وخروجهم منه، ولكن في صباح أحد الأيام أتت إليه أسرة مكونة من رجل وزوجته ومعهم فتاة صغيرة تحمل قطة سوداء.. رفض خادم الشيخ حسن استقبال أي زائرين آخرين، وما لفت أنظار الجيران هو مكوث الأسرة أكثر من يوم دون أن يظهر أحدهم أو حتي الشيخ حسن. زاد الأمر غرابة عندما اندلعت النيران في شقة الشيخ حسن فقط، وعندما سارع الجيران لمساعدته، اكتشفوا أكثر الأمور غرابة: أن النيران نشبت في الجدران فقط دون أي أضرار بأثاث المنزل، وفي صباح اليوم التالي غادرت الأسرة دون القطة. وكانت المفاجأة الغريبة، عندما شاهد أحد الجيران القطة السوداء وهي تقف علي شباك غرفة الشيخ حسن وهي تصرخ، قائلة: لقد أخذنا الشيخ الملعون بعد أن خالف العهد، واختفت القطة داخل المنزل ليكتشف الجيران بعد ذلك صراخ خادم الشيخ حسن، وهو يؤكد وفاة الشيخ، اختفاء الخادم نفسه بعد عدة أيام من الدفن مخلفا العديد من الأسرار غير المعروفة". تنوعت الحكايات عن القدرات الخارقة للقطط علي ألسنة المصريين، فمنهم من يعتقد أنها تجسيم للجن، ومنهم من يصدق أن أرواح الموتي تزورهم من خلالها، وغيرها من القدرات المنسوبة إلي القطط. وكتاب "القط في المعتقد الشعبي" يذخر بالعديد من القصص والحكايات علي لسان أصحابها، أو من سمعوها من أصحابها، والتي تشكل رؤي الناس وتصوراتهم للعالم بشقيه المادي والروحي، والتي تشكل المعتقدات الدائرة حول القطط، وتثير جدلا شعبيا علي مختلف الطبقات. ويعتبر الكتاب بحثًا علميا ومرجعًا يمكن الإفادة منه في الدراسات العلمية، لأنه اتبع أساليب ومناهج البحث العلمي، فاعتمد الكاتب علي الحوار مع مختلف الأشخاص سواء كانوا من الوجه القبلي أو الوجه البحري، وحاول الكاتب اللجوء إلي مختلف الطبقات والأعمار. يبحث الكتاب عن الأصول الحضارية للمعتقدات الشعبية حول القطط، فقد ارتفع شأن القط في الثقافة الفرعونية، ووصل إلي أن أصبح من الآلهة، فانتشرت عبادتها في عهد الأسرة الثانية والعشرين، وكان يشار إليها بآلهة القوة، وكان يقدم لها القرابين من أجل استرضائه، وبالنسبة إلي الثقافة العربية، فقد حملت لنا كتب التاريخ والأدب العربي القديم العشرات من الحكايات الدائرة حول القط، وتعددت أوصافه وخصاله وطباعه في كل منها. ويقدم المؤلف محاولة لتفسير الصورة الحالية للقطط في المعتقد الشعبي، حيث لاحظ الكاتب أن الاعتقاد في قدرات القط الخارقة، سواء علي مستوي التطبيب والعلاج بأعضائه، أو باستخدامها في أعمال السحر، لا تنتشر بسرعة أو بمقدار كبير داخل المجتمع، فما يعتقد فيه البعض يرفضه الآخرون والعكس صحيح.. ولا توجد صيغة واحدة مشتركة بين جميع الأفراد، وتتراوح صورة القط في الأذهان بين الخيانة والوفاء• فإذا كانت الخيانة طابعا أصيلا في القطط- حسب اعتقاد البعض - ويعبرون عنه بالمثل الشهير: "القطط تأكل وتنكر"، فإن البعض الآخر يرفض هذا، ويؤكد أن القطط لا يمكن أن تخون أصحابها أو تتنكر لهم، استنادا إلي المثل القائل: "القطة اللي إنت مربيها ما تخونكش أبدا". ويتسم التعامل مع القط في الثقافة الشعبية بقدر كبير من العطف واللين والمعاملة الحسنة، قياسا إلي باقي الحيوانات، وتحظي بمكانة خاصة عموما، وكل هذا يجعلنا أمام مركب شديد التعقيد، متعدد اللفائف والطبقات، فإنه يوقفنا علي قدر من عمق المعتقد وجذوره المتشابكة في حقب تاريخية وثقافات متعددة امتزجت وتضافرت داخل هذا الكتاب بأسلوب فني يميل إلي الدراسة العلمية المفهومة للقارئ العادي. وتميز هذا البحث الفولكلوري بالكاتب نفسه، وهو فؤاد مرسي؛ لأنه أديب مبدع بقدر ما هو باحث مدقق، فذكر الكاتب الكبير خيري شلبي في تقديمه للكتاب أن هذا البحث اقرب ما يكون إلي العمل الفني، دون أي إخلال بشروط البحث العلمي. الكتاب: القط في المعتقد الشعبي. الكاتب: فؤاد مرسي. دار النشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة. عدد الصفحات: 95 صفحة من الحجم المتوسط.