بعد ثلاثة عقود ونصف عقد من مغامرتها القصصية والروائية المثيرة، التي فتحت الباب على مصراعيه للأدب الإيروتيكي، وصخب الحياة والصداقة مع أبرز كتّاب القرن العشرين، وكتابة مجلدات من اليوميات الجريئة، وضعت الكاتبة الأميركية، فرنسية المولد، أناييس نن خلاصة تجاربها في كتاب أسمته “رواية المستقبل” عام 1968. قدمت الكاتبة الأميركية أناييس نن في كتابها “رواية المستقبل” مقاربة لطبيعة العملية الإبداعية الخاصة بكتابة الرواية، وسلّطت الضوء على الآفاق الجديدة التي يمكن أن يبلغها هذا النوع الأدبي، مكتشفة أبعادا جمالية جديدة، وأعماقا إنسانية مجهولة، وطرقا في الإبداع الجديد توازي اكتشافات العلم الحديثة. يتضح لقارئ هذا الكتاب، الصادر حديثا عن دار أزمنة في عمّان، بترجمة الناقد السوري محمود منقذ الهاشمي، أن أناييس نن قد استوعبت روح العلم الحديث ومعطياته ونتائجه في النّمو الخلوي، والنسبية، وعالم النبات، والتفاعلات الكيميائية، ومبادئه، خاصة مبدأ الاحتمالات فيه. وهي لا ترى سببا للنزاع بين العلم والفن، مؤكدة أن الرواية العلمية الجيدة ترينا عالم الغد قائما على الاحتمالات العلمية، والرواية الاستكشافية الجيدة ترينا إنسان الغد، الإنسان الذي قد تكونه، قائما على الاحتمالات السايكولوجية، وإننا لن نستطيع أن نألف العالم الحديث ضمن أنفسنا إلا إذا نزعنا خوفنا من استكشافه، ولذلك فالتحليل النفسي يُثري رؤية الكاتب، وقد أثرى بالفعل رؤية من أقبل عليه واستفاد منه، وتستشهد برفض كافكا التحليل النفسي، فظلّ حبيسا في عالم ضيّق من الكوابيس. وقبله هيرمان هيسه، فاتّسع خياله. فالخوف لا يحفظنا إلا من الأعماق. ينبئ كتاب “رواية المستقبل”، كما يقول مترجمه، عن دراية أناييس نن العميقة بالتحليل النفسي، بل كذلك عن بصيرة سايكولوجية لديها. وقد أخذت التحليل النفسي مباشرة عن المحلل النفسي أوتو رانك، وعلى نحو غير مباشر من دراستها لعدد من أقطاب التحليل النفسي أمثال كارل غوستاف يونغ، الذي تعلّمت منه الانبثاق من الحلم إلى الحياة، إلى الواقع، ومصطلحي عالم النهار وعالم الليل للدلالة على عالمي الشعور واللاشعور، ومفهوم العاشق- الشبح، الذي يراود بعض النساء ويمنعهن من الحب. ومن تأثيرات أريك فروم في الكاتبة “العلاقة التواكلية”، وهي علاقة قائمة على الخضوع والسيطرة، باتّحاد ذات فردية واحدة بذات أخرى (أو أي سلطة خارج الذات) بطريقة تجعل كل طرف يفقد سلامة ذاته، وتجعل كلّا منهما يتواكل على الآخر تماما. لقد استكشفت أناييس نن هذه العلاقة في أولى رواياتها الطويلة “سلالم النار” التي خضعت فيها شخصية “ليليان” للرسّام “جي” وتواكلت عليه، وشعرت بأنها لا تستطيع أن تعيش أبدا من دونه، لكنها لم تحقق حريتها. وصوّرت في تلك الرواية أننا لا نستطيع أن ندع الآخرين يفعلون لنا ما لا نستطيع أن نفعله بأنفسنا لأننا لا نعيش في هذه الحال إلا من خلالهم. وكانت موفّقة كل التوفيق حين استخدمت، لتوضيح هذا التواكل، لوحة بيكاسو التي تمثّل شخصين يتنفّسان من رئة واحدة. ومن تأثيرات فروم كذلك مفهوم “النكروفيليا” (مرض الانجذاب الجنسي إلى الجثث)، الذي عبّرت عنه بوضوح، وأمور أخرى كذلك. وكان تفاعلها مع معطيات المحلل النفسي البريطاني رونالد ديفيد لانغ ملموسا تماما. من دراستها للتحليل النفسي غيّرت أناييس نن مفهومها للشخصية الروائية؛ “صوّرت الرواية التقليدية الشخصية على أنها وحدة، قد تشكّلت سابقا، في حين أن التحليل النفسي بدراسة اللاشعور قد كشف العكس، وهو أن الشخصية متموّجة، نسبية، متحوّلة، متفاوتة النضج، غير متماثلة النمو، ذات مناطق عقلية ومناطق غير عقلية. ولم يكن بودي أن أكشف قدر الشخصية بل أسرارها وقوالبها وسماتها السلبية التي تتداخل مع إنجازاتها وعلاقاتها. أردت أن أُظهر العُصاب بما هو وغد، والسلبية بما هي مصدر مآسينا”. يتعلّم قارئ “رواية المستقبل” المستويات المختلفة للنفس، والمسارب بين الشعور واللاشعور، بين الحلم واليقظة، فلا لافتة تقول “ههنا ندخل حلما!”. كما سيعيد قارئ الكتاب النظر في كل ما يختزنه في ذهنه عن الرواية، وسيتجدّد وعيه، وفي كل قراءة جديدة سيكتشف أمورا جديدة. بعد ثلاثة عقود ونصف عقد من مغامرتها القصصية والروائية المثيرة، التي فتحت الباب على مصراعيه للأدب الإيروتيكي، وصخب الحياة والصداقة مع أبرز كتّاب القرن العشرين، وكتابة مجلدات من اليوميات الجريئة، وضعت الكاتبة الأميركية، فرنسية المولد، أناييس نن خلاصة تجاربها في كتاب أسمته “رواية المستقبل” عام 1968. قدمت الكاتبة الأميركية أناييس نن في كتابها “رواية المستقبل” مقاربة لطبيعة العملية الإبداعية الخاصة بكتابة الرواية، وسلّطت الضوء على الآفاق الجديدة التي يمكن أن يبلغها هذا النوع الأدبي، مكتشفة أبعادا جمالية جديدة، وأعماقا إنسانية مجهولة، وطرقا في الإبداع الجديد توازي اكتشافات العلم الحديثة. يتضح لقارئ هذا الكتاب، الصادر حديثا عن دار أزمنة في عمّان، بترجمة الناقد السوري محمود منقذ الهاشمي، أن أناييس نن قد استوعبت روح العلم الحديث ومعطياته ونتائجه في النّمو الخلوي، والنسبية، وعالم النبات، والتفاعلات الكيميائية، ومبادئه، خاصة مبدأ الاحتمالات فيه. وهي لا ترى سببا للنزاع بين العلم والفن، مؤكدة أن الرواية العلمية الجيدة ترينا عالم الغد قائما على الاحتمالات العلمية، والرواية الاستكشافية الجيدة ترينا إنسان الغد، الإنسان الذي قد تكونه، قائما على الاحتمالات السايكولوجية، وإننا لن نستطيع أن نألف العالم الحديث ضمن أنفسنا إلا إذا نزعنا خوفنا من استكشافه، ولذلك فالتحليل النفسي يُثري رؤية الكاتب، وقد أثرى بالفعل رؤية من أقبل عليه واستفاد منه، وتستشهد برفض كافكا التحليل النفسي، فظلّ حبيسا في عالم ضيّق من الكوابيس. وقبله هيرمان هيسه، فاتّسع خياله. فالخوف لا يحفظنا إلا من الأعماق. ينبئ كتاب “رواية المستقبل”، كما يقول مترجمه، عن دراية أناييس نن العميقة بالتحليل النفسي، بل كذلك عن بصيرة سايكولوجية لديها. وقد أخذت التحليل النفسي مباشرة عن المحلل النفسي أوتو رانك، وعلى نحو غير مباشر من دراستها لعدد من أقطاب التحليل النفسي أمثال كارل غوستاف يونغ، الذي تعلّمت منه الانبثاق من الحلم إلى الحياة، إلى الواقع، ومصطلحي عالم النهار وعالم الليل للدلالة على عالمي الشعور واللاشعور، ومفهوم العاشق- الشبح، الذي يراود بعض النساء ويمنعهن من الحب. ومن تأثيرات أريك فروم في الكاتبة “العلاقة التواكلية”، وهي علاقة قائمة على الخضوع والسيطرة، باتّحاد ذات فردية واحدة بذات أخرى (أو أي سلطة خارج الذات) بطريقة تجعل كل طرف يفقد سلامة ذاته، وتجعل كلّا منهما يتواكل على الآخر تماما. لقد استكشفت أناييس نن هذه العلاقة في أولى رواياتها الطويلة “سلالم النار” التي خضعت فيها شخصية “ليليان” للرسّام “جي” وتواكلت عليه، وشعرت بأنها لا تستطيع أن تعيش أبدا من دونه، لكنها لم تحقق حريتها. وصوّرت في تلك الرواية أننا لا نستطيع أن ندع الآخرين يفعلون لنا ما لا نستطيع أن نفعله بأنفسنا لأننا لا نعيش في هذه الحال إلا من خلالهم. وكانت موفّقة كل التوفيق حين استخدمت، لتوضيح هذا التواكل، لوحة بيكاسو التي تمثّل شخصين يتنفّسان من رئة واحدة. ومن تأثيرات فروم كذلك مفهوم “النكروفيليا” (مرض الانجذاب الجنسي إلى الجثث)، الذي عبّرت عنه بوضوح، وأمور أخرى كذلك. وكان تفاعلها مع معطيات المحلل النفسي البريطاني رونالد ديفيد لانغ ملموسا تماما. من دراستها للتحليل النفسي غيّرت أناييس نن مفهومها للشخصية الروائية؛ “صوّرت الرواية التقليدية الشخصية على أنها وحدة، قد تشكّلت سابقا، في حين أن التحليل النفسي بدراسة اللاشعور قد كشف العكس، وهو أن الشخصية متموّجة، نسبية، متحوّلة، متفاوتة النضج، غير متماثلة النمو، ذات مناطق عقلية ومناطق غير عقلية. ولم يكن بودي أن أكشف قدر الشخصية بل أسرارها وقوالبها وسماتها السلبية التي تتداخل مع إنجازاتها وعلاقاتها. أردت أن أُظهر العُصاب بما هو وغد، والسلبية بما هي مصدر مآسينا”. يتعلّم قارئ “رواية المستقبل” المستويات المختلفة للنفس، والمسارب بين الشعور واللاشعور، بين الحلم واليقظة، فلا لافتة تقول “ههنا ندخل حلما!”. كما سيعيد قارئ الكتاب النظر في كل ما يختزنه في ذهنه عن الرواية، وسيتجدّد وعيه، وفي كل قراءة جديدة سيكتشف أمورا جديدة.