أنا باكتب لكم بعد ما الدنيا ضاقت بيّ وشايفاها زي خرم الإبرة.. مش عارفة أبدأ منين ولا أنا أصلاً عارفة أنا عايزة منكم إيه. في البداية أحب أعرّفكم بنفسي.. أنا بنت من عيلة محترمة جداً وميسورة الحال والحمد لله، والدي ووالدتي ناس أفاضل؛ بس بجد أنا ما أستحقش أتنسب ليهم.. أنا حاسة إني ابتلاء وجالهم.
أنا لحد فترة مش بعيدة كنت إنسانة ملتزمة جداً ومتفوقة دراسياً أوي، وكانوا بيفتخروا بيّ، وكنت قريبة من ربنا، كنت باحفظ قرآن وباصلّي بانتظام وبأؤدي كل فروضي لحد ما الحال اتبدّل تماماً ما بقيتش باركعها أصلاً، وبافتح مواقع إباحية على النت، وبانمّ وباغتاب، ووصل الأمر إني كنت بامدّ إيدي على حاجة غيري (باسرق يعني)؛ مع إني مش محتاجة، وبدأ مستوايا الدراسي ينزل بس مش كتير أوي.
ومع كل اللي عملته ده فضل ربنا ساترني؛ بس أنا كنت غرقانة في المعصية، وما خدتش بالي من كل الإنذارات اللي ربنا بعتها لي لمدة 3 سنين تقريباً؛ بس طبعاً ربنا يُمهل ولا يهمل؛ لحد ما اتعمل لي محضر غش في امتحان ما فُقتش غير ساعتها.. شفت الدنيا كُحلي في عينيّ، لقيت لساني غصب عنه بيقول "يااااارب".. ياااااه ده أنا من زمان ما قلتهاش، ما افتكرتهوش غير في مصيبتي؛ أنا الإنسانة الملتزمة اللي كل الناس كانت بتحلف بأخلاقي وتربيتي أوصل للحال ده؟!
مش ناسية منظر أبويا وأنا لأول مرة أشوف الدموع نازلة من عينيه وأمي مش قادرة تنطق، من كسرتي ليهم وطّيت على رجل أبويا أبوسها عشان يسامحني على اللي عملته فيهم، بعد ما كنت رافعة لهم راسهم أنا اللي وطيتها دلوقتي؛ ربنا فضحني قدام كل الناس؛ لأن عيلتي كلها عرفت، ودي حاجة عمرها ما حصلت عندنا وعرفت إن القرار متوقّف علي رأي الدكتور بتاع الماده كمان يومين.
اليومين دول أنا قعدتهم رافعة إيدي لربنا عشان يسامحني وينقذني من اللي أنا فيه ما سيبتش دعاء غير لما قلته، تُبت وندمت على كل اللي عدا؛ بس مش عارفة ليه ربنا ما استجبش، يمكن عشان أنا لو ما حصلتليش المصيبه دي ما كنتش افتكرته.
أنا مش عارفة مصيري إيه دلوقتي، بالميّت خالص أنا هاشيل المادة دي، ده لو ما شلتش الترم كله، بعد ما كنت باجيب تقدير وعمري ما كنت أتخيل إني ممكن أشيل مادة.
دلوقتي أنا حاسة بيأس عمر ما حد ممكن يتخيله.. أنا بعد ما كنت إيه بقيت إيه؛ ده غير إني مش عارفة هارفع رأسي إزاي.. حاسة إن الأمل الوحيد عشان كل ده يخلص إن ربنا ياخدني؛ بس مش قادرة أدعي بيها عشان عارفة هاروح له إزاي بذنوبي دي كلها، ومهما كان؛ فعذاب الدنيا أهون بكتير من الآخرة.
أنا مش عارفة إنتوا ممكن تعملوا لي إيه؛ بس أنا ما كنتش عايزة غير إني أحكي عشان أنا تعبانة.. كل اللي عايزاه إنكم تدعوا لي بجد إن ربنا يهديني للطريق المستقيم، ويفرّج كربي وهمّي ويسترني عشان أنا ماليش غيره.
korn fliks
بداية اسمحي لي عزيزتي أن أحدّثك كما أحدّث أختي؛ فأنا لي أخت في مثل سنّك تقريباً، واسمحي لي أن أشكر لك ثلاثة أمور، وأذكّرك بثلاثة، وأنصحك بثلاثة.
أما الثلاثة الأوائل؛ فأشكرك على تمسّكك بالله عز وجل الظاهر في كل جملة تحمدينه فيها، وتطلبين منا الدعاء لك بالهداية، ليس هذا فحسب بل وباعترافك بذنوب قُمتِ بها وأرهَقَتْك، وأيقَظَت نفسك اللوامة التي أقسم بها الله في كتابه الكريم.
الثانية: أشكرك على احترامك لوالديك الكريمين؛ فبعطفهما وقربك منهما يمكنك فعل الكثير.
الثالثة: أشكرك على الثقة فينا واللجوء ل"الفضفضة"؛ فهي جزء كبير جداً من حل العديد من المشكلات؛ بشرط الاختيار الصحيح لمن سنلجأ لهم، وأدعو الله أن تجدي في حديثي معك ما يُريح قلبك.
وأذكّرك صغيرتي بأن من أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى "الرحمن الرحيم"؛ إذن فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله، وهو التواب الغفور؛ أي مهما اقترفنا من ذنوب وجئناه نادمين تائبين؛ فباب التوبة مفتوح في استقبال زوار الليل والنهار.
وبالنسبة لظنك أن الله لم يسامحك لأنه لولا حدوث المشكلة لما تذكّرتيه؛ فأرى أنك مخطئة تماماً، وأن الله لو لم يكن راضياً عنك لما حدثت لك المشكلة منذ البداية، ولكان تركَك في طريق الشر؛ ليس لثلاث سنوات بل لآخر العمر؛ إلا أنها عثرة وقعت فيها كما يقع فيها كثيرون جداً، ولك حق الاختيار بين الاستمرار أو العودة لله؛ ألا تذكرين قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}؛ أي يترك المنافقين على طريق الضلالة ويطيل في أعمارهم حتى يزيدوا في الطغيان فيزيد في عذابهم؛ ولكنه عزّ وجل لم يتركك على طريق الضلالة، وأرسل لك عدة رسائل تحذيرية لم تستجيبي لها؛ فأوقعك في مأزق كبير لتعودي للطريق الصحيح، وهذا والحمد لله ما حدث.
أما كونك تنتظرين أن تُعيدي السنة أو المادة؛ فهذا في رأيي هو الابتلاء؛ أي الاختبار والتكفير عن ذنوبك التي اعترفتِ بها.. وهنا أذكّرك بأن أعظم المبتلين هم الأنبياء والصديقون والصالحون، وأن خير الخطائين التوابون؛ فليس عيباً أن يخطئ المرء؛ ولكن كل العيب أن يتمادى في خطئه وهو يعلم، ومن نِعَم الله علينا أنه هو الغفار يغفر كل الذنوب إلا الشرك به جلّ وعلا.
فاصبري على هذا الابتلاء وتقبّليه بصدر رحب ونفس راضية؛ لأنها فترة وستمرّ بإذن الله، والباقي هو قربك وعودتك للطريق الصحيح الذي نشأت عليه.
أما بالنسبة للناس ونظرتهم؛ فلا بد أن تعي أن المؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف؛ فكوني قوية فخورة بعودتك للطريق الصحيح، واعلمي أنك بإذن الله أفضل من أناس يرتدون أقنعة الزهد والصلاح، وقولي للجميع بثقة الفتاة المؤمنة: يا رب تكونوا أفضل مني وتعترفوا بذنوبكم وتتوبوا عنها، و"من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحَجَر".
عزيزتي.. هل سمعتِ بالعلاج بتعديل أسلوب الحياة؟ إنه نوع من أنواع العلاج النفسي؛ لكنه لا يعتمد على تناول العقاقير الطبية؛ بل على التعرّف على المشكلة أو السلوك الخاطئ الطارئ على حياتنا وجعلنا نسلك سلوكيات أو نتخلق بأخلاق ليست فينا كما حدث معك.
أنت والحمد لله من أسرة طيبة ومستوى اجتماعي وعلمي واقتصادي جيد.. أنصحك بالبحث في خبايا نفسك: فهل أنت راضية عن شكلك ومظهرك ودراستك؟ هل طرأت عوامل جديدة في حياتك، مثل أن وقعت في مشكلة مع أحد صديقاتك؟ وهل هن نفس صديقات الماضي أم أن هناك بعض الصديقات الجدد أثّرن على شخصيتك سلباً؟ هل وقعتِ في مشكلة عاطفية؟ أو فقدت شخصاً عزيزاً عليك؟ أو هل كان أبواك ملتزمين جداً لدرجة أدت لنتيجة عكسية مع فتاة في سنك الصغيرة؟ ماذا عن خبراتك في الحياة، وهل لك أخت أو إنسانة قريبة من سنك تثقين فيها وتتفهم مشاعرك كأنثى؟
صغيرتي ضعي يدك على السبب؛ فالإنسان طبيب نفسه، وإن لم تتمكني فليس من العيب أن تطلبي من والديك الكريمين -وأتمنى أن تكون والدتك صديقتك الأولى والأخيرة- اصطحابك لطبيب نفسي أو أخصائي تعديل سلوك، ولا تقولي "يا نهار أبيض، طبيب نفسي!"؛ فأغلب شعب مصر -وخاصة صغار السن والمراهقين- بحاجة لأخصائي نفسي أو سلوكي.
كما أنصحك بالثقة في نفسك، وبعدم التحدّث عن مشكلتك أو عن حياتك الخاصة مع من لا تثقين فيهم، وإذا أمكنك تغيير الجامعة برغم صعوبة ذلك يكون ذلك أفضل، ولا تدافعي عن نفسك أمام أحد، أو تستجدي أحداً بطلب استمرار صداقة؛ لأن ذلك يُشعرك بالذنب أكثر.
وفي البداية والنهاية يكفيك سجّادة صلاة، وقلب خاشع، ورب راضٍ.. وتذكّري أنه لولا حب الله لك لما استرجعك للطريق الصحيح ولتركَك، كما هو الحال مع ملايين سينكشف سترهم يوم لا تقبل منهم توبة ولا اعتراف بذنب.