر، وبالتالي بدأنا نسمع عن الجدل داخل أروقة الحزب، فبعض الأطراف داخل الحزب من مصلحتها الاستفادة من قوة الإعلام في كسب هذا السجال الدائر، وبالتالي فالتدفّق المعلوماتي خلال الأعوام الأخيرة كان تسريبا متعمّدا.
ثالثا ما يمكن وصفه بملاحظات على الأداء الحكومي لمؤسسات الدولة، فنجد أن بعض المؤسسات ترى أن عملية الخصخصة أضرّت بالمصلحة الوطنية؛ فتسرّب للإعلام معلومات تُلقِي الضوء على مدى عدم الشفافية في إجراء هذه العمليات.
11 سبتمبر فتحت هامشا للحرية في مصر
رابعا وبالإضافة إلى كل ما سبق جاءت التغيّرات التي حدثت بعد عام سبتمبر 2001، فكانت هذه الحادثة هي أسوأ ضربة تتعرّض لها الولايات المتحدة بعد واقعة بيرل هاربر، فقد أدرك الأمريكيون أن مَن قاموا بتنفيذ هذه الهجمات هم شباب ينتمون إلى دول ومجتمعات تديرها حكومات متسلّطة تمارس عليهم القهر، فيتحوّلون إلى متشددين ينفّسون غضبهم في الغرب، وهذا ما يُفسّر مشاريع الشرق الأوسط الكبير وغيرها من المشروعات.
وبالتالي كان الحل أمام الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة في الضغط على هذه الحكومات؛ من أجل المضي قدما في مسألة تحقيق الديمقراطية، وهذه الضغوط كانت سببا في فتح قدر معقول من الانفتاح وظهور المحطات الفضائية والصحف.
إذن أصبح لدينا 4 مصادر: صراع المصالح الاقتصادية، وملاحظات مؤسسات الدولة على بعضها البعض، زالصراع والتنافس داخل الحزب الوطني، وخاصة بعد بروز دور لجنة السياسات في الحزب الوطني، وأخيرا الضغوط الأمريكية والأوروبية لفتح هامش الحرية في دول العالم الثالث.
كل هذه العوامل مجتمعة جعلت هناك مناخا أفضل لتداول المعلومات، ولكنها تظلّ معلومات ناقصة وتُسرّب لأغراض مُعَيّنة، ولهذا هناك جدل في المجتمع المصري وهناك حياة حقيقية، نحن أمام مجتمع حي يخرج منه يوما بعد الآخر مواهب وناشطون ومخترعون، وقد استقبلت بنفسي مئات الشباب المخترع لا يجد من يرعاه، وهذا القدر من توارد المعلومات أعطانا صورة.. صحيح أنها صورة ناقصة ولكنها معقولة عما يحدث داخل الحزب الوطني واجتماعات مجلس الوزراء وغيرها الكثير.

واقرأ أيضاً
حسين عبد الغني مدير مكتب "الجزيرة" (2): إذا قبلت الجزيرة مهاجمة أمير قطر قد أقبل أنا مهاجمة مبارك
حسين عبد الغني مدير مكتب "الجزيرة"(3): صخرة الدويقة وقطار الصعيد كانا أصعب ما غطيته في الجزيرة

إضغط لمشاهدة الفيديو:
إضغط لمشاهدة الفيديو:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.