أسماء مصطفى تحدثنا في الحلقة السابقة عن غرائبية دالي في حياته والظروف التي مر بها في طفولته المبكرة وساهمت في تشكيل شخصيته المتطرفة والمجنونة، اليوم نفرد المساحة للحديث عن شباب دالي وقصة زواجه من ملهمته جالا. "إيلينا ديماكونوفا" فتاة روسية جاءت إلى فرنسا دون عائلتها عام 1913 وهي لم تتجاوز ال19 من عمرها، كانت مريضة بالسل، أقامت في مصحة للعلاج لفترة، ثم بعد 4 أعوام التقت بالشاعر بول إليوار وتزوجته لفترة إلى أن تركته من أجل عشيقها الفنان ماكس أرنست، ذلك على الرغم من أن بول كان يعشقها حتى الجنون وكتب فيها قصائد يقول فيها إنها ستبقى زوجته حتى آخر العمر. ارتبطت إيلينا بدالي عام 1929 وعاشا معا دون زواج بسبب إجراءات الكنيسة الصعبة، حيث سبق لإلينا الزواج، استغرقت إجراءات الكنيسة 5 أعوام، حتى تم زواجهما عام 1934 زواجا كاثوليكيا في الكنيسة. واشتهرت بعدها باسم جالا دالي، كان في جالا شيء غامض يدعو الرجال لعشقها بهذا الشكل، رغم أنها لم تكن أنثى فائقة الجمال، لكنها في الحقيقة كانت ملهمة لثلاثة فنانين، شاعر ورسامين، للدرجة التي جعلت دالي يقول فيها: "إن كل رسام جيد يريد أن يكون مبدعا وينجز لوحات رائعة، عليه أولا أن يتزوج زوجتي". أثّرت جالا في حياة دالي بشكل لا يمكن نكرانه على المستوى الشخصي حتى، من المعروف أن جالا كانت تكبره ب10 أعوام، أي أنها كانت الزوجة الأم، والبعض يؤكد أن سبب عشق دالي لها كان بسبب أنه فقد والدته في سن صغيرة وكانت جالا تعوضه عن ذلك، لكن دالي ينكر هذا، ويرى أن سبب تعلقه بجالا هو أنها امرأة ذكية وطموحة وتتمتع بروح الشباب حتى مع تقدمها في العمر. ظهر تأثير جالا الواضح على دالي في أعماله الفنية، حيث حرصت على منع تخيلاته المتطرفة في الحياة والفن خوفا من أن تصبح حالة مرضية، وكان حرصها الدائم عليه واهتمامها الحقيقي سببا في ازدياد جاذبيتها في عيون دالي وتأجج عشقها في قلبه، لدرجة أن دالي كان يوقع بعض اللوحات باسمه واسم جالا معا، وتحولت جالا مع الوقت إلى مديرة علاقاته العامة والمسئولة عن تسويق منتجات دالي. ربما يتساءل البعض عن "منتجات دالي"، وهل لدالي منتجات غير لوحاته؟ الحقيقة أن دالي كما تعرفنا عليه من قبل كان شهوانيا محبا للمال للدرجة التي جعلت أندريه بريتون يشكّل من حروف اسمه لقبا له معناه "جشع الدولارات" أو Avida dollars بالإسبانية، ذلك جعل دالي يتعلم كيف يستغل فضائحه كترويج صور لعلاقته الخاصة مع زوجته، واستفزازته بلوحاته التي صور فيها هتلر في أوضاع نسائية، واستغل ذلك في مشاريع تجارية مربحة، كما أن لدالي نشاطات فنية أخرى غير الرسم، ككتابة القصص والأفلام الغريبة التي سنذكر أحداثها تفصيليا في حلقات قادمة، كما أن دالي اتجه إلى مجال الإعلانات التليفزيونية في فترة ما، وله إعلان شهير لنوع من الشيكولاتة. مرة أخرى نعود لجالا وتأثيرها على دالي، المرأة التي استطاعت أن تمسك الشعرة الفاصلة بين عبقرية دالي وجنونه، ويقول المحيطون بدالي إنه لولا جالا لرأينا دالي يتجول في الشوارع بحثا عن قوت يومه، ويرسم لوحات لا يراها أحد، لكن جالا هي التي وظّفت جنونه بالشكل الذي استخلصت منه طاقات الجنون لدى دالي وجعلت من نفسها العقل الذي يحميه من السقوط في بئر الجنون الحقيقي. توفيت جالا دالي عام 1982 إثر إنفلونزا حادة، ودفنت في الأرض التي أهداها لها زوجها، قيل إن دالي حاول بعدها الانتحار، حيث احترق ذات مرة في غرفة نومه في ظروف مريبة، لكنه نجا ولم يمت حينها، وظل دالي وفيا لذكراها إلى أن لحق بها بعد 7 سنوات من موتها. أفردنا الحديث اليوم عن جالا وتأثيرها على دالي، وسنفرد المساحة المرة القادمة لفن دالي وجنون لوحاته وأفلامه.
سلفادور دالي وزوجته جالا * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: اقرأ أيضا: غرائبية دالي في حياته قبل لوحاته سريالية دالي.. للجنون أصول!