لعبت جماعة الإخوان المسلمين في مصر طوال تاريخها منذ إنشائها عام 1928 على يد الراحل حسن البنا دوراً بارزاً مع الجيش المصري ؛ حيث كان بمثابة صعود وهبوط في العلاقة المتوترة دوماً والمتميزة أوقات قليلة، وكان أعضاء من الضباط الأحرار بما في ذلك جمال عبد الناصر وأنور السادات على اتصالات وثيقة مع الإخوان المسلمين منذ عام 1948 بداية حرب فلسطين وقاتلوا جنباً إلى جنب مع ضباط الجيش، بالإضافة إلى أنه جرى تدريب شباب الجماعة على كيفية الانتشار والتحرك السريع في العام الذي سبق ثورة 23 يوليو1952، وعلى الرغم من تناقض مواقف مرشد الإخوان الراحل حسن الهضيبي إلا أنه وافق على مساعدة الثورة وتشجيع الدعم الشعبي لانقلاب الجيش على الملك فاروق. بعد الثورة، كانت العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة على مايرام، حيث ألغت الحكومة جميع الأحزاب السياسية والمنظمات باستثناء جماعة الإخوان المسلمين، لكن العلاقة سرعان ما تبدلت الأمور لعدم استعداد الجيش في تقاسم السلطة السياسية مع الإسلاميين، كما أن الإخوان أصرت على صدور دستور إسلامي ومع الرفض العارم لمجلس قيادة الثورة مشاركة الإخوان في الحكم، لجأت الجماعة إلى استخدام مكبرات الصوت للتشكيك في قرارات الثورة وحشدت أنصارها للإطاحة بالحكومة وأُلقي القبض علي المئات منهم ، لكن مع هدوء الأزمة انحاز الهضيبي مرة أخرى إلى ناصر وحصل على الإفراج عن معظم أعضاء الإخوان المسجونين، وتم إعادة ترخيص الجمعية. كانت محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالإسكندرية، بعد أن أطلق عضو تابع للإخوان في الجهاز السري النار على ناصر في حين أن الأخير كان يلقي خطاباً بمناسبة أعياد الثورة، لكن الرئيس الراحل وقف مجدداً وأنهى خطابه وأعلن أنه مستعد للموت من أجل بلاده، ومع ذلك تقول بعض المؤشرات والدلائل التاريخية أن عبد الناصر والمقربين منه قد نظموا محاولة الاغتيال للتخلص من الإخوان، وبعدها تم حل الجماعة رسمياً ومصادرة مكاتبها وأموالها واعتقل الآلاف من أعضائها بتهمة التآمر، حيث تم شنق ستة وحكم على سبعة بما في ذلك الهضيبي بالسجن مدى الحياة مع الأشغال الشاقة. بعد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات.. أصبح حسني مبارك رئيساً لمصر حيث بدأ نفوذ النخبة الاقتصادية يتزايد حتى صعدت إلى السلطة وأصبح هناك مايسمى بحكومات ووزراء رجال الأعمال.. وهم الذين طالبوا بتعديل الدستور لإمكانية ترشح نجل الرئيس الأصغر جمال ليكون خليفة والده في الحكم، وكانت هذه دعوة لاستيقاظ المؤسسة العسكرية والشعب بأكمله، حيث كانت هذه الشائعات المتناثرة تتزايد يوماً تلو الآخر حتى هب المصريون في 25 يناير 2011 في ثورة شعبية أطاحت بالنظام. تحت حكم مبارك، عززت وزارة الداخلية قوتها إلى أبعد مايكون وأصبح نفوذ الأمن سياسياً يتعدى قوة الجيش، كما أن قوة النخبة الاقتصادية ورجال الأعمال المقربين من السلطة يعدون بمثابة تهديداً آخر للجيش، خاصةً بعد أن أخذوا الكثير من الحصة الاقتصادية المفروضة للقوات المسلحة التي تقدر بنحو 40% من الاقتصاد المصري، ومن أجل استرضاء قيادات الجيش منح مبارك كبار الجنرالات بدلات ضخمة فضلاً عن مناصب شرفية بعائد مالي ضخم على رأس الشركات بمجرد تقاعد الجنرالات، لكن هذا لم يكن كفيلا بإزالة أي تهديد عسكري للنظام الحاكم، ورغم ذلك لم يكن للجيش أي دور سياسي قبل عام 2011، وبالتالي قدمت الثورة فرصة ذهبية لإعادة ترييب البيت العسكري والعودة من جديد إلى دائرة النفوذ السياسي وصناعة القرار، وبعد تنحي مبارك جاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة واستمر في السلطة لأكثر من عام ونصف العام، تم خلالها استمالة الإخوان المسلمين لعدم الخروج في تظاهرات ضد الجيش ومجابهة القوى المعارضة التي تخرج في الميادين للحد من الحكم العسكري للبلاد بالإضافة إلى أن المجلس العسكري الحاكم وقتها برئاسة المشير حسين طنطاوي كان يريد ظهيراً شعبياً يخرج عند اللزوم لتأييد قرارته الصادرة، حتى صعدت الجماعة بتوافقات وترتيبات داخلية وخارجية وبمباركة الولاياتالمتحدةالأمريكية والجيش إلى حكم البلاد في فرصة تاريخية من عمرها، ووصل محمد مرسي إلى عرش مصر وتوقع الكثير أنه لن يكون هناك توتر بين الرئاسة والجيش، خاصةً بعد أن وصل الطرفان إلى اتفاق في بنود الدستور الجديد تحمي القوات المسلحة من الرقابة الحكومية أو المساءلة السياسية. لكن يظل الإخوان ضحايا الغرور السياسي في مناطحة المؤسسة العسكرية.. وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت العلاقة بين الطرفين توتراً وحدة في التعامل بعد أن ساء الوضع الاقتصادي والسياسي وانقسم المجتمع الشعبي والسياسي بسبب أداء الرئيس الباهت في إدارة البلاد، وتزايدت المطالب بدعوة الجيش إلى النزول مجدداً على الرغم من المشاكل العديدة التي شهدتها البلاد خلال الفترة الانتقالية التي قادها المجلس العسكري في عام 2011. منذ تعيين وزير الدفاع الحالي الفريق أول عبد الفتاح السيسي اعتقد أن الجيش عاد إلى ثكناته وحاول مرسي التقارب مع القوات المسلحة لضمان دعمه في صراعه مع المعارضة الليبرالية، لكن ظلت قيادة الجيش في ريبة من أمرهم؛ لوجود بعد ديني يغلب على سياسات الرئيس وتتعارض مع الفكر الاستراتيجي في قضايا الأمن القومي، وكانت أولى مراحل التقارب مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة وتتبنى الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا التقارب في غاية الخطورة على أمن مصر القومي بالنسبة لشبه جزيرة سيناء، التي تحتل مكاناً هاماً في التفكير الاستراتيجي لقادة الجيش؛ لأنها تعتبر من أخطر مناطق التهديدات لأمن مصر الداخلي والخارجي. مع مرور الأيام من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي بدأ في طرح فكرة الجهاد الإسلامي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو الأمر الذي أثار استياء القوات المسلحة واعتبرت تصرف الرئيس متهورا وخطيرا على الأمن القومي، ومع كثرة توالي أخطاء الرئيس السياسية أصبح الجيش ضد مرسي وبلغ ذروة العداء في تظاهرات 30 يونيو، واستغلت القوات المسلحة التظاهرات الشعبية ووجود غطاء سياسي لها ودعم شعبي يرحب بعودة الجيش للإطاحة بالرئيس؛ لينهي حلقة جديدة من الصراع التاريخي مع الإخوان المسلمين المستمر للأبد طالما تواجد الجيش والإخوان داخل المعادلة السياسية المصرية. تقاسم السلطة كمال الهلباوي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين السابق قال : إن جماعة الإخوان طوال تاريخها تريد أن تعيش دائماً في دور الضحية التي يطيح بها الجيش من المعادلة السياسية بعد أن يتزايد نفوذها خلال مراحل التاريخ المختلفة، فمثلاً في عهد عبد الناصر أرادوا مقاسمة السلطة مع مجلس قيادة الثورة رغم أن دور الإخوان في الثورة كان مزدوجاً خوفاً من فشل حركة الضباط الأحرار ووقتها يدينون بالولاء للقصر والملك، ومع توالي السنوات جاءت ثورة يناير لتضع الإخوان أمام اختبار تاريخي من ترديد الشعارات والمعارضة إلى الصعود للحكم وتنفيذ ماكانوا يتغنون به ضد الأنظمة المختلفة، إلا أنهم فشلوا في استغلال الفرصة ولم يكن أمام الجيش سوى الإطاحة بالإخوان من الحكم، بعد أن تيقن الشعب أن هؤلاء القادة لايصلحون سوى لإدارة جماعة سرية، لافتاً إلى أن الإخوان لن يكون لهم تواجد في الحكم أو العملية السياسية إذا استمروا في عنادهم ومناطحتم للجيش، وعليهم أن يكونوا أكثر تحرراً ووعياً من قيود حسن البنا؛ لأن النظام السياسي لابد من وجود قوة عسكرية تدعمه وقت الأزمات، لأن مجابهة الجيش ومحاربته لفظياً لن يجني الإخوان سوى السقوط والملاحقة. ومن جانبه أوضح ثروت الخرباوي القيادي الإخواني السابق، أن الإخوان ترى أن وجودها السياسي في مصر لن يكون ذو تأثير أو نفوذ, طالما تواجد الجيش بصورته المتماسكة الحالية وسيظل عقبة في طريق المشروع الإخواني، ولذلك خلال فترة وجود الرئيس المعزول محمد مرسي في الحكم سعى بكافة الأشكال إلى كسب ودّ القوات المسلحة والقرب إليها لضمان وجود ظهير قوي وداعم لمؤسسة الرئاسة ضد قوى المعارضة، أو على الأقل أخونة قيادات الأفرع الرئيسية، لكن بعد أن فشل الرئيس في مسعاه؛ حاولت الجماعة استمالة الكثير من الرتب الصغيرة لإعادة ترتيب أفكارهم وفق منهجية الإخوان لأنهم قادة المستقبل، موضحاً أن صراع الإخوان والجيش لن ينتهي طالما رغبت الجماعة في تفكيك المؤسسة العسكرية لضمان التواجد السياسي بحرية، كما تحاول إنهاك الجيش في حرب عصابات مع الجهاديين في سيناء كما يفعلون حالياً بعد الإطاحة بمرسي، فضلاً عن أن القوات المسلحة لن تقبل نفسياً في المستقبل فكرة تقبل وجود رئيس ينتمي للتيار الإسلامي ذو مرجعية إخوانية، وماحدث خلال الفترة الماضية عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك كان التزاماً من الجيش برغبة الشعب والشرعية الانتخابية. بينما أشار علاء عبد المنعم سكرتير حزب الوفد الأسبق، إلى أن الإخوان ليس لديهم عقيدة الأمن القومي ولا يعترفون بجيوش أو حدود، ويرغبون في عودة الخلافة وتوحيد الجيوش والدول العربية ليحكم خليفة المسلمين وفق منهجية واحدة على كافة المسلمين في الأرض، وفور صعود مرسي على الحكم سعى التنظيم الدولي للجماعة إلى تنفيذ هذا المخطط، لكن بسبب غباءهم السياسي أنهم استعجلوا هذه الخطوة حيث كانوا يريدون تفكيك الجيش المصري واستبدال قواته ووحداته بإنشاء حرس ثوري على غرار التجربة الإيرانية، مؤكداً أنه منذ إنشاء جماعة الإخوان على أيدي الراحل حسن البنا سعت إلى استغلال حشودها للتأثير على الجيش خاصةً وقت الثورات، نظراً لأن الإخوان تعرف جيداً كيف تستغل المراحل الانتقالية وفق رؤيتها وبما يتفق مع مصالحها، وخلال ثورة يوليو سعت إلى فرض شروطها على مجلس قيادة الثروة؛ لأنها أدركت أنه بحاجة إلى ظهير شعبي ومساند ضد الحركات الرافضة للانقلاب العسكري ضد الملك، وأيضاً عقب الإطاحة بمبارك استغلت قلة حيلة المجلس العسكري الحاكم وقتها برئاسة المشير حسين طنطاوي وعدم خبرتهم السياسية في إدارة البلاد ووضعوا جميع القيادات تحت لواء الجماعة، حتى سارت المرحلة الانتقالية التي استمرت لمدة عام ونصف حسب رؤية الإخوان ووفق مصالحهم حتى تحقق لهم ما أرادوا وصعدوا إلى رئاسة البلاد، لكن بعد شعورهم أنهم أقوى من المؤسسة العسكرية ويوزعون الاتهامات والشائعات الكاذبة على قادتها ويتشدقون دوماً بالشرعية، لجأ الجيش إلى استغلال ثورة 30 يونيو حتى أسقط الإخوان بعد أن فشلت تجربتهم في الحكم. ويرى د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري السابق، أن صراع الإخوان مع الجيش دائماً ما يخلف وراءه عواقب سياسية ضد الجماعة، ونظراً لأنها لاتتعلم من أخطاءها أرادت أن تكون الوصي الشرعي على قرارات مجلس قيادة الثورة وقبل صدور القرار لابد من موافقة المرشد، وهو ما تكرر خلال فترة حكم محمد مرسي حيث كانت جميع قرارات مؤسسة الرئاسة نابعة من داخل مكتب الإرشاد وبالطبع كان الجيش يرصد ذلك جيداً، والخطأ في ذلك أن عدم استقلالية العضو الإخواني في المنصب التنفيذي يعود بكوارث سياسية على البلاد، وفي خلال الصراع المستمر مع القوات المسلحة من الإخوان كانت تقرر اللجوء إلى العنف، وفي النهاية تصبح خاسرة ويتم مطاردة قياداتها وحل الجماعة ومصادرة مكاتبها وأموالها، ليس إضطهاداً وإنما لأنهم متورطون ومحرضون على العنف طوال تاريخهم، موضحاً أن الجماعة نظراً للعداء التاريخي مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وبسبب خلفيته العسكرية كانت تنتظر فرصة الصعود إلى الحكم حتى تتلاعب بالجيش، وذلك نفذت مخططها بعد صعود مرسي وزجت بالمؤسسة العسكرية في صراعات مسلحة مع الجهاديين في سيناء، وفي صراعات سياسية واستراتيجية مع بعض الدول المجاورة، حيث حملت سفريات الرئيس المعزول مرسي مصائب للأمن القومي المصري، لأنه كان يريد التنازل عن مثلث حلايب وشلاتين لدولة السودان وكان يريد تأجير قناة السويس بحق انتفاع لدولة قطر، وغيرها من الأزمات التي كان يفتعلها متعمداً لإلهاء الجيش في هذه الصراعات حتى يتفرغ من جماعته لقيادة الجبهة الداخلية وزيادة النفوذ الإخواني داخل مؤسسات الدولة، لكن الجيش كان بالمرصاد لكل هذه المخططات والمؤامرات الإخوانية وكان يعالجها بهدوء، حتى جاءت ثورة 30 يونيو ليتم تصحيح الأوضاع المائلة ويطيح بالإخوان من الحكم، وأثبتت الأيام أن الإخوان دائماً خاسرون في مناطحتهم وصراعهم مع الجيش المصري.