الرئاسية المقررة العام المقبل، وهو ما يضع كل القوي السياسية المصرية في اختبار قوي، ليس فقط للفوز بمقاعد الشوري، وإنما لاكتساب الأرضية وقوة الدفع لخوض بقية الانتخابات، لاسيما أن نتيجة الأحزاب في تلك الانتخابات ستحدد من سيكون له الحق في خوض انتخابات الرئاسة. وبينما يبدو مشهد المنافسة الرئيسي في انتخابات الشوري منحصراً بين الحزب "الوطني" وجماعة "الإخوان"، إلا أن حظوظ منافستهم علي الفوز تبدو أكبر من كل مرشحي المعارضة البالغ عددهم 42 مرشحاً وينتمون إلي 13 حزباً معارضاً، في مواجهة 92 مرشحاً للحزب، بينما تكرس تلك الانتخابات التهميش الواضح للمرأة والأقباط، ووسط مخاوف عميقة من عدم وجود ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات في ظل تقليص الإشراف القضائي علي الانتخابات، وقصره علي لجان الاقتراع العامة فقط. وكالعادة بدت حظوظ الحزب "الوطني" هي الأوفر في الحفاظ علي الأغلبية التامة التي يتمتع بها في مجلس الشوري، الذي لا يضم سوي نائب واحد معارض بالانتخاب، بينما بقية المعارضين يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، وهو ما يجعل مجلس الشوري بمنزلة "الفناء الخلفي" للحزب الحاكم، والذي يسعي إلي إحكام سيطرته عليه، والاستحواذ علي كل المقاعد، إلا أن تلك الانتخابات شهدت عدداً من المتغيرات والشواهد ذات الدلالة داخل الحزب، تؤكد أن قيادات "الوطني" تنظر إلي انتخابات الشوري علي أنها "بروفة" قوية قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ونفذ الحزب ما يمكن أن يطلق عليه سياسة "القبضة الحديدية" والتي نفذها بدقة أمين تنظيمه النائب أحمد عز، إذ استطاع عز مواجهة الانشقاقات الحزبية التي كانت تصاحب عمليات اختيار المرشحين لخوض الانتخابات، علي الرغم من أن نسبة التغيير في المرشحين لم تزد علي 10 %، بل إن عز استطاع أن يسخّر نواب الحزب في مجلس الشعب، الطامعين في إعادة ترشيحهم بعد عدة أشهر، لخدمة مرشحي الشوري، إذ اعتبر عز أداء نواب الشعب في مساندة مرشحي الشوري أحد المعايير التي ستُراعي عند تقييم أدائهم السياسي بشكل عام. في المقابل، يبدو الطرف الثاني في معادلة الصراع السياسي في مصر، وهو جماعة "الإخوان" أقل عدداً من حيث المرشحين، لكنه الأكثر تنظيماً وتحركاً في الشارع، إذ نجحت الجماعة في اختراق الحصار الأمني المفروض ضدها وتقدم 15 من مرشحيها في 11 محافظة بأوراقهم لخوض المنافسة، التي تعتبرها الجماعة أيضا تدريباً قوياً قبل المعركة الرئيسية لها مع النظام الحاكم في انتخابات مجلس الشعب. واستخدم "الإخوان" تكتيكاً قوياً للإفلات من القيود الأمنية لاستهداف مرشحيهم، فتقدمت الجماعة بأوراق عدد من المرشحين، بينهم عدد كبير يخفي انتماءه للجماعة، بحيث إذا ما تم الطعن علي أحد المرشحين أو استبعاده من الانتخابات، يخرج علي الفور النائب البديل ليربك حسابات الحزب الحاكم وقوي الأمن، وتجسد هذا التكتيك في الدائرة الأولي في محافظة الإسكندرية، التي تم استبعاد المرشح الأساسي للجماعة فيها علي بركات لإخلاء الطريق أمام مرشح الحزب "الوطني" وعضو أمانته العامة محمد عبداللاه، إلا أن ظهور المرشح البديل للجماعة حسن إبراهيم قلب موازين المنافسة في الدائرة. كما اعتمدت الجماعة علي تكتيك جديد، وهو الدفع بعدد من نوابها في مجلس الشعب لخوض انتخابات الشوري، إذ دفعت بثلاثة من نوابها هم: علي فتح الباب في محافظة حلوان، وأشرف بدر الدين في المنوفية، وعزب مصطفي في الجيزة للاستفادة من حصانتهم البرلمانية لإقامة مؤتمرات وممارسة جولاتهم الانتخابية بحرية تامة والإفلات من الاستهداف الأمني. وقامت الجماعة كذلك بالتنسيق مع عدد من أحزاب المعارضة ودعم مرشحيها في بعض الدوائر، وهو ما يراه الباحث في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" ضياء رشوان، "أمراً ليس جديداً فقد سبق للإخوان أن قاموا بالتنسيق والتحالف مع أحزاب أخري كالوفد في عام 1984 والعمل في عام 1987، ولكن المختلف الآن هو تعمد الإخوان الرد علي وجود خلافات مع باقي القوي السياسية بسبب تطرف الإخوان أو تشددهم وخصوماتهم مع القوي السياسية الأخري، وأبلغ دليل علي ذلك هو تنسيق الجماعة مع مرشحين لحزب التجمع، ودعمها للمرشح القبطي المستقل نبيل رمزي جرجس في محافظة أسيوط ضد مرشح الحزب "الوطني" وعضو أمانته العامة محمد عبدالمحسن صالح، في محاولة لمواجهة اتهامهم بالطائفية". ولفت رشوان إلي أن "أهم مكاسب الإخوان في معركة الشوري الحالية هو الخروج من عباءة الجماعة المحظورة، وتحولها إلي قوة سياسية لا يستهان بها سياسيا ويخشاها الحزب الوطني". أما الطرف الثالث في لعبة الانتخابات الحالية فهو أحزاب المعارضة، التي تبدو مشاركتها "هزيلة"، إذا ما قورنت بمشاركة "الوطني" أو حتي بعدد المرشحين المستقلين الذين يتجاوز عددهم 330 مرشحاً مقابل 42 مرشحاً يمثلون 13 حزباً معارضاً بنسبة لا تتجاوز ال 9 في المئة من جملة عدد المرشحين، وتراوح وجود تلك الأحزاب ما بين الغياب التام، وبين السعي إلي التمثيل المشرف لأحزاب أخري عن طريق طرح عدد محدود من المرشحين. وقد سارت تحركات المعارضة في التعامل مع انتخابات الشوري عكس المتوقع في أن أحزاب المعارضة التي كان يجب عليها استغلال انتخابات الشوري لتكون بروفة لها قبل انتخابات مجلس الشعب الحاسمة التي ستجري أواخر العام الجاري، فحزب "التجمع" الذي يعد أكثر أحزاب المعارضة تمثيلاً في مجلس الشوري لم يرشح سوي عشرة مرشحين، وهو ما برره أمين الشئون السياسية والبرلمانية والمتحدث باسم حزب "التجمع" نبيل زكي، "بعدم وجود إمكانات مالية للحزب لتمويل الحملات الانتخابية خاصة أن الدوائر الانتخابية للشوري ضخمة وممتدة"•ويخوض حزب "الوفد" الانتخابات ب12 مرشحاً من قيادات الحزب، ويعتمد علي معاقله التاريخية في المحافظات للفوز بأحد مقاعد الشوري، فعلي سبيل المثال، يخوض مرشح "الوفد" في محافظة الشرقية عبدالمجيد شريف معركة شرسة أمام مرشح "الوطني" أسامة الصادق، وفي بورسيعد يخوض مسعد المليجي مرشح "الوفد" منافسة قوية أيضاً أمام مرشح "الوطني" سامي الرشيدي، وتبدو حظوظ مرشحي الحزب في هاتين المحافظتين أكبر من بقية المحافظات• أما الحزب "الناصري" فلم يخض الانتخابات سوي بمرشحين اثنين فقط، أحدهما قدم استقالته من الحزب بعدما تخلي الحزب عن ترشيحه للشوري تحت مظلته، وهو أمين التنظيم محسن عطية، وقد أوضحت المشاركة الهزيلة للحزب "الناصري" في انتخابات الشوري حالة الانقسام والتشرذم التي يعانيها الحزب، وضعف دوره في الشارع السياسي خلال السنوات الأخيرة، وفشله في الحصول علي أي مقعد بالبرلمان خلال الانتخابات الأخيرة. وإذا ما كانت انتخابات الشوري قد كرست للغياب الواضح لأحزاب المعارضة عن الشارع السياسي، فإنها كرست بشكل أكثر وضوحاً غياب الأقباط والمرأة عن العملية السياسية، إذ صارت تلك المشاركة بمنزلة "ذر للرماد" في عيون المنتقدين لغياب تلك الفئات عن الساحة، ويتساوي في ذلك الحزب الحاكم الذي لم يرشح سوي قبطيين اثنين من جملة 92 مرشحاً له، وامرأة واحدة تواجه طعوناً قضائية قد تقصيها عن السباق، كما فشلت المعارضة في تحقيق ما تنادي به من توفير مساحة أكبر لمشاركة الأقباط والمرأة بسبب المشاركة الهزيلة لها في الانتخابات وغاب الأقباط تماما عن ترشيحاتهم، بينما لم تترشح علي لوائح الأحزاب سوي امرأتين فقط. ويبدو أن الحزب "الوطني" في ترشيحه للقبطيين، رجل الأعمال عيد لبيب في دائرة ملوي في محافظة المنيا، والعمدة مالك في محافظة أسيوط، لا يسعي إلي الفوز بقدر ما يحاول إبقاء علاقته بالكنيسة لدعم المقربين منها ولضمان دعمها للنظام في كل الانتخابات المقبلة، ومنها انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية في صفقة سياسية تحدث عنها عدد من التقارير الإعلامية، عقب زيارة أمين التنظيم في الحزب "الوطني" أحمد عز إلي البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية في مقر الكاتدرائية قبل انتخابات الشوري بنحو ثلاثة أسابيع. ولا تبدو حظوظ المرأة في المنافسة أفضل، إذ خاضت الانتخابات 11 سيدة، 8 منهن من المستقلات، و3 مرشحات حزبيات، وتنتمي إحدي هؤلاء المرشحات الثلاث إلي الحزب "الوطني" وهي سيدة الأعمال هدي الطبلاوي عن دائرة كفر الشيخ، والتي تم إبعادها بحكم قضائي لكشف صدور أحكام قضائية ضدها بسجنها نحو 13 عاماً. من الظواهر التي كانت لافتة في انتخابات الشوري 2010، تلك الحرب المستعرة بين المرشحين في ساحة الطعون القضائية، والتي باتت وسيلة فعالة في إقصاء المرشحين والتلاعب بمسارات المنافسة، وكانت أكثر هذه الطعون أهمية 13 طعناً في محافظة القاهرة، مقدمة ضد مرشحي الحزب "الوطني" الحاكم، في حين توزعت الطعون الأخري علي قوي سياسية مختلفة ومستقلين من بينها 4 طعون خاصة بجماعة "الإخوان المسلمين"، وطعن لمرشح عن حزب "الوفد"، وآخر لمرشح مستقل.