هناك مثل غربي يقول: " إن استطعت أن تغير العالم فافعل، إلا أنه يستحسن أن تفعله وأنت أعزب، فإنك لن تستطيع بعد الزواج تغيير قناة تليفزيون" . إلى أي مدى تبيّن هذه الحكمة - إن قدر لها أن تسمى حكمة - حجم مشكلات الحياة الزوجية، لاسيما كلما ارتقت الحياة، وتعقدت مشاويرها، فكلها مفترقات طرق تقود إلى اختلاف وجهات النظر حول الكثير من القضايا الحياتية، بسبب سرعة إيقاع الحياة التي ترفع من معدل تغيير الفرد، ونظرته لقضية ما من حين لحين، لتدافع عوامل المستجدات وما أجلها على أكثر من صعيد، وبسبب التباين الثقافي بين الزوجين، ومفهوم كل منهما ونظرته للأمور انطلاقاً من زاويته الثقافية، ودرجة وعيه وخبرات تجاربه تارة، وكذلك يكمن الخلاف في بعض الأحيان في زاوية تفاوتهما الطبقي تارات أخرى، وعادة ما يفكر بعض الرجال كثيراً بحنين إلى أيام الماضي، حيث يجد فيه أنه الزمن الجميل، وقد لا يكون جميلاً، ولكن درجة الإحباط تجعل المرء ينكفئ ويسقط من تحنانه على ذلك الماضي، فما يراه إلا في صورة الجميل. تقول د.سهير جميل جمال أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إن الآراء التي تزعم بأن الرجل أسرع على التأقلم بعد الحياة، ما هي إلا انعكاس لموروث ثقافي خاطئ، لأن الرجل مثله مثل المرأة، كلاهما يتأثر بالحدث حسب عدة عوامل، أهمها تاريخه الشخصي، نمط حياته، الأمور التي تعرض لها وواجبها، بالإضافة إلى الثقافة والبيئة، فهناك عوامل خارجية وأخرى داخلية، تؤثر على استقبال الفرد للمشكلة، وبالتالي يترتب عليها الكثير من المشكلات داخل الأسرة، وبالتالي كراهية الزواج والحنين إلى العزوبية، لكن لا يعني هذا أن الرجل يريد الطلاق، لكن في الوقت نفسه استمرار الزواج لا يعني بالضرورة أنه ناجح، فكم من الزيجات تستمر خوفاً من وصمها بالفشل!، كما أن الطلاق يعتبر عنواناً كبيراً لعدم التوافق. بينما تقول د.اعتماد علام أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: أن النظر والبحث في أسباب وجود هذه الظاهرة وتزايد أعداد أصحابها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتغيُّر الاجتماعي، حيث إن هناك عوامل عديدة أسهمت في ارتفاع كراهية العيش في إطار حياة الارتباط الزوجي، ويعود به الحنين إلى ما قبل الزواج، ومن أهم هذه العوامل ما يعانيه الشباب من ظروف معيشية صعبة، في ظل البطالة وضآلة الأجور، والطلبات التي لا تنتهي من الزوجة والأولاد، فماذا سيفعل الشاب محدود الدخل وهو يرى هذه الصورة أمامه؟!، بالطبع سيفكر في العزوبية من جديد. بينما يرى د.محمود هاشم يوسف أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة القاهرة، أن أسباب ندم الزوج على الزواج وحنينه إلى العزوبية يرجع إلى عوامل نفسية عديدة، منها اضطراب البناء النفسي للشخصية، نتيجة خلل في العلاقات الأسرية وافتقارها إلى الجوِّ الأسريِّ الدافئ، وكثرة الخلافات التي تنتج عن ذلك، مما يجعل بعض الأزواج يندمون على الزواج بسبب كثرة الخلافات التي يشاهدونها، ولاشك أن هذه الأسباب تجعل منه أمراً مكروهاً، ويضيف قائلاً: إن هناك أسباباً أخرى أدَّت إلى الحنين إلى العزوبية، منها الرغبة في الاستقلال والحرية، والهروب من تحمل مسئولية الزواج، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الطلاق. بينما يؤكد د.عزت عبد العظيم أستاذ الأمراض النفسية بجامعة الزقازيق أن الإنسان الاجتماعي بطبعه لا يميل إلى الوحدة والعزلة، وينشد دائماً حياة الجماعة والمشاركة، وعلى رأسها الحياة الزوجية، حيث تتجلى فيها أسمى معاني الإنسانية من الحب والوفاء والبذل والعطاء المتبادل بين الزوجين، ومع ذلك فسرعان ما يشعر الإنسان بالملل والضجر من حياته، إذا سارت على وتيرة واحدة، ودائماً يشعر بعدم القناعة، والرضا التام عن أي وضع يعيشه، حتى لو كان فيه الخير له، وفي ذلك يقول المولى- عز وجل: "إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا، إلا المصلين"، هذا هو الإنسان دائماً، فقد يتمنى الزواج ويسعى إليه جاهداً، ولكن إذا ناله يعاوده الحنين إلى حياة العزوبية مرة أخرى. ويضيف د. عبد العظيم:الحياة الزوجية لها مميزات كثيرة، كالاستقرار العائلي، وتكوين الأسرة وإنجاب الأطفال، وكذلك أيضاً حياة العزوبية، حيث يعيش المرء على حريته، ولا يتقيّد بارتباطات ومسئوليات الحياة الزوجية بلا رقيب يوجه إليه التحقيقات والاستجوابات، التى لا تنتهى صباحاً ومساءوقد تساهم الزوجة بقدر كبير في دفع زوجها إلى هذا الشعور وتلك الرغبة، والحنين إلى حياة العزوبية من جديد، إذ لم تتفهم معنى الحياة الزوجية المشتركة وما فيها من تضحية وبذل وعطاء، وإذا لم تهيئ لزوجها الراحة والهدوء بالمنزل، وإذا لم تهتم بمظهرها وتهمل زوجها بحجة الانشغال بالأعمال المنزلية، واحتياجات الأولاد، كل ذلك يصيب الزوج بالإحباط والنفور من حياته الزوجية، مما يدفعه إلى الارتداد إلى الوراء متفحص ماضي أيامه بحنين، حيث حياة الانطلاق بلا رقيب ، وقد يسوقه إلى هذا الحنين أن تكون الزوجة نكدية تختلق المشكلات بشكل مستمر مع زوجها لأتفه الأسباب، أو ترهق الزوج بطلبات تفوق إمكاناته المادية، أو إذا كانت ثرثارة تكثر من الكلام والقيل والقال والنميمة دون داع، أو إذا كانت الزوجة غيورة لدرجة لا تطاق، حتى لكأنها تريد أن تسلبه كل حربة يستنشاق بها أي نسمة حرية، كل ذلك قد يصيب الزوج بالضيق والكراهية لحياته الزوجية البائسة، وقد لا تكون كذلك لكنه رجل لا يجيد فن التعايش بشكل سلمي من أخذ وعطاء، فيلقي عليها كل ملومة، فاتقوا الله في النساء يا معشر الرجال، ورغم كل ذلك يبقى الزواج هو حصن الأمان، وملجأ الإنسان ..كما سيظل الزواج مطلباً ضرورياً، لتحقيق احتياجات الإنسان البيولوجية والاجتماعية والنفسية، لينعم بالسكينة والاستقرار والراحة النفسية.