فقد شكلت الصحافة الثقافية والأدبية عنصراً مهمة في إيجاد الآليات التي ربطت الجمهور بالصحيفة اليومية، وكان هذا ينطبق علي مراحل متعددة من عمر الصحيفة. وبشكل أكثر دقة يمكن القول بأن الحداثة الأدبية في القرن الماضي قد ارتبطت بالصحيفة اليومية، وحققت عبر ذلك ارتباطاً وتواصلاً مع المخيلة الثقافية العامة، وحقق هذا الارتباط بين المبدع الفرد وبين الجمهور عبر الصحيفة إمكانية نشوء خطاب سياسي مضمر، مواز ومعارض في كثير من الأحيان للخطاب السائد الذي كانت الصحيفة ذاتها تخضع له لقد حققت الصحافة الثقافية بذلك إنجازاً مكنها من تجاوز آليات وضوابط السوق والرقابة. السيد يس عالم الاجتماع له موقف حاد من وسائط الاتصال الحديثة ومن المدونين لمشغولين بتحليلات سياسية سطحية، ودعوات غير مدروسة للقيام بإضرابات ومظاهرات، ودعوات غوغائية للثورة العمياء ويمتلكون مزاجا فوضويا ونقصا في التكوين النظري يجعلهم يتوهمون تحريك الجماهير من خلال الشبكة بالإضافة إلي أخطاء اللغة وكل ذلك يتم بدون رقابة ودعا يس إلي محاولة إدخال هؤلاء الشباب في الإطار الصحيح. والفنان التشكيلي حلمي التوني أكد أنا ما دفع الشباب إلي الهجرة إلي عوالم الفيس بوك والمدونات بديلا عن الأحزاب هو الواقع السياسي الراكد. فقبل نشوء الصحافة الإلكترونية، اقتصرت المساحة المتوفرة لنشر المقالات والكتابات علي شريحة معينة من المجتمع، وعلي نوعية معينة، فيما أعطت الصحافة الإلكترونية تلك المساحة الشاسعة للأقلام الشابة وغير المتمرسة، فلا قيود عليه أن يكتب أو يستنكر أو يعلق علي مقالة أو خبر، أو قضية أو أي مفهوم سياسي. قال المترجم اشرف الصباغ من الخطأ التعامل مع الانترنت باعتباره عالما افتراضيا وهو ليس كذلك بل عالم واقعي وبأفكار واضحة ومرتبة فالكتابة الرقمية لعبت دورًا في سهولة التواصل بين القارئ والكاتب، وتبادل التعليقات، وخلقت أسرع الطرق التي أوصلت الكاتب إلي مختلف شرائح وأطياف الجمهور العربي، بل منحت الكاتب حقوقه الكاملة في ممارسة البوح والفضفضة والهتاف، وتفريغ الشحنات والطاقات المحبوسة، وصار الكتاب أشبه بالنحل الذي ينقل الرحيق ويمزج العسل ببعضه في الخلية الواحدة ألا وهو موقع الانترنت. وقالت د. رشا عبد الله الأستاذة بالجامعة الأمريكية أن موقعا اجتماعيا مثل ال(فيس بوك يمكن اعتباره الدولة الثالثة في العالم من حيث كثافة السكان إذ يحظي بشعبية في العالم العربي خصوصا في أوساط الطلبة والشباب. وأضاف: إن هذه المواقع قامت علي أساس مساحة حرة للتعبير عما يريد الفرد قوله سواء أكان بلغة ركيكة أم صحيحة سواء أكان لهذه الموقع معني أم لا، سواء أكان لها معجبون أم لا هي مساحة حرة للفرد وهذا ما جعلها اكثر جاذبية رشا سخرت من فكرة الإطار التي دعا إليها يس الإطار المعين الذي يريد الاستاذ سيد يس أن يدخل فيه هؤلاء الشباب؟ ومن الذي يحدده؟ وقالت د. شيرين أبو النجا لا أميل كثيرا لجلد الذات، كأن نداوم علي القول بأن المحتوي المعرفي لا يقدم جديداً، أو أن المجتمع يتفكك بفعل الأفكار الوافدة إلي آخره، لكن ما أميل إليه هو التركيز علي ما نتج عن الشبكة العنكبوتية من مجالات موازية للمجال الرئيسي، مجالات قد تلقي القبول أو الرفض أو التجاهل لكنها في كل الأحوال تعيد صياغة المجال الرئيسي الذي ظل يدير الثقافة العربية منذ أن غادر الاستعمار بلادنا لابد أن يدفعنا كل ذلك إلي إعادة التفكير في صفة الافتراضية هل ما نفترضه بخصوص العالم الافتراضي صحيح أم أنه افتراض دخل حيز الواقع فعليا؟ وقالت نيرمين نزار عن تجربتها في نشر مدونتها إسكندرية بيروت في كتاب مشيرة إلي أنها بدأت التدوين باعتباره مساحة شخصية للبوح ولم تتعامل معه علي الإطلاق باعتباره أدبا واعتبرت المدونات بمثابة ملاذ الشباب للتعبير عما يحملونه من افكار كما انها لم تفكر في نشر مدونتها في كتاب ورقي لأن الكتاب من وجهة نظرها له قدسيته حيث يحرص الكاتب علي سلامة اللغة والمضمون في كتاباته المدون المصري هيثم دبور عرض تجربته تحويل الكتاب الورقي إلي "مدونة" بعد نشر كتابه الذي تناول فيه احوال التعليم في مصر بطريقة ساخرة قام الكثير من المدونين بنسخ بعض المواضيع وضمها الي صفحاتهم الشخصية بقصد استغلالها عن طريق تحويرها ووضع بعض الاضافات عليها مشيرا الي تفشي هذه الظاهرة في عالم المدونات وعدم احترام الحقوق الفكرية للفرد بالإشاره لصاحب النص الاصلي وقالت المترجمة المصرية صاحبة مجلة البوتقة الالكترونية هالة صلاح الدين إن الانترنت وسيط الكتروني يمهد لأدب مختلف وقارنت بين وضع الثقافة العربية علي شبكة الانترنت وضع الثقافة الغربية مشروع أوروبيانا وهي أول مكتبة رقمية تشتمل علي كنوز التراث الأوروبي بينما المواقع العربية المختصة بالادب ما زالت تخطو خطواتها الاولي مقارنة بطفرات حققتها التقنيات الغربية وطبقا لاستفتاء أجرته مؤسسة امريكية فإن تسعة من عشرة أشخاص يعملون في المجال الإعلامي بما يشكل 86% ممن شاركوا في الاستفتاء يعتقدون أن المدونين سيلعبون دورا بارزا في مستقبل الصحافة وعلي الرغم من أن الغالبية عبروا عن عدم رضاهم عن مستوي الصحافة فإنهم مازالوا يرون أنها المصدر الأكثر مصداقية للحصول علي الاخبار.