رسالة الفدائية «صابحة» ناقلة خرائط تمركزات العدو على صدر طفلها الرضيع قبل وفاتها بأيام: ربنا يقويك يا ريس ويحفظ جيش مصر    إزالة بعض خيام الطرق الصوفية بطنطا بسبب شكوى المواطنين من الإزعاج    جامعة الأقصر تحصل على المركز الأول في التميز العلمي بمهرجان الأنشطة الطلابية    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    ارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس اليوم الجمعة في كفر الشيخ    أسعار الذهب ترتفع وسط بيانات أمريكية ضعيفة لكنها تستعد لخسائر أسبوعية حادة    أستاذ تخطيط: إنشاء 18 تجمعا سكنيا في سيناء لتلبية احتياجات المواطنين    رئيس هيئة قناة السويس يبحث مع وزير التجارة الكوري الجنوبي سبل جذب الاستثمارات    ادخال 21 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر رفح البري    في اليوم ال203.. الاحتلال الإسرائيلي يواصل أعمال الوحشية ضد سكان غزة    بالتردد| القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة الأهلي ومازيمبي بدوري أبطال إفريقيا    موقف مصطفى محمد.. تشكيل نانت المتوقع في مباراة مونبيلييه بالدوري الفرنسي    الأرصاد تكشف مناطق سقوط الأمطار وتحذر من شدتها في الجنوب    رسالة من كريم فهمي ل هشام ماجد في عيد ميلاده    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فلسطيني يشتكي من الطقس الحار: الخيام تمتص أشعة الشمس وتشوي من يجلس بداخلها    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    طيران الاحتلال يشن غارات على حزب الله في كفرشوبا    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتحدة (فيديو وصور)    إشادة برلمانية وحزبية بكلمة السيسي في ذكرى تحرير سيناء.. حددت ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية.. ويؤكدون : رفض مخطط التهجير ..والقوات المسلحة جاهزة لحماية الأمن القومى    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    أول تعليق من رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آراء متباينة للكتّاب المصريين حول الجوائز الأدبية
نشر في صوت البلد يوم 09 - 02 - 2016

يعتبر الشهر الأخير من كل عام، والشهر الأول من العام الموالي له، بمثابة (موسم الجوائز الثقافية) في مصر، إذ تُعلن أكثر من جهة راعية نتائج الجوائز والمسابقات الأدبية التي تتبنّاها، ويمثّل ذلك الموسم نوعاً من الغربلة والفرز لجانب من الإصدارات الأدبية التي شهدها ذلك العام أو العام السابق له.
ففي ديسمبر/كانون الأول، وبالتزامن مع ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، تعلن الجامعة الأمريكية في القاهرة نتيجة الجائزة التي تحمل اسم شيخ الرواية العربية، والتي حظي بها في نسختها الأخيرة الروائي اللبناني حسن داود عن روايته «لا طريق إلى الجنة». يعقب ذلك إعلان مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية نتيجة مسابقاتها في مجالات الرواية والقصة والمسرح والسيناريو والنقد، لفئات شباب الكتّاب (دون أربعين عاماً)، أو كبار الكتّاب، وتكاد تكون ساويرس، التي يبلغ إجمالي جوائزها (مليون ومئة وعشرين ألف جنيه – 135000 دولار) الأهم على الساحة المصرية. بالتزامن مع تلك النتائج، أعلن مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) القائمة الطويلة، التي ضمّت هذا العام ثلاث روايات من مصر وهي «معبد أنامل الحرير» لإبراهيم فرغلي، «عطارد» لمحمد ربيع، و«كتيبة سوداء» لمحمد المنسي قنديل.. وذلك في انتظار إعلان القائمة القصيرة.
في موسم الجوائز تكثر الانتقادات ويثار اللغط وتحتدم النقاشات حول نزاهة هذه الجائزة أو تلك، أو كفاءة لجنة التحكيم، البعض يغضب لاستبعاده والبعض يفرح بالفوز، وآخرون يقفون على الحياد. فريق يقلل من أهمية الجوائز، وفريق آخر يعتبرها وساماً وشارة. في المساحة التالية تحاول «القدس العربي» استطلاع آراء الكتّاب المصريين، حول مسألة الجوائز ونتائجها وأهمّيتها..
أي تأثير للجائزة على الفائز؟
يقول الروائي محمد عبد النبي، الفائز بعدّة جوائز منها ساويرس للقصة، وساويرس للرواية، وجائزة معرض القاهرة للكتاب للقصة، بخلاف وصوله للقائمة الطويلة في جائزة البوكر في دورة سابقة عن روايته «رجوع الشيخ»: «أنا محظوظ في ما يخص الجوائز عمومًا، رغم المسابقات الكثيرة التي أشارك فيها ولا أنال منها شيئًا، لكن النسبة الغالبة لا بأس بها بالمرة.. كل جائزة هي لمسة تشجيع للكاتب، همسة في أذنه بأنه على الطريق الصحيح، وإنعاش مادي مرغوب في الظروف التي يعيش فيها الكاتب في عالمنا العربي، إلا حفنة من سعداء الحظ والأثرياء بالوراثة.. وهي أيضًا غواية لها مخاطرها، فضوء الشهرة وقانا الله شرها يفضح أدق العيوب، كما قال بورخيس في إحدى قصائده عن شاعر طواه النسيان وسلم من عدسة التاريخ المكبرة.. المهم ألّا يبالغ الكاتب منا في تقدير قيمة الجوائز المعنوية والأدبية، ألّا يصدق معجزاته مهما صدقها الآخرون، أن يقفز من كل منصة إلى المجهول الجديد متخففًا من أعباء المسؤولية ومقولات دور الأدب وما يتخيّل أن الآخرين ينتظرونه ويتوقعونه منه، فقد تكون الجوائز والتفكير فيها والسعي لها باستمرار قيدًا يكبل الموهبة ويقزّم الطموح"
الروائي أحمد عبد اللطيف، الفائز بجائزة الدولة التشجيعية، وكذلك جائزة ساويرس في الرواية، يحمل وجهة نظر مغايرة، يقول صاحب «كتاب النحّات» : «رغم أن المشهور أن الكاتب عندما يفوز بجائزة يقولون إنه فائز بجائزة، إلا أنني أعتقد دوماً أن الفائز بالجائزة هو الكتاب وليس الكاتب. أحب أن أضع دائمًا هذا أمام عيني حتى أكون مخلصًا للكتابة فقط وليس لأي شيء آخر خارجها. أنا ككاتب لا أسعى أن أكون نجماً، لأن الكاتب بطبيعته مختلف عن الممثل السينمائي.
لذلك أعتبر الجائزة رواجاً للكتاب وليس للكاتب. الكاتب دوره أن يتحدث عن الكتابة لا عن نفسه. نفس الكاتب هي كتابته وليس شيئاً خارجها. بهذا التصور أرفض كل ما يقال عن أن الجائزة مساعدة مادية للكاتب. هذا النوع من الاستجداء المقنّع لا يليق بمهنة الكتابة. بالطبع الكاتب ليس قديسًا ولا راهبًا، لكنه ليس أيضًا تاجرًا، ولا يقدم خدماته الإبداعية والفكرية من أجل المال. الجائزة، باختصار، مجرد تقدير من جهة ما لمجهود كاتب أبدع وأخلص. أو هذا ما أظن».
هل هي معيار للعمل الجيّد؟
في دردشة قديمة مع الروائي محمد المنسي قنديل، قال صاحب «كتيبة سوداء» مدللاً على أن الجوائز معيار قيمة مهم: «الجوائز مقياس لعمل لا مقياس له، فالكاتب عندما ينعزل عن العالم ليكتب، منبتاً تماماً عما يحيط به، يصيغ كلمات في الفراغ، كيف يتسنّى له أن يعرف قيمة وجدوى ما كتبه؟ تأتي الجوائز هنا لتجيب عن هذا السؤال، وفي هذا تتساوى عندي الجائزة مع قراءة نقدية في ندوة، كلها معايير نسبية لقيمة العمل. في 1988 مُنِحت جائزة الدولة التشجيعية عن مجموعة «من قتل مريم الصافي؟»، وذات يوم فوجئت بتلغراف من أقاصي صعيد مصر، من مواطن لا أعرفه ولا يعرفني، هذا الشخص الذي كلّف نفسه عناء البحث عن عنواني وكتابة برقية تهنئة، ثم الذهاب إلى مكتب البريد وإرسال التلغراف، هو معيار أيضاً لقيمة ما يكتبه الكاتب".
في المقابل يرى الروائي مكاوي سعيد أن الجوائز ليست معيار قيمة: «لأنها خاضعة لأمور شتى تشمل ذائقة المحكّمين وفهمهم للأعمال الأدبية ونزاهتهم وقدرتهم على مقاومة الضغوط. لذا لا أهتم بها إلا من جوانبها المادية التي تساعد الأديب في حياته الدنيوية".
وهو الرأي الذي ذهب له الروائي أحمد عبد اللطيف: «المعيار الوحيد للكتابة الجيدة أن تكون كتابة جيدة، سواء فازت بجوائز أو لم تفز، سواء كان لها جمهور من القراء أم لا. بشكل شخصي، أعتقد أن هناك مؤشرات ما على نجاح الكاتب، مثل الجوائز أو الكتابات النقدية عن أعماله أو كثرة قرائه أو حتى نوعية قرائه. أقول هذه مؤشرات، نادرا ما اجتمعت عند كاتب. ربما العمل الجيد يفوز بجائزة، مقابل أعمال أخرى كثيرة جيدة لا يصيبها هذا الحظ. بصراحة، أنا أؤمن بالتاريخ، وأراهن عليه. الأعمال الجيدة ستبقى، ستلتفت إليها الأجيال القادمة. وكما نقيم نحن الآن جيل الستينيات، سيأتي جيل بعد 20 عاما ليقيّم أعمالنا. حينها سيقول التاريخ كلمته. الأعمال السيئة ستختفي، لأن هذا مصيرها الطبيعي".
بينما تقول القاصّة الشابّة إيمان عبدالرحيم، التي فازت بجائزة ساويرس للشباب في مجال القصة عن مجموعتها «الحجرات»: «الجوائز مهمّة بالتأكيد لكنها في حد ذاتها ليست المعيار الأوحد للعمل الجيد، لأنها تعتمد في النهاية على ذائقة مجموعة من الأفراد لهم قامات أدبية عالية، ولكنهم مع ذلك لا يمثلون ذائقة كل القراء. فكم من أعمال أحبها لم يحصل كتابها على جوائز. ولماذا نذهب بعيدا، تقدمت العام السابق على الجائزة نفسها عن العمل نفسه، وحجبت اللجنة جائزة القصة القصيرة تماماً لسوء الأعمال المقدّمة. الموضوع معتمد بشكل كبير على ذائقة اللجنة التي تحكم في الجائزة، وإن كانت ذائقتهم مهمة بالطبع، ولكنها على الرغم من كل شيء لا تمثل إلا نفسها".
نقد الجوائز.. بين التقويم والمراهقة
اتفاقنا أو اختلافنا حول أهمية الجوائز، هل يعطينا الحق في توجيه أسهم النقد لها؟ يجيب أحمد عبد اللطيف عن هذا التساؤل قائلاً: «يقول أوكتافيو باث «أمة بلا نقد أمة عمياء». وهذا ما ينقصنا في العالم العربي، العقليات النقدية القادرة على تقييم الأمور، سواء في الأدب أو الثقافة أو السياسة، لذلك أرى أنه من المفيد أن ننتقد جائزة بهدف أن تتقدم للأفضل. لاحظ أن الجوائز العربية حديثة العهد ولا تزال في خطواتها الأولى، مقابل الجوائز الغربية التي تأسست منذ زمن أطول بكثير، لذلك فمن المفيد أن يستمع مجلس أمناء أي جائزة للانتقادات الموجهة، وأن يأخذها بعين الاعتبار حتى تتجنب الجائزة أخطاء سابقة. لاحظ أيضًا أن النقد ليس معناه «أنهوا هذه الجائزة» ولا هو إهانة لها. إنها إحدى طرق التقويم وتقديم وجهات النظر. ما أقوله إن علينا أن نمتلك شجاعة النقد، كما أن علينا أن نمتلك رحابة الصدر للنقد".
ولا يختلف رأي الروائي محمد عبد النبي كثيراً: «لن تسلم جائزة من الهجوم مهما راعت النزاهة والشفافية والمصداقية، سواء من بعض الكتّاب أو النقاد والإعلام عمومًا، وأحيانا يكون لهذا الهجوم أسبابه ونتائجه الإيجابية في دفع أمانة الجائزة إلى تجاوز عثراتها ونقاط ضعفها»، ويضيف عبد النبي: «وأحيانا أخرى يكون مجرد جعجعة على وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد أن أحدهم لم ينل من الحب جانبًا.. وهي مراهقة غير جديرة بكاتب حقيقي، يعرف قيمة عمله ويحترم ذاته".
وعن ظاهرة الكتّاب الذين ينتقدون الجوائز ولجانها، بعد أن يتم استبعاد أعمالهم، يقول مكّاوي سعيد: «أعتب على هؤلاء الذين يشاركون، وعندما يُستبعدون يهاجمون تلك الجوائز التي كانوا يحفون جرياً وراءها. وأهمس في أذنهم: من ارتضى السباق لا بد أن يرضى بنتائجه، لأن الانتحاب والمهاجمة تدلل على أن عملك ضعيف وكانت هذه هي فرصتك الأخيرة. من يثق في عمله لا يهتم إلا بما قدمه وبالمقبل من أعمال"
عن لجان التحكيم ومعركة الأصوات
على الضفّة الأخرى، يقف المحكمون موقف حيرة، إذا كان نصيبهم التحكيم في جائزة تقدّم لها الكثير من الأعمال الجيدة، فعملية الاختيار ليست بتلك السهولة، كما أن العمل ضمن لجنة يعني أن رأي المحكم قد لا يكون حاسماً وسط باقة آراء مختلفة، وهذا ما يؤكد عليه الروائي المخضرم إبراهيم عبد المجيد: «الحقيقة أن التحكيم عملية مرهقة للأعصاب، سبق لي التحكيم في جائزة ساويرس فرع الروائيين الشباب، وكذلك في جائزة الدولة التشجيعية، مشكلة التحكيم أنك مجرد رأي واحد ضمن مجموعة آراء، صوت واحد، وهنا سيتحتم عليك بعد قراءة كل الأعمال المشاركة، أن تناقش زملاءك في اللجنة، وقد يتعارض رأيك مع آرائهم، وربما تنتهي اللجنة وفقاً لمجموع الأصوات إلى نتائج لا تعجبك"
وعلى المنوال نفسه جاء رأي الروائي مكاوي سعيد، الذي اختير كعضو لجنة تحكيم في عدّة مناسبات، يقول سعيد: «جعلتني هذه الجوائز ألتمس العذر للكتّاب والمحكمين، فأحياناً كثيرة كانت تقابلنا أعمال جيدة جداً والفروق ضئيلة في ما بينها، ونصوّت مدافعين عن وجهة نظرنا حتى نستقر على الفائز. وفي هذه الأحوال تُحرم أعمال أخرى جميلة لكن ليس لها حظ".
يعتبر الشهر الأخير من كل عام، والشهر الأول من العام الموالي له، بمثابة (موسم الجوائز الثقافية) في مصر، إذ تُعلن أكثر من جهة راعية نتائج الجوائز والمسابقات الأدبية التي تتبنّاها، ويمثّل ذلك الموسم نوعاً من الغربلة والفرز لجانب من الإصدارات الأدبية التي شهدها ذلك العام أو العام السابق له.
ففي ديسمبر/كانون الأول، وبالتزامن مع ذكرى ميلاد نجيب محفوظ، تعلن الجامعة الأمريكية في القاهرة نتيجة الجائزة التي تحمل اسم شيخ الرواية العربية، والتي حظي بها في نسختها الأخيرة الروائي اللبناني حسن داود عن روايته «لا طريق إلى الجنة». يعقب ذلك إعلان مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية نتيجة مسابقاتها في مجالات الرواية والقصة والمسرح والسيناريو والنقد، لفئات شباب الكتّاب (دون أربعين عاماً)، أو كبار الكتّاب، وتكاد تكون ساويرس، التي يبلغ إجمالي جوائزها (مليون ومئة وعشرين ألف جنيه – 135000 دولار) الأهم على الساحة المصرية. بالتزامن مع تلك النتائج، أعلن مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) القائمة الطويلة، التي ضمّت هذا العام ثلاث روايات من مصر وهي «معبد أنامل الحرير» لإبراهيم فرغلي، «عطارد» لمحمد ربيع، و«كتيبة سوداء» لمحمد المنسي قنديل.. وذلك في انتظار إعلان القائمة القصيرة.
في موسم الجوائز تكثر الانتقادات ويثار اللغط وتحتدم النقاشات حول نزاهة هذه الجائزة أو تلك، أو كفاءة لجنة التحكيم، البعض يغضب لاستبعاده والبعض يفرح بالفوز، وآخرون يقفون على الحياد. فريق يقلل من أهمية الجوائز، وفريق آخر يعتبرها وساماً وشارة. في المساحة التالية تحاول «القدس العربي» استطلاع آراء الكتّاب المصريين، حول مسألة الجوائز ونتائجها وأهمّيتها..
أي تأثير للجائزة على الفائز؟
يقول الروائي محمد عبد النبي، الفائز بعدّة جوائز منها ساويرس للقصة، وساويرس للرواية، وجائزة معرض القاهرة للكتاب للقصة، بخلاف وصوله للقائمة الطويلة في جائزة البوكر في دورة سابقة عن روايته «رجوع الشيخ»: «أنا محظوظ في ما يخص الجوائز عمومًا، رغم المسابقات الكثيرة التي أشارك فيها ولا أنال منها شيئًا، لكن النسبة الغالبة لا بأس بها بالمرة.. كل جائزة هي لمسة تشجيع للكاتب، همسة في أذنه بأنه على الطريق الصحيح، وإنعاش مادي مرغوب في الظروف التي يعيش فيها الكاتب في عالمنا العربي، إلا حفنة من سعداء الحظ والأثرياء بالوراثة.. وهي أيضًا غواية لها مخاطرها، فضوء الشهرة وقانا الله شرها يفضح أدق العيوب، كما قال بورخيس في إحدى قصائده عن شاعر طواه النسيان وسلم من عدسة التاريخ المكبرة.. المهم ألّا يبالغ الكاتب منا في تقدير قيمة الجوائز المعنوية والأدبية، ألّا يصدق معجزاته مهما صدقها الآخرون، أن يقفز من كل منصة إلى المجهول الجديد متخففًا من أعباء المسؤولية ومقولات دور الأدب وما يتخيّل أن الآخرين ينتظرونه ويتوقعونه منه، فقد تكون الجوائز والتفكير فيها والسعي لها باستمرار قيدًا يكبل الموهبة ويقزّم الطموح"
الروائي أحمد عبد اللطيف، الفائز بجائزة الدولة التشجيعية، وكذلك جائزة ساويرس في الرواية، يحمل وجهة نظر مغايرة، يقول صاحب «كتاب النحّات» : «رغم أن المشهور أن الكاتب عندما يفوز بجائزة يقولون إنه فائز بجائزة، إلا أنني أعتقد دوماً أن الفائز بالجائزة هو الكتاب وليس الكاتب. أحب أن أضع دائمًا هذا أمام عيني حتى أكون مخلصًا للكتابة فقط وليس لأي شيء آخر خارجها. أنا ككاتب لا أسعى أن أكون نجماً، لأن الكاتب بطبيعته مختلف عن الممثل السينمائي.
لذلك أعتبر الجائزة رواجاً للكتاب وليس للكاتب. الكاتب دوره أن يتحدث عن الكتابة لا عن نفسه. نفس الكاتب هي كتابته وليس شيئاً خارجها. بهذا التصور أرفض كل ما يقال عن أن الجائزة مساعدة مادية للكاتب. هذا النوع من الاستجداء المقنّع لا يليق بمهنة الكتابة. بالطبع الكاتب ليس قديسًا ولا راهبًا، لكنه ليس أيضًا تاجرًا، ولا يقدم خدماته الإبداعية والفكرية من أجل المال. الجائزة، باختصار، مجرد تقدير من جهة ما لمجهود كاتب أبدع وأخلص. أو هذا ما أظن».
هل هي معيار للعمل الجيّد؟
في دردشة قديمة مع الروائي محمد المنسي قنديل، قال صاحب «كتيبة سوداء» مدللاً على أن الجوائز معيار قيمة مهم: «الجوائز مقياس لعمل لا مقياس له، فالكاتب عندما ينعزل عن العالم ليكتب، منبتاً تماماً عما يحيط به، يصيغ كلمات في الفراغ، كيف يتسنّى له أن يعرف قيمة وجدوى ما كتبه؟ تأتي الجوائز هنا لتجيب عن هذا السؤال، وفي هذا تتساوى عندي الجائزة مع قراءة نقدية في ندوة، كلها معايير نسبية لقيمة العمل. في 1988 مُنِحت جائزة الدولة التشجيعية عن مجموعة «من قتل مريم الصافي؟»، وذات يوم فوجئت بتلغراف من أقاصي صعيد مصر، من مواطن لا أعرفه ولا يعرفني، هذا الشخص الذي كلّف نفسه عناء البحث عن عنواني وكتابة برقية تهنئة، ثم الذهاب إلى مكتب البريد وإرسال التلغراف، هو معيار أيضاً لقيمة ما يكتبه الكاتب".
في المقابل يرى الروائي مكاوي سعيد أن الجوائز ليست معيار قيمة: «لأنها خاضعة لأمور شتى تشمل ذائقة المحكّمين وفهمهم للأعمال الأدبية ونزاهتهم وقدرتهم على مقاومة الضغوط. لذا لا أهتم بها إلا من جوانبها المادية التي تساعد الأديب في حياته الدنيوية".
وهو الرأي الذي ذهب له الروائي أحمد عبد اللطيف: «المعيار الوحيد للكتابة الجيدة أن تكون كتابة جيدة، سواء فازت بجوائز أو لم تفز، سواء كان لها جمهور من القراء أم لا. بشكل شخصي، أعتقد أن هناك مؤشرات ما على نجاح الكاتب، مثل الجوائز أو الكتابات النقدية عن أعماله أو كثرة قرائه أو حتى نوعية قرائه. أقول هذه مؤشرات، نادرا ما اجتمعت عند كاتب. ربما العمل الجيد يفوز بجائزة، مقابل أعمال أخرى كثيرة جيدة لا يصيبها هذا الحظ. بصراحة، أنا أؤمن بالتاريخ، وأراهن عليه. الأعمال الجيدة ستبقى، ستلتفت إليها الأجيال القادمة. وكما نقيم نحن الآن جيل الستينيات، سيأتي جيل بعد 20 عاما ليقيّم أعمالنا. حينها سيقول التاريخ كلمته. الأعمال السيئة ستختفي، لأن هذا مصيرها الطبيعي".
بينما تقول القاصّة الشابّة إيمان عبدالرحيم، التي فازت بجائزة ساويرس للشباب في مجال القصة عن مجموعتها «الحجرات»: «الجوائز مهمّة بالتأكيد لكنها في حد ذاتها ليست المعيار الأوحد للعمل الجيد، لأنها تعتمد في النهاية على ذائقة مجموعة من الأفراد لهم قامات أدبية عالية، ولكنهم مع ذلك لا يمثلون ذائقة كل القراء. فكم من أعمال أحبها لم يحصل كتابها على جوائز. ولماذا نذهب بعيدا، تقدمت العام السابق على الجائزة نفسها عن العمل نفسه، وحجبت اللجنة جائزة القصة القصيرة تماماً لسوء الأعمال المقدّمة. الموضوع معتمد بشكل كبير على ذائقة اللجنة التي تحكم في الجائزة، وإن كانت ذائقتهم مهمة بالطبع، ولكنها على الرغم من كل شيء لا تمثل إلا نفسها".
نقد الجوائز.. بين التقويم والمراهقة
اتفاقنا أو اختلافنا حول أهمية الجوائز، هل يعطينا الحق في توجيه أسهم النقد لها؟ يجيب أحمد عبد اللطيف عن هذا التساؤل قائلاً: «يقول أوكتافيو باث «أمة بلا نقد أمة عمياء». وهذا ما ينقصنا في العالم العربي، العقليات النقدية القادرة على تقييم الأمور، سواء في الأدب أو الثقافة أو السياسة، لذلك أرى أنه من المفيد أن ننتقد جائزة بهدف أن تتقدم للأفضل. لاحظ أن الجوائز العربية حديثة العهد ولا تزال في خطواتها الأولى، مقابل الجوائز الغربية التي تأسست منذ زمن أطول بكثير، لذلك فمن المفيد أن يستمع مجلس أمناء أي جائزة للانتقادات الموجهة، وأن يأخذها بعين الاعتبار حتى تتجنب الجائزة أخطاء سابقة. لاحظ أيضًا أن النقد ليس معناه «أنهوا هذه الجائزة» ولا هو إهانة لها. إنها إحدى طرق التقويم وتقديم وجهات النظر. ما أقوله إن علينا أن نمتلك شجاعة النقد، كما أن علينا أن نمتلك رحابة الصدر للنقد".
ولا يختلف رأي الروائي محمد عبد النبي كثيراً: «لن تسلم جائزة من الهجوم مهما راعت النزاهة والشفافية والمصداقية، سواء من بعض الكتّاب أو النقاد والإعلام عمومًا، وأحيانا يكون لهذا الهجوم أسبابه ونتائجه الإيجابية في دفع أمانة الجائزة إلى تجاوز عثراتها ونقاط ضعفها»، ويضيف عبد النبي: «وأحيانا أخرى يكون مجرد جعجعة على وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد أن أحدهم لم ينل من الحب جانبًا.. وهي مراهقة غير جديرة بكاتب حقيقي، يعرف قيمة عمله ويحترم ذاته".
وعن ظاهرة الكتّاب الذين ينتقدون الجوائز ولجانها، بعد أن يتم استبعاد أعمالهم، يقول مكّاوي سعيد: «أعتب على هؤلاء الذين يشاركون، وعندما يُستبعدون يهاجمون تلك الجوائز التي كانوا يحفون جرياً وراءها. وأهمس في أذنهم: من ارتضى السباق لا بد أن يرضى بنتائجه، لأن الانتحاب والمهاجمة تدلل على أن عملك ضعيف وكانت هذه هي فرصتك الأخيرة. من يثق في عمله لا يهتم إلا بما قدمه وبالمقبل من أعمال"
عن لجان التحكيم ومعركة الأصوات
على الضفّة الأخرى، يقف المحكمون موقف حيرة، إذا كان نصيبهم التحكيم في جائزة تقدّم لها الكثير من الأعمال الجيدة، فعملية الاختيار ليست بتلك السهولة، كما أن العمل ضمن لجنة يعني أن رأي المحكم قد لا يكون حاسماً وسط باقة آراء مختلفة، وهذا ما يؤكد عليه الروائي المخضرم إبراهيم عبد المجيد: «الحقيقة أن التحكيم عملية مرهقة للأعصاب، سبق لي التحكيم في جائزة ساويرس فرع الروائيين الشباب، وكذلك في جائزة الدولة التشجيعية، مشكلة التحكيم أنك مجرد رأي واحد ضمن مجموعة آراء، صوت واحد، وهنا سيتحتم عليك بعد قراءة كل الأعمال المشاركة، أن تناقش زملاءك في اللجنة، وقد يتعارض رأيك مع آرائهم، وربما تنتهي اللجنة وفقاً لمجموع الأصوات إلى نتائج لا تعجبك"
وعلى المنوال نفسه جاء رأي الروائي مكاوي سعيد، الذي اختير كعضو لجنة تحكيم في عدّة مناسبات، يقول سعيد: «جعلتني هذه الجوائز ألتمس العذر للكتّاب والمحكمين، فأحياناً كثيرة كانت تقابلنا أعمال جيدة جداً والفروق ضئيلة في ما بينها، ونصوّت مدافعين عن وجهة نظرنا حتى نستقر على الفائز. وفي هذه الأحوال تُحرم أعمال أخرى جميلة لكن ليس لها حظ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.