رغم تحذيرات الخبراء من تحويل مصر إلي دولة مستوردة للأرز بعد قرار وزير الري د. محمد نصر الدين علام بتقليص المساحة المخصصة لزراعته خلال موسم 2010، إلا أنه أكد مراراً علي تحديد المساحة المزروعة ب1.1 مليون فدان، وأن الوزارة مسئولة عن توفير مياه الري لهذه المساحة فقط، كما فرض الوزير توقيع غرامات مالية كبيرة علي زراعة الأرز بالمخالفة في ضوء ما تنص عليه العقوبات بقانون الري والصرف وإزالة المشاكل المخالفة بالتنسيق مع وزارة الزراعة فيما يعد تهديدا واضحا للمخالفين لهذا لقرار دون استثناء، ولفت الوزير إلي أن ملف الأرز يأتي علي قائمة أولويات عمل أجهزة وزارته لما تسببه المخالفة من ضغط علي منظومة الري العامة للدولة. يأتي هذا التصريح متزامنا مع قرار مجلس الوزراء بحظر زراعة الأرز في المساحات غير المرخص بها واستبدالها بمحصول الذرة الصفراء والبيضاء لزراعة المساحات الشاسعة المخالفة للأرز والتي تقدر بنحو مليون فدان بالذرة بدلا من الأرز، وقد نبه الخبراء والمراكز البحثية المتخصصة إلي أن هذا الإجراء من شأنه عدم وفاء الإنتاج بالاستهلاك لأن مساحة مليون و100 ألف فدان ستنتج حوالي 3 ملايين و300 ألف طن أرز شعير وهذه الكمية لا توفر إلا مليوني طن من الأرز الأبيض، بينما يقدر الاستهلاك المحلي فقط بنحو 2.3 مليون طن .كما نبه البعض منهم إلي نجاح الدراسات الزراعية في استنباط أصناف أرز هجين عريض الحبة تصل إنتاجيتها إلي 5.5 طن للفدان الواحد وأن هناك تخطيطات لتعميم زراعة هذه الأصناف لزيادة الإنتاجية في ظل محدودية الأرض والحفاظ علي المياه لكن تعميم هذه الدراسات يستتبع بعض الوقت وبالتالي لا يجوز تخفيض المساحات المزروعة قبل تطبيق هذه الأصناف علي المساحات المزروعة في جميع أنحاء الجمهورية غير أن سياسة الحكومة الزراعية المتبعة منذ سنوات كانت تستهدف القضاء علي الحاصلات الزراعية المهمة بدءا بتدهور القطن الذي كان يمثل عصب السلع الزراعية في الاقتصاد المصري مرورا بالقمح ثاني السلع الاستراتيجية التي حققت للهيمنة الأمريكية تطبيق سياساتها وفق أجندتها الاستعمارية، ومع بوادر أزمة المياه وتفاقهما مع دول المنبع في الآونة الأخيرة والتي لن يتم حسمها حتي الآن ظهر ملف الأرز علي السطح مستفيدا من الجدل الدائر حول كارثة المياه القادمة كنكبة يتم من خلالها تمرير ما اعتزمته الحكومة بشأن محصول الأرز ليلحق بركب المحاصيل الأخري التي تلاشت أو كادت علي أولويات السياسة الزراعية. علامات استفهام كثيرة تثير الشكوك في الإصرار علي تنفيذ القرار رغم تأكيدات الباحثين والدارسين من المتخصصين بضرورة إعادة النظر في طريقة إدارة الملف الذي يتم بأساليب عشوائية يتم فيها تغليب أوراق اللعبة السياسية علي المصلحة العامة، فقد أشار د . نادر نور الدين في دراسة مهمة إلي أن غياب الفيضان السنوي للنيل والحاجة الماسة لمصدر جديد يقوم بما كان يقوم به الفيضان لغسل الأملاح من التربة الزراعية، بالإضافة رلي ما استحدث من الملوثات من المصارف والمياه الجوفية وهو ما لا يتوفر إلا في محصول الأرز الذي يتحمل النمو في الأراضي المالحة والري بنوعيات سيئة من مياه الري ويقوم بتخفيف التلوث الحادث الآن في المصارف التي تتجه إليها مياه ري الأرز وفي نفس الوقت يدر عائداً مجزيا للمزارع والدولة، هذا المثال النادر لمحصول مثل الأرز لا يوجد له مثيل من حيث غسيله للتلوث واستفادته من كل هذه الظروف المعاكسة والتي لا تصلح لنمو العديد من الحاصلات الأخري، ولكننا "أي الحكومة" رفضنا كل ذلك لحسابات خاطئة . ويوضح د• نور الدين أن استهلاك الفرد في مصر في الظروف العادية من الأرز يبلغ 54 كيلو جراماً سنويا أي أن المواطنون يستلهكون 6.3 مليون طن كل عام من الأرز ينتج من 5.4 مليون طن من الأرز الشعير من نحو 2.1 مليون فدان، حيث إن استراتيجيات الدول تقوم دائما علي توفير 20 % من الإنتاج كمخزون استراتيجي للطوارئ تحسبا لارتفاع أسعار السلع البديلة مثل المكرونة التي تنتج من القمح، وبالتالي يمكن أن ترتفع أسعارها حال ارتفاع أسعار القمح عالميا الذي نستورد منه 75 % من الاحتياج المحلي أي 10 ملايين طن من إجمالي 14 مليون طن استهلاكا كليا، وبالتالي كما تشير الأرقام فإن الأمر يستلزم زراعة 4.1 مليون فدان لتأمين احتياجاتنا من محصول الأرز الاستراتيجي والادعاء بأن تخفيض زراعات الأرز هذا العام إلي 1.1 فدان بالمقارنة بمساحة 8.1 مليون في العام الماضي قد وفر لمصر نحو 3 مليارات متر مكعب من المياه كانت تهدر، قول فيه كثير من عدم الدقة لأنه لا يوجد إهدار في مياه الأرز، لأنها تذهب إلي المصارف الزراعية ويعاد استخدامها عدة مرات عديدة في الري، بالإضافة إلي أن تحليل مياه المصارف الزراعية بالدلتا خلال موسم الصيف بين تحسنا كبيرا في نوعية هذه المياه عن مثيلاتها في فصل الشتاء مما يقلل من معدلات التلوث لذا فإن زراعات الأرز لها الفضل في تحسين نوعية مياه المصارف وتقوم بما كان يقوم به الفيضان في السابق بعائد اقتصادي مربح ومستقبل أفضل لنوعية الزراعات وصفات التربة الزراعية فضلا عن الدخل السنوي للدولة الذي لا يقل عن مليار دولار من تصدير نحو مليون إلي 2.1 مليون طن أرز سنويا . وإذا كانت آراء الباحثين تقدم الحل الأمثل فلماذا تصر الدولة علي تقليص مساحات الأرز وإحداث أزمات كارثية ظهرت بوادرها فور صدور القرار، ولماذا فرضت رسوما علي التصدير تصل ل1000 جنيه للطن الواحد في الوقت الذي تقوم فيه بتصدير 13 ألفا من الأطنان لدول عربية في الخفاء رغم علمها بأن المخزون الحالي من الأرز لا تتجاوز كميته 30 ألف طن علي أقصي تقدير يمكن أن يساهم في الحد من احتقان السوق علي مدي عدة أشهر قليلة قادمة؟ يأتي ذلك متزامنا مع فشل هيئة السلع التموينية بعد اشتراط المضارب عدم التوريد قبل بدء الموسم الجيد متجاهلين تداعيات شهر رمضان المبارك. وفيما يتعلق بالأزمة الراهنة بشأن تقليص مساحات الأرز المزروعة يرصد د• منير فودة سبع، وكيل معهد بحوث الاقتصاد الزراعي سابقا، الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الآونة حين كان المتبع في المساحات المقررة زراعتها حتي السنة الماضية 2009 هو 6.1 مليون فدان كانت تكفي لإنتاج كميات كبيرة للاستهلاك المحلي وتصدير الفائض ثم فوجئنا بالقرار الغريب بوقف التصدير ثم السماح بالتصدير مع فرض رسوم بدأت ب200 جنيه للطن حتي 1000 جنيه وبالتالي أحجم التجار عن التصدير واحتفظوا بالكميات المتبقية كمخزون ومن ثم استطاع التجار استخدام هذا المخزون بصورة سيئة حين صدر القرار الأخير بتقليص مساحات الأرز إلي 1.1 مليون فدان واستفادوا من هذا المخزون في طرحه بالأسواق بأسعار مضاعفة استنادا إلي ما تم ترويجه من توقعات بزيادة أسعار الأرز جراء تحديد مساحات زراعته، والحقيقة أن الفلاح المصري هو الخاسر الأول من هذه الإجراءات فضلا عن المستهلك الذي يعتمد بالأساس علي الأرز في غذائه لاسيما بعد تفاقم مشكلة القمح وارتفاع أسعار الدقيق المستورد والمحلي، الذي يتحكم في تحريك أسعاره التاجر المستفيد الوحيد مما يتم داخل الأسواق يحدث هذا في ظل غياب تام من قبل الحكومة فليس هناك رقابة ولا عقوبات رادعة لضبط الأسواق، لكن تبقي مشكلة كبري يرصدها د. منير سبع تتعلق بفقدان مصر تدريجيا للأسواق الدولية التي كانت تستورد الأرز المصري منها: سوريا وتركيا وليبيا والعراق والسودان وغيرها وهذا الإجراء بالطبع ضد السياسة الاقتصادية التي تؤكد دوما علي أهمية التواجد في الأسواق العالمية . ويتساءل د. منير سبع مندهشا من أسباب تقليص مساحات الأرز؟ ويري أنه من المحاصيل المظلومة لأن مراكز الأبحاث استطاعت الوصول إلي أصناف جيدة يمكنها توفير 25 % من احتياجات المياه فبعد أن كان الفدان يستهلك 5.6 ألف متر مكعب من المياه أصبح يستهلك ما يقرب من 5 آلاف فقط، كما أمكن زراعة أصناف تظل في الأرض 120 يوما بدلا من 165 يوما مما يؤدي إلي وفرة في المياه وراحة للتربة ألا يعد ذلك ثورة في مجال البحوث الزراعية!! هذه الأبحاث تعرف ما يسمي بالتوسع الرأسي لإنتاج الأرز لتوفير المياه والفترة الزمنية، لماذا لا يتم تطبيقها بعيدا عن مشكلة المياه؟!