يثير تأخر إصدار قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، حالة من الاستياء والجدل في الأوساط السياسية، ظهرت في تصريحات الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، والتي أشارت إلى أن هذا التأخر يتسبّب في تعطيل الانتخابات البرلمانية، ولمحت بعضها إلى أن هذا التأخير متعمّد، كون أن الانتخابات البرلمانية تعتبر أهم ركن في خريطة الطريق، وبدونها لن تكتمل مؤسسات الدولة، وتظل أجهزتها من دون رقابة وجناحها التشريعي معطلاً، وهو ما يزيد من ضبابية المشهد السياسي في مصر، ويجعله متداخلاً بشكل كبير ومفتوحاً على جميع الاحتمالات، بعد أن أصبحت الانتخابات البرلمانية حلقة مفرغة تدور فيها القوى الحزبية والسياسية في تخبّط وارتباك، في ظل الغموض حول مصير تلك الانتخابات ومجلس النواب. وقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما بعدم دستورية القانون رقم 202 لسنة 2014 الخاص بتقسيم الدوائر الانتخابية، بسبب وجود عوار دستوري في نص المادة الثالثة، وهو ما دفع بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إعادة القانون إلى لجنة تعديل القوانين لإدخال التعديلات اللازمة عليه، وتعتبر الانتخابات البرلمانية الاستحقاق الثالث والأخير في خريطة الطريق التي اتفقت عليها القوى السياسية عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي. ويقول خالد داوود، المتحدث باسم حزب الدستور: إن تأخر إصدار قانون تقسيم الدوائر وإجراء الانتخابات يدخل مصر في دائرة مفرغة، ويزيد الشكوك حول نية النظام الحالي، ومدى جديته في استكمال تنفيذ خريطة الطريق، وإجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة، ووجود مجلس نواب منتخب يراقب على الحكومة ويشرع القوانين، ويقتسم السلطة مع رئيس الجمهورية. وتابع: تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية يظهر مصر أمام المجتمع الدولي وكأنها تعاني من تعثر سياسي وعدم استقرار داخلي، وهذا ما سيكون له انعكاسات سلبية لصورة مصر علي الخريطة الدولية، لافتاً إلى أن مصر تعاني خطر الإرهاب ومتاعب اقتصادية ومشاكل اجتماعية تستدعي ضرورة وجود برلمان منتخب يضم شخصيات سياسية ذا أيديولوجيات مختلفة، تعمل على خدمة مصالح البلاد والخروج بها من هذا النفق المظلم، ويوضح أن عدم وضوح الرؤية بخصوص إجراء الانتخابات البرلمانية أثّر سلباً على الأحزاب والتحالفات السياسية واستعداداتها لخوض الانتخابات، وجعلها في حالة حيرة وتخبّط سياسي، مؤكداً أن الانتخابات البرلمانية مرحلة فاصلة في خريطة الطريق، ومهمة لاكتمال مؤسسات الدولة ودخول البلاد مرحلة الاستقرار. بينما يحمّل طارق زيدان المتحدث باسم تحالف «نداء مصر»، مسئولية تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية للجنة تعديل القوانين، كونها هي التي تتولى عملية تعديل قانون تقسيم الدوائر، لافتاً إلى أن أخطاء تلك اللجان تضع الحكومة في موقف حرج وتتسبّب في تعطيل الحياة البرلمانية، مؤكداً أن الدولة حريصة على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد، ولذلك فهي تسعى إلى تلافي العوار الدستوري وإعادة صياغة القانون لإجراء الانتخابات في أسرع وقت، حتى يكون هناك مجلس نواب وتكتمل مؤسسات الدولة، وتدخل البلاد مرحلة الاستقرار، لافتاً إلى أن تأخر الانتخابات أفضل من الإتيان بمجلس نواب معيب يطعن في عدم دستوريته، كما حدث مع برلمان 2012 الذي تم حله بحكم من المحكمة الدستورية. ويوضح زيدان أن السبب الرئيسي في استياء وغضب الأحزاب والقوى السياسية، يرجع إلى عدم إقامة حوار مجتمعي حول ما يطرح من قوانين، وتجاهل مشاركة الأحزاب في القرارات التي تتخذها الدولة، وتابع: تأجيل الانتخابات قد يكون في صالح التحالفات والأحزاب إذا استطاعوا استغلال تلك الفترة في تعزيز قدراتهم الانتخابية وتوسيع قواعدهم الشعبية، من خلال إعادة ترتيب أوضاعهم وتقوية قوائمها وتوسيع قواعدها الشعبية، مما يزيد فرصها في الانتخابات البرلمانية. وعن تأثير تأخر إجراء الانتخابات البرلمانية على شرعية المجلس القادم، يشير زيدان إلى أن المواعيد المحددة في الدستور لإجراء الانتخابات البرلمانية هي مواعيد تنظيمية ليس أكثر، والغرض منها الحث على سرعة إنجاز الانتخابات، لافتاً إلى أنه في حالة وجود ظروف تحول دون إجراء الانتخابات خلال المدة المحددة، فإن تأجيلها لا يترتب عليه أيّ مخالفات دستورية تؤدي إلى بطلان الانتخابات، وبالتالي الطعن في شرعية مجلس النواب القادم. وفي سياق متصل، قال د. حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن تضارب آراء المسئولين حول إجراء الانتخابات يثير مخاوف القوى السياسية ويعكس حالة التخبّط في الحكومة، ويزيد من غموض المشهد السياسي المصري، مؤكداً أن اكتمال البناء الديمقراطي الحقيقي لن يحدث بدون استكمال مؤسسات الدولة، وخاصةً مجلس النواب المؤسسة الأهم التي تقوم بالدور الرقابي على أداء الحكومة والتشريعي وإصدار القوانين. ويشير نافعة إلى أن الوضع السياسي وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد لا تحتمل تأخر الانتخابات والاستمرار بدون وجود برلمان، بالإضافة إلى الدخول في مهاترات دستورية لا تحتملها البلاد، لافتاً إلى أن تأجيل الانتخابات يتعارض مع المبادئ العامة والفصل بين السلطات، وبدون الانتخابات ستظل السلطة التشريعية في يد الرئيس فقط، وهذا يتعارض مع الدستور ومحل رفض من جميع القوى السياسية، ويوضح أن تصريحات الحكومة في هذا الشأن لا تتمتّع بالشفافية الكافية، وهذا يرجع إلى انشغال الحكومة بأمور أخرى وتركيز اهتمامها على الجانب الاقتصادي والأمني؛ مما جاء على حساب إجراء الانتخابات البرلمانية. ويحذر نافعة من ضياع مكتسبات الثورة، وعودة رجال نظام مبارك وسيطرتهم على الانتخابات القادمة، إذا لم تعد الأحزاب والقوى السياسية ترتيب أوضاعها والدخول في تحالفات وتكتلات قوية تمكّنها من تواجد قوي ومؤثر في الانتخابات القادمة، وتعطيها القدرة على التأثير في صناعة القرار السياسي.