تنطلق مهرجانات الصيف الفنية اللبنانية هذا العام وسط مخاوف امنية وقلق سياسي دفعت لجنة مهرجانات بعلبك الاثرية العريقة الى نقل فعالياتها الى مكان آخر أكثر أمنا في البلاد. وتبدأ المهرجانات التي تعتبر واحدة من أبرز معالم صناعة السياحة بين أطلال بعلبك الرومانية الأثرية وقصر بيت الدين الشهابي وقلعة بيبلوس الفينيقية ابتداء من الجمعة لكن بعض المنظمين أبدوا قلقا من تدهور الاوضاع الامنية والسياسية في البلاد على خلفية الحرب الاهلية في سوريا. وقالت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دو فريج "من المؤكد اننا في ظل الظروف الراهنة نحن في بعلبك واعون ان هناك مشكلة حاصلة تجعل من المستحيل قيام المهرجان في بعلبك.. ولكن نحن مصرون على ان نكمل المهرجان لهذا فإن اللجنة تدرس احتمالات جديدة وسيكون لدينا معلومات قريبا جدا." وكانت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية التي تأسست عام 1956 من قبل الرئيس انذاك كميل شمعون قد توقفت ابان الحرب الاهلية وتوقفت فعالياتها خلال حرب حزب الله مع اسرائيل عام 2006 . ومع أن كل المهرجانات الصيفية في لبنان لها أهميتها السياحية، فإن مدينة الشمس لها رمزية تاريخية كونها الأقدم والأكثر شهرة ولمهابة المكان التاريخي الذي تقام فيه داخل القلعة الرومانية الشامخة. وتعتقد اللجنة ان أمامها المزيد من الوقت لإيجاد الحلول المناسبة للجميع خاصة بعد أن ألغيت الحفلة الافتتاحية التي كان يفترض أن تقام في الثلاثين من يونيو/حزيران إذ إن مغنية الأوبرا السوبرانو الأميركية الشهيرة رينيه فلامينغ اعتذرت عن الحضور الامر الذي يترك فرصة للجنة الى موعد الحفل الثاني في التاسع من اغسطس/اب مع حلول عيد الفطر. وقالت دو فريج "نعرف ان بعلبك لا تعطي قيمتها لأحد ولكننا سننتقل ولا نعرف الى اين ونحن ندرس التقنيات ونستشير السلطات الرسمية والاجهزة المختصة." ومن الاحتمالات التي تدرسها اللجنة انتقال المهرجان الى قاعات كبيرة في بيروت. وكانت دو فريج قد زارت وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال فادي عبود الاثنين الماضي بعد يوم واحد من هجوم راح ضحيته أربعة شبان في جرود بعلبك وتباحثت معه حول ما يمكن اتخاذه من إجراءات. وأذكى الصراع في سوريا التوترات الامنية في منطقة بعلبك القريبة من الحدود السورية حيث يؤيد السنة المعارضين السوريين الذين يعيشون بالقرب من الشيعة الذين يدعمون الرئيس بشار الاسد. واستهدفت الصواريخ التي تطلق من مناطق يعتقد انها تخضع لسيطرة المعارضة السورية بلدة الهرمل الشيعية بينما عبرت طائرة هليكوبتر سورية الى لبنان واطلقت النار على مبان في مناطق حدودية سنية. وكان حزب الله الشيعي قد ساند قوات الاسد في السيطرة على مدينة القصير الحدودية الاستراتيجية في حين ذهب بعض السنة اللبنانيين للقتال مع المعارضين في سوريا في الصراع الذي تقول الاممالمتحدة انه قتل فيه أكثر من 93 الف شخص. ومن العروض التي ستستضيفها مهرجانات بعلبك عرض للمطرب اللبناني عاصي الحلاني بعنوان "حلم" في التاسع والعاشر من اغسطس/اب ومغنية الروك البريطانية ماريان فيثفول في 17 اغسطس/اب وعازفة موسيقى الجاز على البيانو البرازيلية اليان الياس في الثالث والعشرين منه والمغني اللبناني مارسيل خليفة في الرابع والعشرين والخامس والعشرين اما حفل الختام فسيكون مع رقص معاصر بمشاركة غنائية من فاديا طمب الحاج في الثلاثين من اب/اغسطس. اما مهرجانات بيت الدين فستنطلق الجمعة من القصر الرئاسي الاثري مع العرض اللبناني الذي يحمل عنوان "على خطى ماركو بولو" في رحلة موسيقية على طريق الحرير من الصين الى البندقية. كما يستضيف المهرجان المطرب العراقي كاظم الساهر الذي اعتاد على احياء حفلات في بيت الدين منذ سنوات عدة وأمسية شرقية في عرض يندرج تحت عنوان "أصداء من سوريا.. حي على الياسمين" ومن عالم الجاز يستضيف المهرجان المغنية الامريكية ديدي بريدجووتر وفرقة الألعاب البهلوانية الوطنية الصينية "سيرك سبلانديد" والمغنية الفرنسية باتريسيا كاس ويختم المهرجان في 10 اغسطس/آب بأمسية تخصصها كاس لأبرز نجاحات سيدة الغناء الفرنسي إديث بياف في تحية للفنانة الكبيرة بعد مرور خمسين عاما على وفاتها وذلك ضمن جولة عالمية تقوم بها المغنية حاليا. وقالت مديرة لجنة مهرجانات بيت الدين هلا شاهين "اولا نحن على ادراك تام ان الوضع الراهن في لبنان لا يشجع كثيرا على المهرجانات وان للأزمة السورية تأثيراتها في لبنان، وايضا لا يوجد عندنا موسم صيف واعد وهناك الكثير من السواح لن يأتون الى لبنان، ولكن رغم كل ذلك نحن مجبرون ان نستمر لكي نقول ان هناك لبنان ثان لبنان ذو الوجه الحضاري وذو الوجه الثقافي وهناك فسحة امل يجب ان نعطيها للناس." وأضافت "الناس تلتقي بالموسيقى.. مهرجانات بيت الدين عندما انطلقت في الحرب جمعت اناس من اطراف عدة من لبنان." وكانت فعاليات مهرجانات بيت الدين انطلقت في العام 1985 في ذروة الحرب الاهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وخلال السنوات الماضية كانت هذه المهرجانات تتيح للسياح سماع الموسيقى والاغاني او مشاهدة الرقص والسيرك والحفلات في حضرة التاريخ وهي تجذب العديد من السياح الذين كان الكثير منهم يتدفقون على لبنان من سعوديين اثرياء ساعين الى قضاء عطلة صيف بعيدا عن حرارة الطقس في بلدهم الصحراوي الى اوروبيين يريدون العودة الى بلادهم بذكريات أكثر اثارة من مجرد قضاء عطلة في منتجع مايوركا الاسباني. لكن منذ اندلاع الازمة في سوريا غاب السياح العرب عن لبنان وصدرت تحذيرات من دولهم بضرورة عدم التوجه الى لبنان. وخفت اعداد الاجانب خشية الاوضاع الامنية. واكدت هلا شاهين ان اعتماد المهرجانات هذا العام سيكون على اللبنانيين من مقيمين ومغتربين مع غياب السياح العرب عن البلاد للسنة الثانية على التوالي. وقالت شاهين "التحدي ان نكمل.. الظروف صعبة نعم صعبة.. نحن نقيم مهرجانا في قصر جمهوري هو قصر بيت الدين وهو المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية يوجد امان وطريق امنة.. حتى الان بيع البطاقات يدل على ان الناس غير خائفة الحمد لله." اما رئيسة لجنة مهرجانات بيبلوس الدولية لطيفة اللقيس فقالت ان المهرجان في منطقة جبيل في شمال بيروت قد استضاف العام 2012 نحو 40 الف شخص وهي تأمل ان يستضيف هذا العام نفس العدد نظرا لغياب السياح عن البلاد. ويسير العمل بخطى حثيثة على مدرج مهرجانات بيبلوس العائم على البحر المتوسط والذي تقابله قلعة فينيقية اثرية في حين تستعد الاسواق في المدينة لموسم تأمل ان يكون حافلا هذا العام مستفيدة من ان المنطقة اكثر امنا من مناطق اخرى في البلاد. وقالت اللقيس "المهرجان يشكل عاملا اقتصاديا مهما جدا لهذا السبب نحن مصرون على الاستمرار وعدم التنازل عن هذه الخطوة.. وان نتخطى كل الصعوبات حتى نثبت للعالم ان وجه لبنان الحضاري مازال موجودا". ويتضمن برنامج بيبلوس هذا العام تسعة عروض يستهلها الموسيقي اليوناني ياني في الثلاثين من يونيو/حزيران. واكد المنظمون ان تسعة الاف بطاقة لحفلتي ياني بيعت والتي سيتقاضى عليهما 600 الف دولار.. وتتراوح اسعار البطاقات بين 50 و200 دولار. ومن ابرز الفرق المشاركة في المهرجان نايتوش الفنلدية السويدية وفرقة ون ريبوبليك الاميركية والمغنية الاميركية لانا دي راي والفرقة البريطانية بت شوب بويز وحفلة لبنانية تستعيد اغاني الاخوين رحباني وفيروز والعازف الاسباني باكو دو لوتشيا وكريزي اوبرا وهو من الاوبرا يمزج بينها وبين اللحن العربي. وعلى العكس من مهرجانات بعلبك وطرابلس فان مهرجانات بيت الدين وبيبلوس تجريان في منطقتي الشوف بجبل لبنان وجبيل وهي اماكن لا يوجد فيها صراع امني. وقالت اللقيس "حتى الان الحمد لله لم نتأثر لأننا راينا ان هناك اقبالا كثيرا جدا على الشراء ونحن نعتمد على الجمهور اللبناني والجمهور اللبناني المقيم في الخارج والذي يأتي في فصل الصيف" وأضافت "نحن نأمل ان تكون الحالة افضل من الناحيتين السياسية والامنية وان تنتهي هذه المهرجانات بجو جميل جدا وان شاء الله يكون افضل."