أو لصياغة النتائج التي ترضي مختلف المصالح. وقد ورد في معجم "لسان العرب"، أن المفاوضة، تعني: المساواة والمشاركة.. وهي "مفاعلة" من التفويض، كأن كلا الطرفين قد رد ما عنده إلي صاحبه. (1) ولكن، ما الطريقة المثلي لعملية المفاوضة؟ التفاوض - كما جاء في تعريفاته اللغوية - لا يقصد به الجانب السياسي فقط، بل يأتي إطار الانشطة التجارية لحكومات الدول، والإجراءات القانونية فيما بينها، وفي الحالات الشخصية مثل: الزواج، الطلاق، تربية الأطفال، الحياة اليومية. والمفاوضون المحترفون غالبا ما يكونون متخصصين، مثل: مفاوضي الاتحاد ومفاوضي السلام، والمفاوضين بشأن الرهائن، وقد يعملون تحت مسميات أخري، مثل: "الدبلوماسيين" و"المشرعين" أو "السماسرة". فالمفاوضات، أيا كان شكلها ووسيلتها، تبقي تحمل مضمونا وهدفا، لذلك تتعدد أشكالها، بل هناك من يبتدع شكلا معينا لها تحت ذريعة "أن أحد الأطراف لا يريد أن يجلس مع الآخر وجها لوجه"، وهذا الشكل، الهدف منه فقط: "حفظ ماء الوجه" للدخول في المفاوضات، وعليه نسمع عن مفاوضات عن قرب أو مفاوضات عن بعد، أو مفاوضات "الغرف المغلقة" والسرية، وهناك ما يعرف بمفاوضات "المنتجعات السياحية الفخمة"، التي تبعث الأمل في نفوس المفاوضين، وتحدث حالة من الإسترخاء السياسي، الذي قد يسهل الوصول إلي حلول لقضايا شائكة. (2) المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تبقي من أكثر المفاوضات تنوعا، فهي كما جاء علي لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي "معقدة جدا"، وفي هذا السياق، طبقت كل أشكال المفاوضات، وآخر ما نسمع عنه: "مفاوضات تقريب وجهات النظر"، أو "المفاوضات غير المباشرة" عبر الغرف المتلاصقة أو المجاورة، وهي "بالطبع" مفاوضات غير مباشرة داخل الغرف، ومباشرة خارج الغرف أو صالات الفنادق التي تعقد فيها، قد تكون قيمتها أنها قد تحرر المفاوض الفلسطيني من عبء المواجهة المباشرة، التي قد تحمل صورا هو في غني عنها، وهنا قد يتمسك بموقف أكثر تشددًا، ويترك بقية التفاوض علي كاهل الوسيط الأمريكي.. وكل هذه مبررات قد لا تكون مفيدة؛ فالغاية، هي: الوصول إلي نتائج ملموسة علي أرض الواقع. (3) المفاوض الفلسطيني يصر علي التجميد الكامل للاستيطان، حتي تكون هناك إمكانية لحل الدولتين، وهو بهذا وضع نفسه في موقف صعب، فهو متمسك بالمفاوضات كخيار رئيسي، إلا أنه، في الوقت ذاته، غير قادر علي الذهاب لمفاوضات غير معلومة النتائج، وبالتالي فلماذا التفاوض؟ وبالمقابل، فالحكومة الإسرائيلية حكومة يمينية متشددة، خاصة تجاة موضوع الاستيطان، وبرنامجها ومستقبلها واستمرارها مرهون علي موقفها من هذه المسألة، والراعي الأمريكي "الرئيسي" غير قادر علي اتخاذ موقف واضح وحاسم، ويتواني أن يمارس تأثيره علي اسرائيل، لأنه يأخذ الموقف ذاته.. المهم? في اعتقادنا - ليس شكل المفاوضات، بقدر التأكيد علي مضمونها وجوهرها. (4) إن المفاوضات غير المباشرة، التي يسعي جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلي الشرق الأوسط لإطلاقها بعد أيام، لن تفضي إلي نتيجة ملموسة، لأن المشكلة بالأصل ليست بشكل المفاوضات، وإنما بنوايا الجانب الإسرائيلي، الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وما أقرته له هيئات الأمم واعترف العالم كله بهذه الحقوق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فهنا تبدو النتيجة واضحة، مادامت الحكومة الحالية متربعةً علي عرش القرار السياسي في إسرائيل، فقد باتت المشكلة متمثلة في قدرة الوسيط الأمريكي علي تقديم ضمانات جادة وحقيقية لانجاح التفاوض، وصولا الي استحقاقات السلام. إذن، نحن لسنا أمام مفاوضات جديدة، بل علي العكس، هناك أكثر من ستة عشر عاما من الخبرة التفاوضية، ويفترض أنه قد تم التغلب علي مشاكل الثقة، أو معرفة موقف كل طرف، والأهم أن المفاوض الفلسطيني قد وصل إلي الذروة في سلم التنازل التفاوضي، وهذا يتطلب البعد عن أسلوب الضغط المتزايد عليه، وإلا ستنهار المفاوضات مع أول جلسة تفاوضية. فمن يملك مفاتيح نجاح المفاوضات، هي إسرائيل وحدها، باعتبارها سلطة احتلال، فقد سبق أن أضاعت إسرائيل فرصة قيادة الرئيس ياسرعرفات كنموذج قادر علي تحقيق سلام الشجعان.. واذا أضفنا الي ذلك أن تلك الجولة من المفاوضات تأتي في ظل مشهد فلسطيني معقد من الانقسام، رغم أن المفاوضات تحتاج إلي قيادة مؤمنة بالسلام والمفاوضات. (5) لقد دفعت واشنطن الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، إلي قبول المفاوضات غير المباشرة، بعد سلسلة مواقف تعارض السياسة الإسرائيلية، من قضية الاستيطان إلي الموافقة علي بيان مؤتمر "جَعْل الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي"، ودعوة إسرائيل? بالاسم - إلي الانضمام إلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصولا إلي الموافقة علي البيان الرئاسي لمجلس الأمن في شأن الاعتداء علي "أسطول الحرية". ومسار المفاوضات غير المباشرة، يتعامل مع جدول أعمال يركز علي إقامة الدولة الفلسطينية، أي يتعامل مع القضية ككل، وليس مجرد حل لمشكلة محددة في هذه القضية كقضية حصار غزة أو بناء المستوطنات في القدس، فالمسارين حالياً شبه متوازيين، والخطورة علي القضية الفلسطينية تكمن في اعتبار أن أحدهما يشكل بديلًا عن الآخر، أو أن أيًّا منهما وحده يؤسس للحل، ولا شك أن عدم بذل الجهود لإيجاد صيغة لتلاقيهما لن يكون في مصلحة القضية الواحدة، فلا بد من حوار يهدف إلي حل المنازعات والتوصل إلي اتفاق حقيقي وعادل. (6) وما يدهش أن صحيفة "الجارديان" البريطانية قالت: "إن شائعات ظلت تسري في الدوائر الدبلوماسية، بأن المبعوثين للشرق الأوسط الأمريكي: جورج ميتشل، والدولي توني بلير، يفكران في التخلي عن المهمة بعد أن وجدا أن القضية عصية علي الحل". كما لفتت إلي أن "ميتشل" عُيِّن في المنصب بعد أيام من تولي باراك أوباما رئاسة الولاياتالمتحدة، وهو ما اعتبرته مؤشرا علي أن الإدارة الأمريكيةالجديدة تولي الصراع في الشرق الأوسط أولوية في سياساتها، غير أن الأمور سارت علي نحو أبطأ وأكثر إحباطا، مما كانت الإدارة تتصور، خاصة بعد انهيار خطة أوباما في سبتمبر الماضي ووصول المفاوضات إلي طريق مسدود منذ ذلك الحين. وذكرت الصحيفة أن أفضل مرحلة في حياة المبعوثين: ميتشل، وبلير، تمثلت في نجاحيهما كمفاوضين في إرساء السلام في أيرلندا الشمالية عام 1997 خلافاً لكل التوقعات. وظل الاثنان منذ أكثر من عام يعملان معاً مرة أخري في محاولة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ إن "ميتشل" المبعوث الخاص لأوباما ، و"بلير" مبعوث للجنة الرباعية التي تضم كلاً من الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. وعاد ميتشل للمنطقة لإجراء مباحثات مع القادة الفلسطينيين والإسرائيليين، من أجل التوصل لتسوية تمهد الطريق لاستئناف مفاوضات السلام.. ان نجاح ميتشل في أيرلندا الشمالية، والذي أوعزه المحللون إلي طول أناته في الاستماع لأطراف النزاع هناك وكسب ثقتها، لن يكفل له هذه الأيام الاحترام في واشنطن أو الشرق الأوسط.. فقد نعته الإسرائيليون والفلسطينيون علنًا بالفاشل، وتعرض لانتقادات في واشنطن علي خلفية الصراع الداخلي بين مستشاري البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بشأن الطريقة المثلي لإحراز تقدم، وهو أحد الأسباب التي أدت إلي إطلاق الشائعات باحتمال استقالته من منصبه.