السلام عليكم.. أنا أعمل بالخارج منذ عامين، متزوج وعندي بنت عمرها أربع سنوات، زوجتي كانت تحبني بدرجة لم ولن يتخيلها أحد لأني لا أستطيع أن أصف حبّها لي بالكلام. فكّرت في السفر لأستطيع الحصول على شقة تمليك بدلاً من الإيجار المرهق.. أخذت رأيها في السفر ووافقت على سفري.. أحسست بتغيير من ناحيتها بعد سفري؛ فلم تعد تعطيني رنّات من جوّالها كل ساعة طول اليوم، ولم تعد تُرسل لي رسائل حب وغرام، وعندما كنت أسألها عن أسباب التغيير كانت تقول إن هناك أشياء لا أعرفها تحدث من أهلي وهي لا تريد أن تُزعجني بالمشاكل. ولكن الموضوع تطوّر بشكل كبير.. أصبحت تعطيني رنّة واحدة في اليوم، وكانت تكلّمني ببرود شديد؛ مما أثار شكوكي نحوها.. حدثت مشاكل كبيرة وطلبت مني الطلاق.. اعتذرت لها على أشياء لم أفعلها وبكيت لها حتى ترجع عن قرار الطلاق من أجل ابنتنا الوحيدة، وكانت ترفض. ظلّت الأمور هكذا شهوراً طويلة وأنا في عذاب، إلى أن قَرُب موعد رجوعي لمصر، طلبت منها الاعتذار فرفضت، هددتها أن أبلغ أهلي وأهلها عمّا بَدَر منها؛ فكانت تضحك بسخرية.. وفعلاً نفّذت ما أخبرتها بة، فكانت غلطة عمري؛ طبعاً كل أهلي كرهوها وقاطعوها، وعند عودتي لمصر الكل كان ينتظر مني الانتقام، وأنا كنت مصمماً على الطلاق لاسترداد كرامتي. بكت واعتذرت وبلّلت دموعها قدمي؛ فسامتحها؛ ولكن المشكلة أن أهلي عرفوا المشكلة من البداية، والكل ينتظر ردّ الكرامة؛ ولكني لم أفعل شيئاً لحبي الشديد لها، ولخوفي على بنتي الوحيدة نور عيني. أنا الآن خارج مصر وسأعود بعد أربعة أشهر بإذن الله.. مشكلتي مع أهلي أنهم ينظرون لي نظرة المهزوم المغلوب على أمره، نظرات لا أتحمّلها ولا أعرف ماذا أفعل.. أرجو الردّ. r.m تبدأ مشاكل الزوجين غالباً عندما يعرف شخص ثالث ما يدور بينهما من حب أو كراهية, ويصبح هذا الآخر مسيطراً على حياتهما الزوجية رغماً عنهما.. ومشكلتك دليل صارخ على صحة هذه المقولة؛ فواضح جداً من رسالتك أن زوجتك تحبّك بجنون؛ حتى عندما طلبت منك الطلاق, أو كلّمتك ببرود أو بسخرية. فهي حيلة لا شعورية منها لاستردادك من غُربتك التي لم تحتملها هي.. وهذه الحيلة في علم النفس تُعرف ب(الإنكار)؛ حيث يُنكر الشخص -دون وعي منه- التجارب الشعورية التي أدّت به إلى الإحباط؛ فلقد وافقت هي على سفرك من منطلق العقل والمنطق، ولكن مشاعرها تأبى ذلك. ومن الواضح أن مشاعرها تجاهك قوية جداً، وفعلت فعلها في لا شعور هذه المسكينة؛ فخرج عليها هذا اللاشعور اللعين بحيلة "الإنكار"؛ فأنكرت حبك وأنت بعيد عنها، بالإضافة إلى مشكلاتها مع أهلك بمفردها، وتحمل مسئولية الأسرة بمفردها, ولم تستطع الرنّات والمكالمات خفض توتّرها أو التخفيف من إحباطها؛ فأنكرت حبك وأنت بعيد عنها،.. ومجرّد أنك عُدت إليها فقد انتصر الحب (الشعور) وتلاشى فعل اللاشعور (إنكار الحب).. وبكت، وطلبت منك أن تُسامحها, وبما أنك أنت أيضاً تحبها فقد سامحتها، وأصبحت مشكلتك في النهاية هي الانتصار لموقفك أمام أهلك، وهو ما يؤجّج نار الصراع بينكما. وأنت لم تحدد في رسالتك من هو هذا الآخر الذي يحرص على هدم أسرة، وكيف يكون تأثيره عليك بهذه القوة التي تُشعرك بالهزيمة إذا لم تخرب بيتك وتهدم أسرتك وتحطم قلبك وقلبها المملوءان بكل هذا الحب النادر الذي لا يعوّضه حب أي فرد آخر لك. وأنا أتحفّظ على أن يكون محرّضك على الطلاق يحبك أو يحب لك الخير أساساً؛ فهو يغار من حبكما لبعضكما؛ هذا الحب الذي من المحتمل أنك تباهيت به من قبل، وحكيت عنه للآخر الذي حسدكما عليه (شعورياً أو لاشعورياً) وتمنّى تحطيمه.. وها أنت تريد أن تحقّق له أمنيته على طبق من ذهب بشعورك بالعذاب بعد السعادة وبالهزيمة والانكسار بعد المباهاة بالحب. فلو لم يعلم هذا الآخر ما يدور بينكما في عشّ الزوجية -خيره وشره- لما شنّ عليكما هذه الحرب النفسية التي سوف تُطيح بهذا البيت العامر بالحب. تعالَ معي نحلل شخصية هذا الآخر الذي تشعر أمامه بالهزيمة والانكسار إذا كانت امرأة: بعض النساء يرغبن في السيطرة والاستحواذ على الابن والزوج والأخ، وتعتبر أنهم ملك خاص لها و"يا ويل" من تقترب من واحد من هؤلاء؛ فإنها تُقيم الدنيا ولا تُقعدها؛ فإذا أتت الزوجة التي تخطف اهتمام الابن أو الأخ تُقام ضدها حرب ضروس مثل التي أُقيمت ضد زوجتك في غيابك. إذا كان رجلاً: بعض الآباء أيضاً يرغب في السيطرة على الأسرة الجديدة ويضمّها تحت لوائه، وإذا قاومت الأسرةُ الصغيرة يُقيم حرباً ويتّهم الابن بالخنوع وعدم الرجولة والانصياع لزوجته.. وبعض الإخوة الذكور يغارون من إخوتهم لافتقادهم للحب الذي وجدته أنت مع زوجتك, ويعملون على هدم سعادة غيرهم.. والمقولة السائدة "إنت مش راجل.. طلّقها.. ربّيها.. اكسر نفسها"، والمستهدف في النهاية هو تقويض سعادتك وهدم حبّك الذي تباهيت عليهم به؛ مما أربك تفكيرك وجعلك تنظر إلى زوجتك ولم تنظر إلى رغبات ومشاعر هؤلاء. تخلّص فوراً من شعورك بالهزيمة والانكسار.. وذكّر هذا الآخر بأن زوجتك مجنونة بك, وفراقك أفقدها صوابها.. ومهما كان من زلّات لسانها فهي محبوبتك وزوجتك وأُمّ ابنتك، وكلامها في الحب معك، وبكاؤها وندمها وتمسّكها بك عندما رأتك أمامها دليل قوي على حبها الطاغي لك. والنفوس القويّة فقط هي التي تقدر على التسامح.. تمسّك بزوجتك, وكن قوياً في مواجهة هذا الآخر، ولا تضعف أمام رغباته الشريرة التي سوف تقف مُنتصرة على أنقاض حبك وأسرتك.