تواترت خلال الآونة الأخيرة التساؤلات حول غياب المثقفين والفعاليات الثقافية عن مواكبة الواقع، باعتبارهم "لجنة الحكماء" في أي مجتمع، يضعون الآليات والمناهج المجتمعية، ويرسمون خطي المستقبل لبلد تعتبر "الديمقراطية" في مراحل نموها الأولي فيه.. إلا أن الكثيرين منهم عوّلوا علي الخوف من الاتهامات المتتالية ك"ركوب الثورة"، أو "الشهرة"، أو "العمل لأجندات خارجية".. إلا أن ما أثار استغراب الكثيرين هو "خوف الأدباء من الشهرة".. لذا التقينا عددًا من المثقفين والنقاد للوقوف علي عنصر "الشهرة" في رحلتهم الإبداعية، وكيف يرونها؟ وما معاييرها في ميزانهم الثقافي؟ يقول الروائي بهاء طاهر: الشهرة كانت مسألة مغرية في البداية، ولكن فيما بعد تحولت إلى شيء عادي، يشعرني كثيرًا بالحيرة، وهو شعور رهيب بالنسبة لي.. ويضيف بأن العمل الجدي والمستقيم وعدم الانتهازية، سواء كانت سياسية أو سيكويولوجية هو أساس الإبداع، لكن المهم هو عندما تُقرأ أعمالي من قبل مجموعة طلاب أو مثقفين في أي مكان؛ لذا فالشهرة عبارة عن زبد سطحي جدًا يذهب جفاء وسدي، وربما يكون هناك عمل جاد نمارسه لعدة أعوام ولا تكتب له الشهرة.. إنني أكتب منذ فترة طويلة جدًا، وأكتب يوميًا ولن أبحث عن الشهرة، ولن أعمل من أجلها. أما الروائي جمال الغيطاني، فيقول: لا أفكر في نفسي أو في شهرتي ، لأن غالبًا ما تكون معركتي في الكتابة، هي معركة إلغاء شخصيتي، في مواجهة شخصيات أعبر عنها على الورق؛ فالأمر يحتاج مني أن أتراجع بشخصيتي، وأحاول ألا أتقدم، وألا أكون أحد أبطال عملي.. فالشهرة فخ من فخاخ الحياة، وقد تقتل الإبداع، لذا فما يهمني هو أن أصل إلى مشاركة حقيقية من القارئ؛ فالكتابة بالنسبة لي بحر بلا حدود، ولا أحب أن أتحول إلى كاتب يلهث وراء الشهرة، وربما كان لاشتغالي بالصحافة، وتحول بعض أعمالي إلى أفلام سينمائية، دور في أن يكون لي نصيب من الشهرة، لأنه لا يجوز أن أرجع ذلك إلى مستوى أعمالي، والتي أترك الحكم عليها للنقاد والقراء. وعن تجربته مع الشهرة والإبداع، يقول الشاعر محمود قرني: في مرحلة البدايات كنت أقف صغيرًا أتطلع بعيون مبهورة، مشدودًا إلى مشاعر وتيارات مختلفة حولي تتضارب وتتفاعل، وأنا لا أكاد أرى أين موقعي منها، أقف على تراث قديم وأمد يدي إلى نار المستقبل، وأكاد أسقط وأنا في مكاني، وبكل ما فيّ من تفاعل واضطراب وجنون وطموحات، بكل هذه الانفعالات والصفات المتناقضة، كونت الأقدار شخصيتي؛ لقد وقفت لأكتب شيئًا ما، ولكني حتي هذه اللحظة لم أكتب ما أريد. خصام مع الشهرة الشاعر شعبان يوسف، قال بأن ظروفه الحياتية لم تؤهله للسعى وراء الشهرة.. ونبه إلي أنه إذا سعى الكاتب لأن يصبح نجمًا، فلن يكون كاتبًا جيدًا، لأن للشهرة ثمن، ومازلت أؤمن بأن من واجبي، أن أعبر عن الأحداث المحيطة بي بالكتابة، وليست هناك غاية لأن أكون نجمًا.. مؤكدًا أن الكتابة بالنسبة له معاناة حقيقية بكل أبعادها، فهي مزج للخارج بالداخل، لأن المبدع علي الدوام يمثل الناس.. قائلًا: لي شخصيتي الأدبية، لأنني لم أقلد أحدًا، ولم ألهث وراء الشهرة. وفي رأي الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة: إن كل ما أعرفه أنني حاولت مبكرًا الوصول لصوتي الشعري الإبداعي الخاص، رغم تأثري بكل الأصوات المبدعة الجادة والأساسية لحركة الشعر، إلا أنني نجحت في التخلص من هذا التأثير، وإضافة تجربتي بملامحها الواقعية والإنسانية في نفس الوقت.. وإنني أشعر أني قمت بعمل جاد في مجال التجربة الشعرية؛ لقد عانيت معاناة حقيقية من أجل الكتابة، ومن أجل الشعر لم أتوقف لحظة في التزود بثقافة حقيقية، سواء كانت منابعها قومية أو عربية أصيلة أو عالمية؛ فالشهرة لا تهمني كثيرًا، ولكني راض عما أعطيت، وبكل تأكيد غير راض عما أخذته، ولكن كل ما يشغلني أن أتجاوز ذاتي في كل عمل جديد، وأن أبرأ من التكرار والتردي.